الحريّة لا تشتري كرامة

بقلم ربيع الحصباني

 

الخبر

في الذكرى الثامنة للربيع العربي، غالبا ما يُشاد بتونس على أنّها قصة نجاح نادرة، وسط منطقة لا تزال تعاني الحروب والأزمات الإنسانية والتهجير. غير أنّه بالنسبة للكثير من التونسيين، فإنّ المثل العليا للمظاهرات التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي لم تتحقق بعد.

دعا الاتحاد العام التونسي للشغل أعضاءه البالغ عددهم 677،000 إلى النزول إلى الشارع يوم الخميس، 17 يناير / كانون الثاني. ووفقاً لممثلي النقابات، فإنّ الغرض من هذا الإضراب هو المطالبة بتحسين الأجور وظروف العمل لموظفي الخدمة المدنية.

التحليل

يقول المتقاعد الأسعد حمدي، أحد المتظاهرين:

  “لقد كان لثورة الشعب التونسي مثلها الأساسية وهي حقوق الشعب بالتوظيف والحرية والكرامة. غير أنّه لم يتحقق أي من هذه المثل العليا من قِبل هذه الحكومة، أو الحكومات السابقة، التي ولاؤها “للوسطاء” ورؤوس الأموال الأجنبية؛ والتي تتبع توجيهات صندوق النقد الدولي”.

وفقًا لمدرّسة اللغة الإنجليزية مروى الشريف، في مدونة طويلة ومحزنة:

“في الواقع، الحكومة تدفن أحلامنا. كبار السن يتهموننا بالهروب بدلًا من التعامل مع الواقع ومحاولة تغييره. آخرون يتهموننا بالأنانية وعدم الوطنية. سألت بعض معارفي الذين هاجروا لماذا فعلوا ذلك وكانت إجاباتهم متطابقة تقريبًا – “نحن نغادر بحثًا عن حياة كريمة.” الكرامة، شيوخنا الأعزاء، ليست فقط في الرفاهية المادية ولكن بأن تشعر أنّ حقوقك محفوظة، وأن تشعر بأنّه عندما تكون مريضًا ثمّة من سيقدّم لك الرعاية الطبية، وإذا كنت مصابًا، ستُخدَم بعدالة. لماذا يجب أن يعاني المواطنون كي يتمكنوا من الحصول على وسائل بكلفة معقولة إلى أماكن عملهم، إذا كان لديهم عمل؟ وعندما يعملون، فإنّهم يحصلون على مبلغ زهيد. فلماذا يجب أن يتعرض الناس لغطرسة مديريهم، وأن يتحمّلوا شتائم رجال الشرطة، وسرقة القضاة، وجشع المدرسين، وفساد رجال الدين؟”

على عكس الدول العربية الأخرى، جلبت الثورة التونسية ديمقراطية، لكن الحرية وحدها لا تكفي لشراء الطعام والصحة والتعليم. يعاني الشعب التونسي من إحباط شديد. البعض يهاجر بينما يختار آخرون الكفاح من أجل تحسين الظروف. ومع ذلك، فإن كلاهما يسعى إلى استعادة كرامته كمواطن.

التأمل اللاهوتي

ترتبط كرامة الإنسان في الكتاب المقدس ارتباطًا وثيقًا بمجد الله وأهميته. تستمد البشرية كرامتها من الله لأنّنا خُلقنا على صورة الله ومثاله. كما أنّه من الكرامة للبشرية أن الله اختار أن يأخذ جسدنا البشري في يسوع المسيح. التجسد، كما جاء في يوحنا ١: ١٤؛ “والكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وحَلَّ بَينَنَا”، يُكرم الجنس البشري. توضّح تعاليم صورة الله والتجسد أنّ الإنسان وجسده وروحه قد مُنحوا كرامة.

عندما أخرج الله شعبه من قيود العبودية في مصر إلى حرية جديدة في أرض الميعاد، اهتم باستعادة كرامتهم من خلال الشريعة التي أُعطيت لموسى ومن خلال مسكنه في وسطهم في خيمة الاجتماع. أكرمهم الله كثيرًا بحضوره معهم. يعكس هذا العمل رغبة الله في أن يكون مع شعبه، وهو في حد ذاته عمل يمنحهم كرامة. وضعت الشريعة معايير لعلاقة الشعب مع الله ومع بعضهم البعض، أعطتهم قواعد وتعليمات أخلاقية لضمان العدالة الاجتماعية للفقراء، والأرامل، والمستضعفين، والمهمشين. أمر الله شعبه أن يفكّر في الفقراء والأجانب،

“وَعِنْدَمَا تَحْصُدُونَ حَصِيدَ أَرْضِكُمْ لاَ تُكَمِّلْ زَوَايَا حَقْلِكَ فِي الْحَصَادِ. وَلُقَاطَ حَصِيدِكَ لاَ تَلْتَقِطْ. وَكَرْمَكَ لاَ تُعَلِّلْهُ، وَنِثَارَ كَرْمِكَ لاَ تَلْتَقِطْ. لِلْمِسْكِينِ وَالْغَرِيبِ تَتْرُكُهُ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ.” (لاويين 19: 9-10)

من خلال القيام بذلك، أُعطِيَ الفقراء والأجانب الفرصة لجمع قوتهم بكرامة.

الانعكاسات الإرسالية

ثمة فرصة للكنيسة في تونس ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للقيام بدور نشط في المجتمعات التي الساعية إلى الكرامة. وتدعو الأزمة المالية الكنيسة إلى تقييم احتياجات مجتمعها والبحث عن الموارد التي لديها لتلبية الاحتياجات. أحد المشروعات التي يمكن للكنيسة أن تقودها في هذه المواقف هو استخدام أموالها أو جمع الأموال لفتح فرص العمل أو منح قروض للأشخاص الذين يمتلكون المهارات والأفكار لبدء المشاريع الصغيرة الخاصة بهم. تقوم بعض المنظمات بالفعل بمشاريع مماثلة وربّما حان الوقت لكي تفكر الكنيسة خارج المألوف وتقوم بمبادرات مماثلة. يمكن للكنيسة العالمية المشاركة في هذه المشاريع والشراكة مع الكنائس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل السعي إلى رفاه مجتمعاتنا واستعادة كرامتها.