بقلم نبيل حبيبي
ما زلنا في أيام الصوم الكبير الأولى. وباتت إعلانات برغر السمك تملأ الطرقات. المسيحيون في لبنان يصومون حتى الساعة 12:00 ظهرًا. معظمهم يتوقفون عن تناول اللحوم والدجاج.
من المفترض أن يكون الصوم الكبير وقت للتخلي. هو وقت نتخلى فيه عن هذه الحياة الدنيوية ونفتح أيادينا بينما ندعو الله أن يأتي ويملأنا من جديد. الصوم الكبير وقت نتذكر فيه أننا ضعفاء، رماد، ولا بل نعانق الضعف.
ولكن، حصلت حادثتان الشهر الماضي قبل بدء الصوم أزعجتاني كثيرًا.
الحادثة الأولى حدثت قبل حوالي الشهر. ضجّت وسائل التواصل الإجتماعية اللبنانية بصور لمسافرين ينامون في كنيسة مطار لبنان الدولي. أصدر المركز الكاثوليكي للإعلام في لبنان بيانًا يستنكر فيه هذا الوضع ويقول أنّ هذا “انتهاكًا لمكان مقدس يمس شعور المسيحيين.” ويطلب المركز من الجهات المعنية التأكد من عدم حدوثه من جديد.
وانتقد كثير من المسيحيين اللبنانيين بشدّة هذه الظاهرة على وسائل التواصل الإجتماعي. يبدو أنّ الجميع افترض (1) أنّ النائمين مسلمون (ربما لأنّ مظهرهم غير “مرتّب” مثل المسيحيين؟) و(2) أنّ النوم بهذه الطريقة في هذا المكان هو إهانة للمسيحيين.
دعونا نسلّم جدلًا أنّ هذين الافتراضين صحيحان. هؤلاء المسافرون مسلمون. ناموا في الكنيسة عن سابق تصور وتصميم كتحدٍ وهزء بهذا المكان المقدّس. يتبادر إلى الأذهان كلام يسوع. من المفيد لنا أن نسمع لكلامه ككنيسة بينما نطلب الحكمة. بما أننا مسيحيين. المسيح كان واضحًا في طلبه منّا أن نرد على الشّر بالخير. رسالته كانت بسيطة: حاربوا الكراهية بالمحبة.
ألم يكن من المناسب أكثر لو طلب المركز الكاثوليكي للإعلام، ومؤسسات مسيحيّة رسميّة أخرى، من كلّ المسافرين المسيحيين المرور بالكنيسة والصلاة؟ عندها عندما يأتي هؤلاء المخربون المزعومون ليناموا لن يقدروا إذ سيرون الاستخدام الصائب للمكان ويرتدعون عن أعمالهم. ألن يكون من الرائع لو وضعت السلطات الكنسية البطانيات في الكنيسة لكي ينعم المسافرون المنهكون بنوم دافئ؟ ألن يكون عظيمًا لو مرّ المسافرون المسيحيون على كنيسة المطار ليتشاركوا الطعام والحديث الطيّب مع المسافرين المتعبين؟
حدث أمر ثانٍ قبل بضعة أسابيع، وهو حوار متكرر أكثر منه حدث. أثارت وزيرة لبنانية مسألة الزواج المدني. لمن لا يعرف، كل الزيجات في لبنان تخضع لقانون طائفي بحسب انتماء المرء. الإنجيليون يتزوجون عل يد رجل دين إنجيلي، والموارنة من ماروني، وهلمّ جر. كما كان متوقعًا جابهت السلطات الكنسية هذه المسألة برفض قاطع ورفضت فتح طريق ثانٍ للزواج: الزواج المدني.
يمكن قول الكثير دفاعًا عن الزواج المدني في لبنان. هذا ليس المكان المناسب. ولكن أفضل حجة تبقى هي أنّه بكلّ بساطة الزواج المدني يعطي الحرية لمن لا يرغب أن يتزوّج تحت اسم الله (أو أن يدفع لمن يدّعون خدمة الله) أن يتزوج في سياق مدني.
ما القاسم المشترك بين الحادثتين؟ في الحالتين الكنيسة تسعى للسلطة.
