الكنيسة وتفاهة الشر
أغسطس 8, 2019
تسليع الإرسالية في العالم الإسلامي
أغسطس 22, 2019

هل يحقّ للفقراء التماس العدالة والتحرير؟

بقلم روبين داس

ذُهلتُ أنّ لا يوجد مكان في الكتاب المقدس يحث فيه الله الفقراء أو يشجعهم على طلب العدالة.[1]

وعلى مدار الكتاب المقدس، العدالة الاجتماعية ورعاية الفقراء والذين على هامش الحياة هما مسؤولية المجتمع ككل ومسؤولية كلّ فرد. توضح كلمات ميخا 6: 8 ما يطلبه الله منّا من دون أي التباس:

قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلهِكَ.

الأهم من ذلك، هذا ليس مجرد تحدٍ لشعب الله فقط بل للجميع. في بداية سفر مخيا، في الآية 1: 2، أعلن النبي: “اسْمَعُوا أَيُّهَا الشُّعُوبُ جَمِيعُكُمْ. أَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا.”

كتب ابننا ما يلي، في رسالة تأملية حول ما كان يراه أثناء وجوده في بنغلاديش:

غالباً ما يستخدم العاملون في مجال التنمية الاجتماعية التشبيه المجازي، “أعطِ الرجل سمكة وسيأكل يومًا، علّم الرجل صيد السمك وسيأكل دومًا.” وبما أنّ فهمنا للفقر أصبح أكثر تعقيدًا، فقد توسّع الآن هذا التشبيه ليشمل ديناميكيات القوة من خلال طرح السؤال التالي: “من يملك البحيرة التي يصطاد منها الرجل؟” لكن لا تزال هناك أدلة مثيرة للقلق تكشف أنّه على الرغم من الاحتياجات التي قد نراها من حولنا، فإن مساعدة الآخرين لا تحصل بسهولة”.

يعيش معظم الناس في “البلدان الشمالية المتقدمة” في سياقات اجتماعية حيث يُنظر إلى الحصول على الثروة وحيازتها كنتيجة للعمل الجاد وليس له أي دلالات أخلاقية. العمل الجاد له قيمة كبيرة متجذرة في أخلاقيات العمل الإنجيلية، المبدأ الأساسي هو أنّ العمل الشاق يؤدي إلى الرخاء. وهذا بدوره يوفّر الأمن والشرف والامتيازات الاجتماعية والاقتصادية. إذا كان الناس فقراء، فذلك لأنّهم كسالى.

بسبب هذه القيمة المبجّلة للعمل الشاق، فإنّ معظمنا لا يفهم دور النظم الاجتماعية والسياسية الظالمة التي تستعبد الناس في الفقر. إنّهم يواجهون صعوبة في فهم تعاليم يسوع، حيث يبدو أنّ الغنى غالبًا ما يُصوّر على أنّه شرّ وأنّ الفقراء لديهم استحسان خاص لدرجة المحاباة عند الله. غير أنّ يسوع لم يدين أبدًا الأغنياء بسبب ثروتهم، ولكن لعدم تعاطفهم مع الفقراء.

في حين أنّ الفقر قد يكون نتيجة للكسل وإساءة استخدام المواد والإدمان على المواد المخدّرة، إلّا أنّ الإنجيل واضح للغاية أنّ السبب الرئيس للفقر هو الظلم. إذا قمنا “بتمكين” الناس وتدريبهم وتوقّعنا منهم أن يخرجوا من الفقر، عندما يكون السبب الحقيقي لمعاناتهم هو نظام يحتجزهم في الفقر، فإنّنا نحبطهم. باولو فريري، مؤلف كتاب “بيداغوجيا المظلوم”، اعترف بهذا. النفوذ والسلطة والثروة لا يتم التنازل عنها بسهولة. عندما يتم تحدي النفوذ والسلطة من قبل الفقراء والمضطهدين، حتى بوسائل غير عنيفة، تكون النتيجة هي العنف، وليس بالضرورة مجتمع مسالم ومساوٍ.

نظرًا لأنّ الفقر والقمع مدمران للغاية، فإنّ العملية التي يتم من خلالها تحرير الفقراء من عبودية الفقر أمر بالغ الأهمية. يكتب فرير قائلًا:

إنّ محاولة تحرير المظلومين دون مشاركتهم في فعل التحرير هي بمثابة معاملتهم كأشياء يجب إنقاذها من مبنى محترق.

إذا لم يتم التعامل مع هذه العملية على نحوٍ صحيح (من قبل الفقراء وغير الفقراء)، فإن “المظلومين، بدلاً من السعي من أجل التحرير، يميلون لأن يصبحوا مضطِهدين”. الوسائل العنف تؤدي إلى نظم عنيفة وقمعية.

