الفتّاح العليم وميلاد المسيح ملحمة وطنيّة فوق أرض المعجزات
بقلم ميشال عودة
الخبر
طالعتنا في الآونة الأخيرة وسائل الإعلام المصريَّة والعالميَّة بحدثٍ عظيمٍ في مصر وهو بناء أكبر مسجدٍ وأكبر كاتدرائيَّةٍ في العاصمة الإداريَّة الجديدة في مصر، والَّتي تبعد عن القاهرة حوالي 60 كيلو مترًا تقريبًا.
يُعدُّ هذا الحدث الَّذي أعلن عنه رئيس الجمهوريَّة السَّيد/عبد الفتَّاح السِّيسي مُنذ عامين أثناء حضوره الاحتفال بعيد الميلاد في السَّادس من يناير/كانون الثاني 2017، حدثًا فريدًا من نوعه حيثُ تزامن بناء مسجد “الفتاح العليم” وكاتدرائيَّة “ميلاد المسيح” في وقتٍ واحدٍ أثناء الاحتفال بعيد الميلاد المجيد في السَّادس من يناير/كانون الثاني 2019.
شُيِّدت الكاتدرائيَّة على مساحة 8500 متر مربّع، حتَّى تستوعب أكبر عددٍ من المواطنين، وتتضمَّن كنيسة الشَّعب الَّتي تتسع نحو 1000 مواطن، ومبني المقرّ البابويّ. أمَّا مبنى الكاتدرائيَّة فهو يتسع لـ 8200 فردٍ، وقد يُشكِّل مع من حوله من المباني داخل الموقع سيمفونيةً فائقة الجمال من حيثُ الشَّكل والمظهر. أمَّا المسجد فيتكوَّن من مبنى أرضي على مساحة 6000 مترٍ مربّع، ويستوعب حوالي 17 ألف مُصلٍّ من الرِّجال والنِّساء.
التحليل
كما ذكرنا آنفًا يُعدُّ حدثًا هذا الحدث فريدًا من نوعه ولا سيّما في الفترة الأخيرة الَّتي شهدت فيها مصر أعمال عُنفٍ وفتنٍ طائفيَّةٍ كثيرةٍ. فيرى البعض من المُسلمين والمسيحيّين أنَّ هذا الحدث يُعدُّ تعبيرًا عن وحدة النَّسيج الوطنيّ كما يقولون، وعلى الجانب الآخر هناك الكثير أيضًا ممَّن يرون الحدث نوعًا من “المُجاملة” للمسيحيَّين، وتعبيرًا عن اهتمام الدَّولة بهم.
يقول مراقبون “إنَّ الرَّئيس يُغازل بـ”كاتدرائية ميلاد المسيح” مسيحيي مصر الَّذين تعرَّضوا للعديد من التَّهديدات والهجمات الدَّامية في السَّنوات الأخيرة، في بلدٍ يضع قيودًا عدَّةً على بناء الكنائس بينما تُبنى فيه المساجد دون تعقيداتٍ.
انقسم الأقباط حول هذا الحدث، فمنهم من رأى أنّ الكنائس في مصر باتت لتشييع الشهداء الذين يسقطون جرّاء الأعمال الإرهابيّة التي تطالهم في ظلّ تقصير الدولة وعدم جديّتها في تأمين الحماية لهم، ومنهم من اختار النّظر إلى الجزء الممتلىء من الكوب وأنّ بناء أكبر كنيسة في الشّرق الأوسط في بلدٍ إسلاميّ يُعَدُّ أمرًا مهمًّا يُساعد المسيحيّين لكي يثبتوا في أرضهم رغم الاضطهاد الذي يتعرّضون له.
لقد طال الانتقاد أيضًا اهتمام السِّيسي ببناء دور العبادة وتجاهله بناء مستشفيات جديدة أو مؤسسات تعليميَّة في بلدٍ يعجُّ بالمساجد والكنائس. إنَّ التَّعبير عن وحدة النَّسيج الوطنيّ لا تحتاج لبناء دور العبادة بقدر حاجتها للمُساواة وحقوق المُواطنة العادلة بين أبناء البلد الواحد بدءًا من التَّوظيف في جميع مراكز الدَّولة مرورًا إلى نبذ العُنف ومحاربة التَّطرف.
التأمل اللاهوتي والانعكاسات الإرسالية
ليس من العيب أو الخطأ بناء دور العبادة، في بلادٍ مليئةٍ بالمؤمنين الَّذين لديهم الشَّوق لعبادة الله في الأماكن المُخصَّصة لذلك. لقد أعلن الله عن أهميَّة أماكن دور العبادة في العهد القديم بكُلِّ تفاصيل خيمة الاجتماع والهيكل. وثمة عبر التاريخ المسيحي أهمية كبيرة لمكان العبادة حيث يجتمع أتباع المسيح. ولا نُنكر الدَّور الإرسالي للكنيسة بأنَّها منارة لخدمة المُجتمع.
وأيضًا تُعدُّ المساجد أماكن عبادة الأخوة المُسلمين مكانًا مُقدَّسًا وبيتًا لله، ولا يُمكننا التَّقليل من قيمتها بالنِّسبة لهم. ولكن دعونا نقترب من قلب الله، وننظُر نظرة إلهيَّة على المُجتمع وعلى الفرد. والسُّؤال الَّذي يطرح نفسه هنا هل كان اهتمام المسيح بفخامة المكان وبتشييد الأبنية العالية؛ أم كان جُلَّ اهتمامه بحاجة الإنسان الرُّوحيَّة والماديَّة من شفاءٍ وتعليمٍ وغذاءٍ وتوبةٍ.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كان المسيح مهتمًا بعظمة مكان معين وتشييد مبانٍ عظيمة أو كان اهتمامه الأكبر بالحاجات الروحية والمادية للناس من شفاء، وتوبة، وتعليم، وقوت ومأوى. لدى شعب الله أولويات أكثر أهمية من المباني الكبرى. تحتاج الدولة والكنيسة والمسجد إلى ترتيب أولوياتهم، وأن يحرصوا من تقييد أنفسهم بمظاهر العظمة المعاصرة. وهنا يبرز الصَّوت النَّبوي الكنسي في تحديد الأولويات التي تؤول إلى إعلان الأخبار السارة لمجتمعاتها.