بقلم ربيع الحصباني
“لن نُعيّد هذا العام…”
“لن يكون هناك عيد قيامة هذا العام…”
في ظلّ الظروف الراهنة المحدقة بالعالم نتيجة تفشي وباء كورونا المستجد فقد الكثير من الناس فرصة ممارسة طقوس عيد القيامة التقليدية. فصباح الأحد لم نذهب إلى الكنيسة ونحتفل مع بعضنا البعض في إطار مكاني واحد، ولم تجتمع العائلات معًا حول مائدة غداء العيد، ولم نزر الأصدقاء ونعانقهم ونبادلهم التحيات، والأطفال لم يستمتعوا بالأنشطة والاحتفالات الخاصة بالفصح. وستُعاد الكرّة بالظروف نفسها هذا الأحد للمسيحيين الذين يتبعون التقويم الشرقي. قد نشعر أنّ عيد الفصح هذا العام قد حلّ مخيبًا للآمال ومُثبطًا لأنّنا لم نتمكّن من الاحتفال بالطريقة التي اعتدنا عليها. غير أنّني أرى أنّ هذا العام أتاح لنا ذلك الضيف الخفي الفتّاك فرصة فريدة لاختبار قوة فداء الله الذي حوّل يوم القيامة إلى يوم خدمة خاصّة بأقرب المقرّبين لنا أهالي بيتنا، أباءنا وأمهاتنا، أخوتنا وأخواتنا، أزواجنا وزوجاتنا، أبناءنا وبناتنا.
في عيد القيامة هذا أُعيد المذبح العائلي. هذا العام لم نذهب إلى الكنيسة لاحتفالية خاصّة بل اجتمعنا الأحد كعائلة استمعنا إلى ترانيم خاصّة بالقيامة وإلى عظة نُقِلت عبر الفاسبوك وصلّينا معًا متأملين بانعكاسات قيامة المسيح لنا. لم يحدث أن كانت لي فرصة إجراء اجتماع عبادة منزلي ولكن كورونا أعطاني هذه الفرصة. هذا العام لم تكن الخدمة موجّهة لأعضاء الكنيسة والمجتمع بل لأهل بيتي، لأهالي بيتنا. غالبًا ما ننشغل بالتخطيط لخدمات نصل من خلالها لمجتمعاتنا ونقل إنجيل المسيح لهم ولا سيّما في الأعياد. نقيم الاحتفاليات الخاصّة في كنائسنا للوصول إلى هؤلاء الأشخاص وننسى أنّ أهل بيتنا بحاجة إلى هذه الخدمة أيضًا وبصورة خاصة. غالبًا ما ننتقل لليهودية والسامرة وربّما أقصى الأرض وننسى ذلك المنزل في أورشليم أي منزلنا وأنّه ثمّة أشخاصٍ فيه يحتاجون لسماع رسالة الخلاص. ألغى فايروس كورونا المستجد كلّ الاحتفالات والقداديس والاجتماعات وحجرنا في بيوتنا وأبعدنا اجتماعيًا عن بعضنا ليقرّبنا من أقرب الناس لنا. غير أنّ قوّة الله الفدائية فتحت لنا باب الخدمة لأهل بيوتنا رغم الإغلاق العام.
لقد سمعت كثيرًا عبارة “لا عيد هذا العام” من أهلي وهذا ما فسح لي المجال لأشارك بمعنى القيامة بحياتي وأنّ العيد لا يتوقّف على ظروف بل القيامة أقوى في زمن الموت والرجاء أثمن في زمن اليأس والفرح أصدق في زمن الحزن.
وهذا ما ساعدني أقرأ 1 تيموثاوس 5: 8 بطريقة مختلفة: “وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ.” وربّما من الأجدر أن أقول أنّني لم أقرأها من قبل أمّا فأنا أعيشها وأحرص على أن أعتني بأهل بيتي روحيًا. فالرّب دعاني لأكون نورًا وملحًا لهم وقد وضعني اليوم معهم لسبب. الحجر المنزلي أعادني لنا المذبح العائلي وفتح الله لي باب الخدمة مع أهل بيتي.
في عيد الفصح هذا حظي الأهل بفرصة التركيز على أطفالهم بدلًا من التركيز على أطفال الحي والبلدة والمدينة وننسى أطفالنا. وخدمة الأطفال تشغلني منذ فترة لا سيّما في زمن الوباء الذي أغلق الكنائس والمدارس والملاعب وأماكن المرح والتنزه. ما اختبره الأطفال هذا العام لم يختبروه آنفًا فهم في صدمة وتحت ضغط يصعب علينا تخيّله. قد كون إغلاق المدارس ممتع ليوم أو اثنين وربّما أسبوع أو اثنين ولكنّه ليس كذاك لأشهر مع ضغط الدراسة عبر الإنترنت بصورة جديدة لم يعهدها الأولاد بالإضافة إلى سماع أخبار المرض والموت يوميًا هذا ولن ننسى أنّهم محتجزون بالمنزل ولا يمكنهم مشاركة أماكن اللعب العامة والتنزه مع أصدقائهم وحاجتهم إلى تطوير عادات تنظيف وتعقيم جديدة. كلّ هذه الظروف مجتمعًا تضع الأولاد في حالة مربكة وصدمة نتيجة الضغط الموضوع على كاهلهم. لذلك يحتاج الأطفال هذا العام احتفالًا خاصّة وتذكيرًا حثيثًا بفرح القيامة ورجائها. وذلك يتطلّب من الأهل الاطلاع على مراجع تزوّدهم بالأفكار الخلّاقة للقيام بخدمة خاصّة مع أولادهم. جائحة كوفيد 19 وجّهت الخدمة لداخل البيت وللأولاد بالتحديد لتكون لكم فرصة إعداد لقاءات خاصّة معهم ولهم ولأجلهم.
وهذا ما يوصينا به الكتاب المقدّس: “وَلْتَكُنْ هذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ عَلَى قَلْبِكَ، وَقُصَّهَا عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَتَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ، وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ” (تثنية 6: 6-7). من الواضح جدًا أنّها مسؤولية الأهل أولًا أن يشاركوا كلمة الله مع أولادهم وفي كلّ الأوقات.
المجد لله لأجل عيد قيامة فريد هذا العام ومختلف عن الأعوام الآنفة وهو عيد العودة للعائلة النواة. وهو عيد إعادة هيكلة أولوياتنا إذ أعاد ربّنا المُقام العائلة لمكانها معيدًا خدمة العائلة أولويةً ومساعدًا إيّانا في تطوير عادات سليمة في بيوتنا لا سيّما من ناحية الصلاة معًا ودراسة كلمة الله معًا. ولنتذكّر مسؤوليتنا تجاه أهل بيتنا كبارًا وصغارًا. وإذا كنّا لم نقم بذلك بعد فلم يفت الأوان بعد فنحن في الحجر المنزلي حتّى إشعارٍ آخر. والآن يجب أن أتوقف عن الكتابة فقد حان وقت مذبحنا العائلي.