لذا، هل ينبغي أن يظلّ الفقراء ببساطة غير فعّالين في فقرهم؟ سفر الأمثال مليء بالتعليمات التي تحث على العمل الشاق وتحمل المسؤولية. يكتب بولس إلى الكنيسة في رومية التي كانت في الغالب من الطبقة الوسطى الفقيرة والمهاجرين الفقراء، رومية ١٢: ١١، “غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ،”. وفي 2 تسالونيكي ٣: ١٠، يذكّر أهل تسالونيكي:

فَإِنَّنَا أَيْضًا حِينَ كُنَّا عِنْدَكُمْ، أَوْصَيْنَاكُمْ بِهذَا: «أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا».

لا يحتاج الفقراء إلى أن يكونوا معدمين ويتضورون جوعًا، كما أنّهم لا يجب أن يعتمدوا على “النظام”.

كل إنسان مخلوق على صورة الله وله الحق في العيش بكرامة. تؤكّد قوانين حقوق الإنسان المختلفة ما أنعم به الله بالفعل عليهم. يجب أن يكون الفقراء على دراية بكيفية رؤية الله لهم – مخلوقون على صورة الله الحي. وفيما يزدادون ثقةً في أنّهم ليسوا من القمامة والطفيليات التي يجب تجنبها، فهم بحاجة إلى البحث عن الحقوق الممنوحة لهم بالفعل بموجب القانون للعيش كجزء من المجتمع وليس على هامشه. لكن هل يمكنهم القيام بذلك من تلقاء أنفسهم عندما يستفيد النظام الاجتماعي والسياسي من الحفاظ على الوضع الراهن ولا يسمح بالتغيير؟

أتساءل ما هو أملي ورغبتي للفقراء؟ هل أن تصبح حياتهم محتملة ومحترمة ويظلون فقراء؟ لكن إذا كنت أرغب في رؤيتهم يخرجون من الفقر، فلن يتمكنوا من فعل ذلك بمفردهم لأنّ الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ضدهم ولا يريدون التغيير. يستخدم الرسول بولس صورة “الجسد” لوصف مختلف الأفراد الذين يعملون معًا في كورنثوس الأول 12 ورومية 12. وهذا لا يتعلّق فقط بمواهب الروح القدس، ولكن أيضًا بأعضاء الجسد الأقوى الذين يهتمون بالذين الأضعف منها. يشير اللاهوتي الكندي بروس لونجنيكر إلى أنّ ما يدعو إليه بولس ليس الشيوعية وليس الصدقة بل الجماعة. الفقراء ليسوا أشياء تستدعى الشفقة.

وأتساءل عمّا إذا كنّا نخطئ عندما نترك الفقراء يبحثون عن حقوقهم بمفردهم، في حين أنّ لدينا القوّة والنفوذ يجب أن نقف ونصارع من أجل تحقيق العدالة للفقراء. هل لأنّنا نشعر بالارتياح في مسيحيّتنا ولا نريد المجازفة بالامتيازات التي نتمتع بها في المجتمع إذا ما تحدينا الأقوياء والذين هم في السلطة؟ إذا كنّا غير قادرين على تغيير الأنظمة الظالمة، فنحن على الأقل بحاجة إلى أن نكون أصوات نبوية تعارض الظلم.

كيف يجب أن نعيش إذًا؟ يتحدّث الكتاب المقدس بكلّ تأكيد عن الإحسان وتلبية الاحتياجات المُلحّة للفقراء والمكسورين كسمات لأتباع المسيح – علامات التلميذ. يقدّم لنا يسوع نموذجًا لما يعنيه العمل مع الفقراء. 80٪ من سكان فلسطين كانوا فقراء (ليسوا معدمين).

في خضم الاحتلال الوحشي في فلسطين في القرن الأوّل، حيث لم يكن هناك سوى القليل من العدالة، عاش يسوع بقوّة الله. لقد أظهر ملكوت الله من خلال شفاء المرضى، وإطعام الجياع، ومعاملة كلّ إنسان بكرامة بغض النظر عمّن كانوا، وتحدّى أولئك الذين اضطهدوا الفقراء بينما كانوا يسعون إلى عبادة الله (الصيارفة والكهنة)، وعلّم عن الله الذي يهتم ويستمع إلى صرخاتهم طلبًا للمساعدة. ووجّههم إلى إله محب وعادل، وتحدّاهم أن يبتعدوا عن الشر ويعبدوه. تجرّأ أن يُظهِر للعالم أنّه ثمة مملكة أخرى حيث هناك عدالة ورحمة. وهذا ما هدّد الذين كانوا في السلطة.


ملاحظة: هذه نسخة منقّحة لمدوّنة نشرها معهد دراسات الشرق الأوسط في 29 أيلول/ سبتمبر 2016.

[1] مثل الأرملة التي تتوسل إلى القاضي الظالم (لوقا ١٨: ١ـ ٨) هو لتعليم اللجاجة في الصلاة وليس طلب الفقراء للعدالة.

اترك رد