بقلم شادن هاني
“شجاعة المحبة” تعبيرٌ سمعته للمرّة الأولى من سياسي لبناني ناشط يُعتبر عرّاب المصالحة المسيحية اللبنانية، إذ ساهم بمصالحة حزبين سياسيَين رئيسَين في لبنان. كما أفاد أنّ “أمل لبنان الوحيد هو في نهضة الكنيسة”. انطلاقًا من هذا الهدف، يسعى معهد دراسات الشرق الأوسط متسلحًا بشجاعة المحبة إلى تحقيق رؤيته في العمل على إحداث تغيير إيجابي في التفكير والممارسة بين المسيحيين والمسلمين في الشرق الأوسط وخارجه، كما يسعى المعهد إلى تعزيز نموذج المسيح للسلام من خلال توفير مجالات لقاء بين الناس المتنوعين في لبنان، لمعالجة قضايا الظلم وتيسير الشفاء. لذلك يسعى معهد دراسات الشرق الأوسط إلى تحقيق المصالحة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان من خلال مبادرة ” شبكة الكنائس والمساجد”.
“شجاعة المحبة” هي الخطوة الأولى نحو المصالحة. لقد مزّقت سنوات النزاع والحرب النسيج الاجتماعي اللبناني وأجبرت مواطنيها على الاعتزال في تجمعات دينية سياسية تتجلى في واقع شبه كونفدرالي. قد يعيش اللبنانيون جنبًا إلى جنب ولكن في الواقع لا نعيش مع بعضنا البعض “عيشًا مشتركًا.” في حين أنّنا كلبنانيين نتشارك البقعة الجغرافية نفسها، إلا أنّنا غالبًا ما نحدّ تعاطينا وتعاملنا مع الاجتماعي – السياسي الآخر بأقل قدرِ ممكن. وحين تنجح إنسانيتنا المشتركة في التقريب بين الناس، سرعان ما يُستخدم الدين والسياسة لحقن النفوس وتزكية المشاعر بروح العدائية والنزاع.
جوهر رسالة العهد الجديد هو أنّ الله اختار بدافع المحبّة أن يدعونا لعلاقة مصالحةٍ مع نفسه بمجيئه إلينا في المسيح. إنّ معهد دراسات الشرق الأوسط ملتزم ببناء السلام الإعلاني، الذي يُعرَّف بأنّه “إعلان الإنجيل المُعاش”، المُمثَّل بشخص المسيح وإرساليته ورسالته. نحن نؤمن أنّ إعلان الإنجيل المُعاش بين الناس يضحى مُقنعًا يقدمونه تلاميذ المسيح بكلمات النعمة والحياة الصادقة. نحن نؤمن أنّه في التزامنا بإعلان إنجيل المصالحة للجميع، بغض النظر عن العرق أو الانتماء الديني، ننقل صورة الله في المسيح.
شبكة الكنائس والمساجد هي مبادرة رائدة أطلقها معهد دراسات الشرق الأوسط بمتابعة من قبل فريق توجيهي مكوّن من ستة قادة دينيين من مختلف الطوائف في لبنان. رؤيتنا أن نرى مجتمعاتنا تتغلب على الطائفية عبر العمل من أجل الخير العام، وتعزيز علاقات سليمة بين الأديان، والحدّ من مخاطر النزاع المسلّح. هدف الشبكة هو توفير منصّة فعّالة لحوار الأديان على مستوى القواعد الشعبية.
أفسس 14:2-16 “فالمَسيحُ هوَ سلامُنا، جعَلَ اليَهودَ وغَيرَ اليَهودِ شَعبًا واحدًا وهدَمَ الحاجِزَ الذي يَفصِلُ بَينَهُما، أيِ العَداوَةَ، وألغى بِجَسَدِهِ شَريعَةَ موسى بأحكامِها ووَصاياها” فعلى مثال المسيح نقارب المجتمعات المسيحيّة والمسلمة في لبنان. غرض المبادرة هو ليس خلط الأديان بل ممارسة الضيافة التي تهدم الجدران الفاصلة. عندما ترحّب جماعة دينيّة بأخرى لتأمل الصلاة في دور عبادتها تُمحى العداوة ويحلّ السلام على مستوى القاعدة الشعبيّة.
انطلقت المبادرة لأوّل مرّة في مدينة صيدا اللبنانية، وهي المدينة التي احتفظت بأغلبية سنيّة بعد الحرب الأهاية اللبنانية (1975-1990) وبعدد أقل من الطائفة المسيحية المتواجدة في محيطها. عَرَض الفريق التأسيسي للشبكة المبادرة على قادة الطوائف المتواجدة في صيدا، الذين ساهموا في تشكيل فريق عمل من رجال الدين يمثّل كافة التجمعات المسيحية والمسلمة في المدينة. كلّ عضو في هذا الفريق من القادة الدينيين مسؤول عن اختيار 10-15 شخصًا من رعيته، يشاركون في تبادل الزيارات والنقاشات حول مواضيع دينية مشتركة تتعلق بقضايا الحياة اليومية، على أمل أن يصِل ذلك بالفريقين إلى تطوير المبادرات المشتركة التي تخدم الخير العام في المجتمع المحلّي.
في البداية، شكلّت هذه الزيارات تحديًا. ليست عادة المسلم أن يزور خدمة عبادة مسيحية، كما أنّه ليس من الطبيعي أن يزورالمسيحيون صلاة الجمعة في المسجد. فتمّ إدخال الزيارات التمهيدية التي تسمح لكلّ مجموعة فرصة طرح الأسئلة بغية تطوير فهمٍ أفضل للكنيسة والمسجد كأماكن عبادة. أبدى أفراد المجموعات المختارة تلهفًا كبيرًا للتعلم عن الجماعات الدينيّة الأخرى، وأن يكونوا جزءًا من هذه المبادرة غير المألوفة.
عندما مدّ يسوع المسيح يده كي يلمس ويشفي الأبرص (لوقا 13:5)، كان يفسح المجال لمحبة الله أن تقدّم الشفاء لهذا الأبرص. إنّ المحبّة التي تبسط يدها هي بداية شفاء الجروح الطائفيّة. حين تكلم يسوع مع المرأة السامرية، اعتُبر عمله هذا مبادرة ثوريّة. وحين جلس يأكل مع جباة الضرائب والخطأة كان يأخذ مبادرة ثوريّة. في كلّ خدمته نجد يسوع يأخذ مبادرات ذات انعكاسات ثوريّة. لقد بدأ يسوع في مدّ ذراع المحبة إلى المكوِّن الاجتماعي السياسي والديني الآخر، متعمداً تجاوز الحدود جاعلًا نفسه الجسر الذي عبره نستطيع الوصول إلى الله والآخر. عبر إزالة الحواجز فيما بيننا، يدعونا الله الى الدخول معه إلى قدس الأقداس لنختبر الشركة التي هي جوهر حياة الله.