“التاريخ لا يعيد نفسه، لكنّه يردّد القافية نفسها” – كيف يمكن أن يصنع المسيحيون التاريخ هنا والآن
فبراير 13, 2020
أرسطو، عقّاد والمتوسّط الذهبي للتفاعل المسيحي
فبراير 27, 2020

طلبُ سلام المدينة: صلاة تُغيرنا

بقلم عماد بطرس 

لقد أعددت الكثير من المحاضرات للطلّاب في كلية اللاهوت المعمدانية العربية، لكن تنبّهت مؤخرًا أنّ المحاضرات الأكثر أهمية تحدث أحيانًا عن طريق المحادثات خارج الصف. كان لي الأسبوع الماضي حوارٌ مثير للاهتمام مع أحد طالب.

قال: “لست متأكدًا إذا كان بـإمكاني الصلاة من أجل (لبنان) أو لأولئك الذين في السلطة، وأنا أشك في أنّنا سوف نرى أي تغيير في المستقبل القريب.”

أردت أن أفهم أكثر ما يعنيه فسألته: “لماذا تشعر بهذا؟”

أجاب بصوتٍ تسمع فيه خيبة الامل: “النظام كلّه فاسد،”. كانت خيبة أمله يأسه واضحَين بالنسبة لي.

وفيما كنت استمع لهذا الطالب المُحبط، وكثيرون منّا نحن الذين نعيشن في الشرق الأوسط يمكننا أن نشعر معه، تبادر إلى ذهني كلام الله إلى النبي إرميا: “وَاطْلُبُوا سَلاَمَ الْمَدِينَةِ الَّتِي سَبَيْتُكُمْ إِلَيْهَا، وَصَلُّوا لأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ بِسَلاَمِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ.” (إرميا 29: 7). وبينما كانت هذه الكلمات تدور في ذهني، تردّدت في تقديم أمل كاذب أو وعد لهذا الطالب أنّه إذا صلينا من أجل السلام، سوف يصلح الله كل مشكلة في هذا البلد. أعلم أن هذا لن يحصل، ليس لأنّني لا أؤمن بقوة الصلاة، لكن لأنّني لا أريد أن أكون “نبيًا كاذبًا” مثل أولئك الذين كانوا في زمن إرميا وضلّلوا الناس بوعود فارغة (إرميا 29: 8). كان صراعي: كيف يمكنني تشجيع تلميذي على مواصلة الصلاة وفي الوقت نفسه مساعدته كي يفهم ما نصلي من أجلهِ وكيف يمكن أن يغيّرنا هذا؟

 بدأت محاضرة “قصيرة” شارحًا ما يطلبه الرّب من شعبه: طلب السلام. اتفقت أنا وتلميذي على أنّه في منطقة مثل منطقتنا، أكثر ما نحتاجه هو السلام لأنّ الواقع الذي نشهده اليوم هو عكس السلام تمامًا، وهو الفوضى. يعيش الناس في فوضى عندما يتبرون الفساد والظلم والتمييز على أساس انتمائهم الديني والسياسي والطائفي، ومحدودية الحصول على الخدمات الطبية وغيرها. هذه الفوضى، تؤدي إلى الاضطرابات في البلاد، وتعكس مرحلة أعمق من الخلل داخل مجتمعاتنا. ببساطة، لا شيء يتم كما ينبغي والناس يتلهّفون إلى السلام. وبذلك يُعتبَر السلام حالة غياب الفوضى. هو ليس شعورًا ولا حالة ذهنية، رُغم أنّه قد يكون كذلك. هو بالأحرى التناغم التام داخل المجتمع حيث يختبر الناس العدالة، وهذه العدالة هي ثمرة البّر. وهكذا تصبح العدالة والبّر من مكوّنات السلام الذي نسعى نحوه. وهذا ما يخبرنا به إشعياء النبي: ” فَيَسْكُنُ فِي الْبَرِّيَّةِ الْحَقُّ، وَالْعَدْلُ فِي الْبُسْتَانِ يُقِيمُ. وَيَكُونُ صُنْعُ الْعَدْلِ سَلاَمًا، وَعَمَلُ الْعَدْلِ سُكُونًا وَطُمَأْنِينَةً إِلَى الأَبَدِ” (إشعياء 32: 16-20).

نظرًا لأنّ تلميذي كان ينصت بتهذيب، أدركت أخيرًا أنّه ينبغي أن أعطيه فرصة للرّد. لقد فعل، ولكن من خلال طرح سؤال آخر.

“هل تعتقد أنّه يمكننا تحقيق هذا السلام هنا على الأرض؟”

أجبته كمدرّس لاهوت نموذجي، “أنت محق في الاعتقاد بأنّ هذا رجاء أخروي، حيث سيتحقّق سلام مادي، وروحي، واجتماعي في يومٍ ما في المستقبل. لكن هذا الرجاء الأخروي يمكن أن يصبح الأساس لصلاتنا وإرساليتنا الآن، ونحن نسعى نحو السلام، ونصلي ما هو على قلب الله ونسعى نحو مشيئته. فهذه الصلاة يمكن أن تغيّرنا بعدة طرق مختلفة.”