ما نفع صومنا إذًا؟ كيف يمكننا أن نخلي أنفسنا من هذا العالم عندما نريد أن نبني جدارًا حول كنائسنا يمنع دخول المسلمين؟ كيف يمكننا أن نخلي أنفسنا من هذا العالم بينما نجبر كلّ شخص وُلد مسيحيًا أن يتزوج داخل الكنيسة على أيدينا؟
ما نفع صومنا؟
إنّه لمقطع مشهور وكثير الاقتباس في إشعياء 58: 6-12، حيث يصف الكاتب نوع الصوم المقبول لدى الله. هو صوم يتضمن مشاركة ما نمتلكه مع الذي يمتلك أقل منّا وتحرير المظلومين.
ما زلنا في أيّام الصوم الكبير الأولى. ولكن للأسف، نصوم ونصلّي لإله يساند المظلومين، بينما نحن اليوم ككنيسة، بأكثر من طريقة، الظالمون.
جرّدنا يا رب. جرّدنا من السلطة. لا نريد أن نجلس عن يمينك ويسارك. نريد أن نحمل صليبك.
اقتل ذواتنا يا رب. فقد سكرنا بالسلطة. اخنق أنفاسنا التي تنتن برائحة السلطة، لكي نقوم في قيامتك إلى جدّة الحياة، حياة المحبة لله والآخرين.
وكما يقول النبي:
1″نَادِ بِصَوْتٍ عَال. لاَ تُمْسِكْ. اِرْفَعْ صَوْتَكَ كَبُوق وَأَخْبِرْ شَعْبِي بِتَعَدِّيهِمْ، وَبَيْتَ يَعْقُوبَ بِخَطَايَاهُمْ. 2وَإِيَّايَ يَطْلُبُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَيُسَرُّونَ بِمَعْرِفَةِ طُرُقِي كَأُمَّةٍ عَمِلَتْ بِرًّا، وَلَمْ تَتْرُكْ قَضَاءَ إِلهِهَا. يَسْأَلُونَنِي عَنْ أَحْكَامِ الْبِرِّ. يُسَرُّونَ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ. 3يَقُولُونَ: لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ، ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟ هَا إِنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً، وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ. 4هَا إِنَّكُمْ لِلْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ تَصُومُونَ، وَلِتَضْرِبُوا بِلَكْمَةِ الشَّرِّ. لَسْتُمْ تَصُومُونَ كَمَا الْيَوْمَ لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِي الْعَلاَءِ. 5أَمِثْلُ هذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟ يَوْمًا يُذَلِّلُ الإِنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ، يُحْنِي كَالأَسَلَةِ رَأْسَهُ، وَيْفْرُشُ تَحْتَهُ مِسْحًا وَرَمَادًا. هَلْ تُسَمِّي هذَا صَوْمًا وَيَوْمًا مَقْبُولاً لِلرَّبِّ؟ 6أَلَيْسَ هذَا صَوْمًا أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. 7أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ.
8″حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ. 9حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: هأَنَذَا. إِنْ نَزَعْتَ مِنْ وَسَطِكَ النِّيرَ وَالإِيمَاءَ بِالأصْبُعِ وَكَلاَمَ الإِثْمِ 10وَأَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ، وَأَشْبَعْتَ النَّفْسَ الذَّلِيلَةَ، يُشْرِقُ فِي الظُّلْمَةِ نُورُكَ، وَيَكُونُ ظَلاَمُكَ الدَّامِسُ مِثْلَ الظُّهْرِ. 11وَيَقُودُكَ الرَّبُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَيُشْبعُ فِي الْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيَّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ. 12وَمِنْكَ تُبْنَى الْخِرَبُ الْقَدِيمَةُ. تُقِيمُ أَسَاسَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ، فَيُسَمُّونَكَ: مُرَمِّمَ الثُّغْرَةِ، مُرْجعَ الْمَسَالِكِ لِلسُّكْنَى.
13″إِنْ رَدَدْتَ عَنِ السَّبْتِ رِجْلَكَ، عَنْ عَمَلِ مَسَرَّتِكَ يَوْمَ قُدْسِي، وَدَعَوْتَ السَّبْتَ لَذَّةً، وَمُقَدَّسَ الرَّبِّ مُكَرَّمًا، وَأَكْرَمْتَهُ عَنْ عَمَلِ طُرُقِكَ وَعَنْ إِيجَادِ مَسَرَّتِكَ وَالتَّكَلُّمِ بِكَلاَمِكَ، 14فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ بِالرَّبِّ، وَأُرَكِّبُكَ عَلَى مُرْتَفَعَاتِ الأَرْضِ، وَأُطْعِمُكَ مِيرَاثَ يَعْقُوبَ أَبِيكَ، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ” (إشعياء 58: 1-14