بقلم جايسون كاسبر
في أعقاب التوغل التركي الأخير في سوريا وإنشاء “منطقة آمنة” بالتنسيق مع روسيا، تواجه الدولة المحاصرة أزمة لاجئين أخرى. ووفقًا للأمم المتحدة، تسجّل 6.7 ملايين سوري لدى فروع المفوضية العليا للاجئين التابعين لها. وتستضيف تركيا العدد الأكبر منهم، حيث بلغ عدد اللاجئين السوريين فيها 3.4 مليون، يليها لبنان بمليون لاجئ.
الولايات المتحدة: 21645 طلب لجوء، وفقًا لأرقام وزارة الخارجية الرسمية، وذلك منذ بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011. ومن بين هؤلاء، تمّ قبول 536 في الأشهر الـ 12 الماضية.
من بين مقدمي طلبات اللجوء ثمة 21245 مسلم، مقابل 211 مسيحي فقط، من بينهم خمسة إنجيليين. طوني عموري الخوري ليس واحدًا منهم. غير أنّ قصّته فرصة لتكون قصة كل من يُسمح له بالدخول إلى بلدٍ آخر.
وُلِد طوني في حمص وهو مسيحي إنجيلي، وهو واحد من بين 450 سوري في الولايات المتحدة دخول بتأشيرة طالب.
باللغة العربية، اسم عائلة الخوري يعني “الكاهن”. وهو حاليًا يسعى للحصول على شهادة الدكتوراه في اللاهوت التطبيقي في كلية فولر، في عام 2016، بدأ مغامرة فريدة بخدمة ما بين الثقافات في جامعة هارفارد.
في كلمته قاد طلاب اللاهوت إلى أعمق درجات الاكتئاب، ولكن ساد التصفيق الحار في ختام كلامه.
توجّه للجسم الطلابي الذي انتخبه ليلقي كلمة التخرج في أيار/مايو الماضي قائلًا: “أريد أن أعيش، وأريد أن أحب، وأريد أن أكون محبوبًا”، وأضاف “أريد الكفاح من أجل الحفاظ على الأمل وإضفاء معنى لكل الأشياء التي لا يمكنني السيطرة عليها.”
في ريعان حياته، شهد الخوري تدمير بلده سوريا. وربما آنذاك كانت الولايات المتحدة ملجأ للكثيرين، إلى أن أصدر الرئيس دونالد ترامب قرارًا يقضي بحظر السفر.
بلغ عدد التأشيرات للسوريين 15479 في عام 2016، العام الذي وصل فيه الخوري إلى الولايات المتحدة. في يناير/كانون الثاني 2017، أصدر ترامب أمره التنفيذي الذي يحظر على مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة – لطالما تمّ الاعتراض على هذا القرار في المحاكم وتمّ تعديله ليشمل دولًا غير إسلامية – وانخفض العدد إلى 3024. وفي عام 2018، انخفض إلى 41.
والمغزى من كلّ هذا أنّ الذي سعى له الخوري لزمن طويل تطلّب سنوات من العمل.
الخوري من مواليد عام 1984 لأبوين أرثوذكسيين، التحق بكنيسة الاتحاد المحلية في حمص. في عام 2005، شعر بدعوة إلى التفرغ للخدمة.
أصبح الخوري راعيًا للشبيبة، وتطوع أيضًا في مبادرات صنع السلام. في البداية كان متحمسًا للربيع العربي عام 2011، ثمّ تراجع عن ذلك عندما بات هذا الربيع رهينة المتطرفون الإسلاميون. غير أنّ دراسته في الجامعة المحلية في علم الصيدلة أبعدته عن خط الجبهة عندما اندلع الصراع في مدينته التي مزّقتها الحرب.
بعد تخرجه في عام 2014، استعد لمتابعة دراساته اللاهوتية في مصر. غير أنّه رغب أن يدرس في الولايات المتحدة، وجمعه راعي كنيسته بعملية إنقاذ تدعمها جهات إنجيلية.
تعاون مشهورون ومدافعون عن الحرية الدينية – بمن فيهم مارك بورنيت وروما داوني وجلين بيك وجوني مور – في مبادرات مختلفة لجمع ملايين الدولارات لمساعدة اللاجئين المسيحيين النازحين، بنقل أكثر من 10000 لاجئ إلى عشرات الدول المختلفة.
من بين البرامج التي تم إنشاؤها صندوق الناصري، الذي وافق على دعم الخوري في أمريكا بعد قبوله ومنحة دراسية كاملة إلى كلية هارفارد اللاهوتية.
قال جوني مور، مؤسس صندوق الناصري، عن لقائه طوني: “لقد قابلته لأنّ القساوسة الإنجيليين في سوريا اختاروا البقاء، لكنهم اختاروا أيضًا إرسال طوني إلى هنا”.
تقدّم الخوري إلى هارفارد لأنّه أراد أن يواجه أفكارًا جديدة خارج قوقعته المسيحية المحافظة. وكان مثل العديد من الإنجيليين الأمريكيين الذين ذهبوا إلى الكلية.
كان زميله الأوّل في الغرفة ملحدًا يهوديًا مثليًا. تأثّر بقصة الخوري، وعرض عليه السكن المجاني والصداقة المخلصة.