وتابعت بشرح ثلاث طرق قد تغيّرنا من خلالها الصلاة من أجل السلام، بحسب اعتقادي.

  1. ونحن نصلّي، علينا أن نفحص إرساليتنا

صلاتنا من أجل السلام تحفّزنا كأتباع للمسيح على فحص ما إذا كانت إرساليتنا تتماشى مع رغبة الله في السعي نحو السلام. وثمة عدد من الأمثلة تتبادر إلى ذهني. أحدها من السياق المحلي حينما يذهب الناس للشوارع طالبين العدالة من خلال الاحتجاج. إنّ مأموريتنا كأتباع المسيح هي أن نكون جزءًا من هذه الجهود المبذولة، بطريقة أو بأخرى، من أجل طرح قيم الله على الطاولة بينما نعمل مع الآخرين لتشكيل مستقبل بلادنا. دورنا في هذا مهم لكنّه معقد للغاية، وسوف نناقشه بمزيد من التفصيل في مؤتمر الشرق الأوسط القادم في شهر حزيران/يونيو: الإنجيل في الشأن العام. المثال الثاني هو على نطاق عالمي. بينما يسعى العالم لأجل “معاهدة سلام” بين فلسطين وإسرائيل، يجب أن نسأل، “هل من الممكن تحقيق هذا السلام في ظلّ غياب العدالة؟” إذا سألنا يوحنا كتناشو ، لاهوتي فلسطيني مسيحي، فيما يتعلّق “بصفقة القرن”، فسيقول أنّه من الصعب حقًا لهذه الصفقة تحقيق هدفها لأنّ العدالة غائبة. بغض النظر عن المكان الذي نقف فيه بشأن هذه القضية، والمواضيع العالمية الأخرى، يجب أن يعترف أتباع المسيح بحقيقة أنّه لن يكون هناك سلام في ظلّ فقدان العدالة.

  • ونحن نصلّي، علينا أن نفحص قلوبنا

صلاتنا من أجل السلام تتحدّانا لنفحص قلوبنا وسلوكياتنا بصورة فردية وجماعية. حينما يصل المجتمع إلى حالة الفوضى، يميل كلّ عضو في هذا المجتمع إلى إلقاء اللوم على الآخرين للوضع الذي يعيشون فيه، كما لو أنّهم لم يساهموا في هذه الفوضى. إنّه أمر مثير للسخرية حقًا حينما يصل جميع السكان للحظة التي يتملّصون منها من الوضع الذي وصلوا إليه. يمكن لأتباع المسيح أن يقعوا أيضًا بسهولة في هذا الفخ.

في رسالة الله لإرميا، شجّع الشعب على طلب السلام مع تحذيرهم من “الأنبياء الكذبة”، أولئك الذين يعطون الرجاء الخاطئ للناس في أوقات المحن. وأتباع المسيح مدعوون إلى حماية حياتهم من هذه النبؤات الخاطئة التي تقودنا إلى الابتعاد عن أي مسؤولية تجاه الفوضى. أنا هنا لا أحاول الحكم على أي شخص، لكنني أُذكّر نفسي برسالة الله لإرميا: شعبي هنا بسبب خطيئتهم. لا يمكنهم غسل أيديهم من هذا ولكن عليهم أن يتوبوا. لذلك، تقع على عاتقنا مسؤولية السماح لله بفحصنا، وامتحان طرقنا، ليرى ما إذا كان هنالك أي ظلم وإثم في أيدينا، ويقودنا للعمل نحو السلام (مزمور 139: 23). هذا الامتحان يعطي أتباع المسيح فضيلة التكلّم بكلّ تواضع في المواقف التي توجد فيها فوضى.

  • ونحن نصلّي، نطلب قلب الله

طالما الله يعمل، نحن نَخدِم. لن نستسلم لأنّنا ندرك أنّه يعرف ويرى وأنّه ثمة بصيص نور في نهاية النفق. فهو يقود الخليقة بأسرها نحو هذا السلام. حتمًا سيأتي اليوم، وهذا هو رجاؤنا. يخبرنا إشعياء أن عطية الروح القدس (إشعياء 32: 15) تمكّننا أن نتبع قدوة ملك السلام، يسوع المسيح، حينها نواصل العمل من أجل هذا الرجاء الذي لا ينضب من السلام المطلق (رؤيا 21: 1-8).  

بينما كنت أنا وتلميذي على وشك إنهاء محادثتنا، تذكرت رؤية كليّتنا ورسالتها: أن نعاين مجد الله، ونشهد مصالحة الشعوب، ونرى مجتمعاتِنا تنهض، بواسطة خدمة الكنيسة في العالم العربي. انهيت بالقول، “أنت وأنا هنا للعمل من أجل السلام، أنت هنا لتنهي تدريبك وإعدادك كي تعود إلى بلدك، وتنضم إلى الله في عمله لتحقيق السلام والسعي والصلاة لأجل سلام بلدك”.

بعد ذلك، لم أستطع إلّا أن اشعر بالأسف لهذا الطالب. لقد آتى لمشاركة مشاعره ولكن انتهى به الأمر بتلقي محاضرة. أتسأل ماذا لو هذا ما يحدث عادةً عندما يشارك الطلاب عواطفهم مع المدرّس.

اترك رد