مظاهر الإسلام في الجزائر ما بعد بوتفليقة فرصة لتقديم أفضل مظاهر المسيحية
بقلم ربيع الحصباني
الخبر
بحلول 2 أبريل/ نيسان، تغيّر المشهد السياسي في الجزائر. بعد سبع جولات من المظاهرات الجماهيرية، استقال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رسميًا. مع تطور حقبة ما بعد بوتفليقة في الجزائر، من المرجّح أن يواصل قادة البلاد المدعومون من الجيش تشكيل توجه سياسة البلاد. غير أنّ المجتمعات الإسلامية المختلفة في البلاد ما برحت تشكّل عنصرًا هامًا في النسيج الاجتماعي الجزائري ولديها الفرصة للعب دور مهم في الحياة السياسية للبلاد. تتكوّن العناصر الإسلامية الرئيسة الثلاثة في الجزائر من الإسلاموية المتطرفة، والأحزاب الإسلامية المعتدلة، وحزب الدعوة الإسلامية.
التحليل
في تسعينيات القرن العشرين، استغلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ الانفتاح الديمقراطي في البلاد الذي بدأ عام 1989 للدعوة إلى إقامة دولة إسلامية؛ اندلع العنف الجهادي بعد توقف العملية الانتخابية في عام 1991، ودخلت البلاد في عقد من الحرب الأهلية. خلال الصراع الأهلي، ساهم القمع الشديد الذي تمارسه قوات الأمن إلى حدّ كبير في تطرف الآلاف، لا سيّما الشباب.
غير أنّ السلطات سعت لمحاربة الجهادية ليس فقط بالأسلحة ولكن أيضًا من خلال تبني أساليب توفيقية، بما في ذلك معاهدات وقف إطلاق النار وعمليات المصالحة وكذلك برامج إعادة التأهيل. اليوم، تقدم الجزائر، بمزيجها من الأساليب المختلفة، مثالاً ناجحًا على كيفية تحييد الجهادية، والآن لم تعد الإسلاموية الراديكالية تمثّل طريقًا مرغوبًا فيه لمعظم الجزائريين. وكما يقول أحد المتظاهرين، “لقد تم تطعيمنا ضد الجبهة الإسلامية للإنقاذ وتجاوزاتها“.
ومن المرجّح أن تستمر الأحزاب الإسلامية المعتدلة في لعب دور في الفترة الانتقالية، لكن الجمهور سوف يعتبرها أدوات للنظام غير المرغوب فيه. خلال الاحتجاجات الأخيرة، على سبيل المثال، طرد المتظاهرون عبد الله جاب الله، زعيم حركة الإصلاح الوطني والآن رئيس جبهة العدالة والتنمية. وبالمثل، تمّ تهميش عبد الرزاق مقري، زعيم الحزب الإسلامي الرئيسي في الجزائر، حركة مجتمع السلم. يعكس رفض هذين الشخصين البارزين في الإسلام المعتدل عدم شعبية هذه الأحزاب الإسلامية.
نجحت السلطات الجزائرية في إدراج الإسلام المعتدل في السياسة. نجح حزب مجتمع السلم في شقّ طريقه إلى البرلمان وحتّى إلى الحكومة. على الرغم من أنّه لا يزال جزءًا من المعارضة، فإنّ حزب مجتمع السلم ليس متشددًا ولا مواجهًا. في الواقع، أصبح موظفوه منغمسين في امتيازات السلطة بحيث يصعب عليهم التخلي عن مصالحهم. في الواقع، لقد أصبح مجتمع السلم مرتبطًا جدًا بالنظام لدرجة أنّه إذا كان سيكون له دور كبير في الحياة السياسية للجزائر بعد بوتفليقة، فعليه أن يستعيد مصداقيته بسرعة.
في حين أنّ السياسيين الإسلاميين المعتدلين متواطئون في الممارسات السيئة للنظام، فإنّ مظاهر أخرى أكثر شعبية للإسلام السياسي مثل الدعوة السلفية تشق طريقها في المجتمع. تُعرَّف الدعوة السلفية في بعض الأحيان على أنّها شكل من أشكال “السلفية الهادئة“، حيث لا تشارك الحركة في عمل سياسي واضح. غير أنّ العديد من أعضاء حزب الدعوة لديهم آراء سياسية قوية ويعلّقون بإسهاب على الأحداث السياسية. يقول الباحث يعقوب أوليدورت في مقاله المعنون “سياسة السلفية الهادئة”: “إنّ الهدوء الصامت هو المكان الذي يُسمع فيه الصوت السياسي للنشطاء السلفيين… أفعالهم السياسية هادئة، لكن صوتهم السياسي مرتفع “.
أصبح حزب الدعوة الآن الحركة الاجتماعية الإسلامية الرئيسة في الجزائر، وتأثيرها في تزايد. بينما تدرك هذه الجماعة الإسلامية أنّ تأسيس خلافة إسلامية في الجزائر يتطلب قطع شوط كبير، إلّا أنّها لا تزال على استعداد لمتابعة أجندة الأسلمة التي تسعى إلى إعادة تشكيل الممارسة الاجتماعية الدينية في أساس الحياة اليومية التي لها انعكاسات سياسية كبيرة.
التأملات اللاهوتية وانعكاساتها الإرسالية
باختصار، لا يزال قلب الإسلام السياسي ينبض في الجزائر وسيظل عنصرًا مهمًا في الحياة العامة للبلاد. يظهر الإسلام بمظاهر مختلفة تمامًا مثل أي دين آخر. المشكلة ليست في الدين بل في مظاهره التي تعكس الجشع الإنساني والتنافس على السلطة والسيطرة. وبدلاً من أن يكون الدين عاملاً محفزًا للتحول الإيجابي في المجتمعات، يمكن أن يصبح الدين أداة لتحقيق الامتيازات السياسية والاقتصادية. كما يقول زميلي، مرتان عقّاد، في مدونة معهد دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإقليمية لشهر مايو/أيار 2019 حول التحولات الحالية في التركيبة السكانية الدينية في العراق:
“بدلاً من السماح للقيم الإيمانية بإلهام ممارسة اجتماعية اقتصادية أفضل وتعزيز التنوع والتعايش التعددي، فإن الجهات الفاعلة الدينية تميل إلى استخدام نفوذها الديني لزيادة سيطرتها ونفوذها على الجماعات الدينية الأخرى.”
يجب أن يكون أتباع المسيح في الجزائر، كما هو الحال في أماكن أخرى، حافزًا للتحول الإيجابي في مجتمعاتهم وأن يمثّلوا أفضل مظهر للمسيحية. لديهم الفرصة ليكونوا مثالاً على المحبة والوحدة في خضم التنوع الديني والثقافي الذي يمكن أن يؤدي بسهولة إلى انقسامات في المجتمع. من خلال القيام بذلك، فإنّ أتباع المسيح سيعكسون الوصية العظمى لمحبة الله والقريب، وإظهار جوهر المسيح والمجتمعات المتشبهة بالمسيح. يمكنهم العمل على إظهار أخلاقيات الملكوت والقيم التي تتجاوز المصالح الشخصية لتحقيق الخير العامة للمجتمعات. فبدلاً من السعي لتحقيق منفعة مجتمعاتهم كأقلية، وإهمال الآخرين أو المجتمع الأوسع، يمكنهم ويجب عليهم الشراكة مع الجماعات الإسلامية في مجتمعاتهم سعيًا وراء الصالح العام.