وعلى الرغم من أنّه قُبل في جامعة هارفارد بحرارة باعتباره سوريًا، إلّا أنّ بعض زملاء الخوري كانوا صريحين في التساؤل حول كيف يمكن للجامعة قبول شخص من بلد آخر يمثّل الطلاب الإنجيليين الأمريكيين. غير أنّه اكتشف أيضًا أنجيليين يشابهونه في التفكير ينتقدون أيضًا التقدميين.
وقال الخوري “ينكسر قلبي حين أسمع أصدقاء ليبراليين يتحدثون عن المحافظين، والعكس بالعكس، ويشيرون ضمنَا أنّهم أشرار. الكثير من الناس تسامحهم مزيّف.”
لقد كانت تجربة صعبة. في هارفارد، اكتشف خطاب القبول والإدماج. ومع ذلك، عندما تُمنح الفرصة لإشراك آراء مختلفة يتراجع كثير من التقدميين.
وقال: “الحوار صعب وليس ممتعًا.”
لكنه كان لديه أيضًا رسالة للكنيسة الأمريكية: احكموا على الأفكار، وليس على الناس. بغض النظر عن سياساتهم، يمكن للجميع المساهمة إيجابيًا لأمريكا.
وخاض الخوري مسيرته في خضم تجارب اختلاف اللغة والثقافة والحنين إلى الوطن. الصدمة من معاناة سوريا والقلق في أمريكا طغيا على دراساته. لكن الأصدقاء الليبراليين والمحافظين على حد سواء ساعدوه، و”والدته الأمريكية” الكاثوليكية الإنجيلية، استضافته في بيتها مع زوجها لمدة ثلاثة أشهر. فهي ترى يد الله العاملة في حياة “ابنها الثالث”.
وقالت سوزان جريشمان، الرئيس التنفيذي لشركة مركوري وان، التي تدير صندوق الناصري: “كان لدى طوني خوف من التعرض للاضطهاد في جامعة هارفارد، لكنه استُقبل بحب ورعاية”.
“وضعه الله بصورة خاصة ليجمع الناس في الخطاب المدني.”
أخبر مور مدونتنا في حفلة التخرج أنّه لم يكن بإمكانه الذهاب إلى الحرم الجامعي ثلاثة خطوات دون أن يكتشف شخصًا – وجميع أنواع الأشخاص – يتحدث بحرارة عن طوني.
وفي النهاية، صوتوا لصالحه ليختتم تجربتهم الجامعية.
“اسم يسوع يحفظكم من كلّ شرّ”، بدأ الخوري كلمته مستخدمًا تحية مسيحية سورية تقليدية. وشرع في التحدث بصراحة عن إيمانه بحق يسوع المسيح المطلق والشمولي.
لكنه امتدح أيضًا ثراء تعبيرات الإيمان الأخرى التي اكتشفها وصدقها. وبدلاً من تحدي الجسم الطلابي، ومن خلالهم أمريكا، اختار الاعتراف بخوفه.
قال الخوري: “عندما غادرت سوريا، كانت البلاد غارقة في حرب أهلية، ممزقة بين مؤيدي النظام ومعاريضيه. كلاهما كانا تمامًا ولا يزالان مقتنعين تمامًا أنّهما يخدمان البلد، لكنّهما لا يفعلان ذلك. أشعر بالخوف عندما أشهد استقطابًا مشابهًا في الولايات المتحدة اليوم.”
تخرّج الخوري بدرجة الماجستير في الإلهيات، لكنّه لم يستطع بعد أن يتكهّن مستقبله. يمكنه البقاء في أمريكا لطالما يتابع تعليمه. ولكن إذا زار سوريا، فإنّه يخشى أن يمنع حظر السفر عودته.
ميركوري وان على استعداد لتوظيفه كعامل روحاني لتقديم المشورة لأولئك الذين يشاركونه تجربته في زمن الحرب – لا بل من لديهم تجربة أسوأ من ذلك. وذلك لأنّ جريشمان لاحظت “قدرته المدهشة” مع العديد من ضحايا الصدمات، بما في ذلك أسرى داعش.
غير أنّ طلبه للحصول على بطاقة إثبات شخصية بأمريكا قائمة على التوظيف من خلال ميركوري وان قد رُفِض، وهو الآن قيد الاستئناف في المحكمة.
هدفه على المدى الطويل هو أن يكون هناك صلة بين الكنائس الأمريكية والسورية، من أجل دعم خدمات الشرق الأوسط من قِبل الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، في سوريا، خضع والده لعملية القلب المفتوح، والدته تعاني سرطان الثدي. في حمص، أصبحت الحياة الآن هادئة نسبيًا، ولا تعاني مشكلة انقطاع التيار الكهربائي بضع ساعات كلّ يوم.
قال الخوري “أصلّي لكي تنظر الحكومة الأمريكية في قضيتي بسرعة، حتّى أتمكن من السفر ورؤية والدي المرضَين. كلّ شيء يعتمد على ذلك، وأضعه في يد الله”.
كما يضع سوريا في يده أيضًا.
وقال: “هذه الكارثة بالتأكيد ليست من عند الله، لكن الله يرغب بالشراكة معنا ليُخرِج حياة من الأحداث المميتة. إنّها مسؤولية الكنيسة أن تستجيب لهذا الواقع. وعندما يريد الناس فعل أمر إيجابي، يمكنهم القيام بذلك.”
ملاحظة: هذه نسخة منقّحة لمدوّنة نشرها موقع كريستيانيتي توداي في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.