الثورة اللاعنفية تتسبب في سقوط رئيس السودان الذي دامت سلطته عقود
بقلم تريزا صفير

الخبر
ها هي المظاهرات التي دامت عدة أشهر تأتي بثمر في نهاية المطاف. تمّت الإطاحة بالبشير في ١١ أبريل/نيسان بعد حكم دام ٣٠ عامًا. في ١٦ أبريل/نيسان، نُقل إلى سجن كبر السيء السمعة، والذي يضم آلاف السجناء السياسيين. في ١٧ أبريل، أعلنت الجماعات المسلحة السودانية وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر في المناطق الخاضعة لسيطرتها في ولايتي النيل الأزرق الجنوبي وجنوب كردفان.
وسرعان ما تحوّل فرح المتظاهرين إلى غضب عندما وصل عوض محمد أحمد بن عوف، وزير الدفاع وأحد المقرّبين من عمر البشير إلى السلطة. ابن عوف متّهم بارتكاب جرائم حرب في منطقة دارفور بغرب السودان. بمجرّد وصوله إلى السلطة، طالب ابن عوف بالإفراج عن السجناء السياسيين، وفترة انتقالية مدّتها سنتان بقيادة مجلس عسكري، وتعليق الدستور السوداني، وحلّ الحكومة، وحظر التجوّل ابتداءً من الساعة ١٠ مساءً. وقد عُزِل ابن عوف بعد يومين.
قدم المجلس العسكري بعض التنازلات لإرضاء المتظاهرين، مثل عزل ثلاثة من كبار المدّعين العامين في البلاد، وتعيين رئيس جديد للمخابرات، ودعوة منظمي الإحتجاج إلى اتخاذ قرار بشأن رئيس وزراء مدني. صرّح قادة الاحتجاج بأن المظاهرات لن تتوقف حتى يسلّم المجلس العسكري الانتقالي السلطة إلى المدنيين قبل الانتخابات.
التحليل
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمري اعتقال بحق عمر البشير، أحدهما في ٤ مايو/أيار ٢٠٠٩ والآخر في ١٢ يوليو/تموز ٢٠١٢. وبذلك يكون أحد الهاربين من العادلة أطول مدّة. لقد ارتكب جرائم ضد الإنسانية بما في ذلك جرائم الحرب والإبادة الجماعية. تعرّض مئات الآلاف من الأشخاص في إقليم دارفور السوداني للتعذيب والتشويه والقتل منذ عام ٢٠٠٣. وقامت قوّات الأمن التابعة للبشير بما في ذلك الجيش السوداني وميليشيا الجنجويد والشرطة وجهاز المخابرات والأمن الوطني بتنفيذ الكثير من تلك الجرائم.
تهرّب البشير من العدالة كل هذه السنوات هي خيانة لجميع ضحايا دارفور. من الضروري الآن أن تسلّم السلطات العسكرية الانتقالية في السودان البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية حتى تأخذ العدالة مجراها.
التأمل اللاهوتي والتوصيات الإرسالية
أصرّ المتظاهرون على عدم محاربة الشر بالشر على الرغم من تعرض عدد كبير منهم للتعذيب والقتل. اختاروا عدم إلحاق الضرر الجسدي أو المادي. استمروا في المطالبة بالحرية والعدالة وهم هاتفين “سلمية! سلمية! ” لقد عبّر الذين يراقبون الأحداث عن قلقهم من أن السودان قد تصبح سوريا ثانية إذا استمرت الاحتجاجات. لم يحدث هذا لأن المدنيين امتنعوا عن استخدام القوة مع أن عدد كبير منهم مؤهل عسكريًا.
يجب أن نخضع لحكامنا (رومية ١٣:١)، لكن الخضوع لا يعني الطاعة. يمكن للمرء أن يخضع لسلطة طوعاً دون أن يطيع كل تعليماتها، خاصة إذا كانت تتعارض مع تعليمات الله. إن طاعتنا الكاملة هي لله وحده، لأنه هو الوحيد الذي يعرف كل شيء ومعصوم عن الخطأ. يذكر الكتاب عدّة أمثلة عصى فيها شعب الله القانون السائد لكي يطيعوا الله. قامت القابلات العبريات بعصيان قانون قتل الأولاد العبريين الصغار في مصر (خروج ١: ١٥-١٨). عصى دانيال مرسوم الملك داريوس عندما رفع صلاته إلى الله (دانيال ٦: ٧-٩). بشّر بطرس ويوحنا بيسوع رغم أنه كان قد طلب منهم عدم القيام بذلك (أعمال الرسل ٤-٥). هذا يعني أنه يمكن للكنيسة أن ترفع صوتها بطريقة ناشطة وسلمية ضد أي ظلم سائد يلحقه الحكام بشعوبهم.
لقد عبّرت الكنيسة السودانية بوضوح عن سعادتها بالانتصار الوطني. ولكن يبدو أن الكثير من المؤمنين السودانيين ما زالوا غير متأكّدين إذا كان ينبغي أن يكون لهم دور فعّال في المظاهرات غير العنيفة أو إذا كان ينبغي عليهم حصر مشاركتهم في الصلاة والصوم. ورغم أنّه ثمة الكثير من القوة في الصلاة والصوم، يجب علينا أيضًا أن نكون ملح ونور. تماما مثل دانيال، نحن ملح عندما نظهر ولاء ثابت لله. نحن لا نقع في فخ تغيير خطابنا مع تغيّر السلطة. نحن نورعندما نخدم مجتمعنا بنشاط. نحن في العالم ولكن لسنا منه.