إنّ الذّكرى الستّين على تأسيس كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة هي مناسَبة لتذكُّر أمانة اللّه معنا خلال عقود عديدة من الخدمة المثمرة. ورؤيتنا “أنْ نعاين مجد اللّه، ونشهد مصالحة الشّعوب، ونرى مجتمعاتنا تنهض، بواسطة خدمة الكنيسة في العالم العربي” ما هي إلّا محَفِّز يوميّ لهذا المجتمع الحيوي من الطلّاب، والموظّفين والشّركاء لخدمة ملكوت اللّه من خلال التّعليم اللاهوتي المُبتَكر والبرامج التّفاعليّة. استضافت كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربية في 10 و12 تشرين الثّاني/ نوفمبر احتفالًا افتراضيًّا بمناسبة الذّكرى الستّين على تأسيسها للتأمُّل في إرساليّة اللّه العظمى لشعبه ومشاركة السُّبل التي تساهم بها الكليّة في عمل المسيح الفدائي ضمن هذه المنطقة وفي جميع أنحاء العالَم.
تقرير الاحتفال الافتراضي بالذّكرى السنويّة الستّين على تأسيس كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة
بعدما افتتحَتْ مديرة الشّراكات في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربية، لولوة المعلوف، الاحتفال بكلمة ترحيب، مهّد المدير الأكاديمي مرتان عقّاد الطّريق لهذا الحدث من خلال مناقشة التّحوّل في تصميم المنهج التّعليمي التي تمّ تنفيذه مؤخرًا. فبدءًا من عام 2009، انتقل برنامج اللاهوت من نموذج تقليدي إلى نهج تكاملي. وقد حفّز التّغيير كليّة اللاهوت المعمدانية العربية إلى ابتكار نهج للتّعليم اللاهوتي يعتمد على تطبيق أساليب دقيقة وشاملة تهدف إلى تشكيل الشخص على نحو كُلّي. يوفّر هذا المنهج المتعدّد التّخصصات إطارًا للاحتفال بالذّكرى الستّين حيث يبحث الكادر التعليمي القيم الجوهريّة والأساس المنطقي الذي يُشَكِّل عملية التعليم في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة. تُحاكي الحصص المقدّمة واقع الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال التحاور حول مسائل الإيمان الكتابي عبر ثلاثة أبعاد أساسيّة: 1) طبيعة اللّه وشخصه وإرساليّته في العالَم، 2) شهادة الكنيسة ضمن سياقات ثقافيّة وتاريخيّة ودينيّة مُعقّدة، 3) تنمية الشخصيّة والقيادة الخادمة. توفِّر هذه الحصص مُجتمعةً نظرة ثاقبة على مدى التزام كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة بتقديم تعليم لاهوتي مُبتَكر للطلّاب في العالَم العربي.
في العرض الأوّل، تناول وليد زيلع وعماد بطرس ونبيل حبيبي أسئلة أساسيّة تتعلّق بطبيعة اللّه، وشخصه وإرساليّته في العالَم. من خلال مسح شامل لطول الكتاب المقدّس وعرضه، أوضحوا كيف أنّ العهد القديم والعهد الجديد يعلنان معًا بانسجام تام عن نعمة اللّه واهتمامه بجميع الشّعوب. يتطلّب التدريس الجادّ للكتاب المقدّس في التّعليم اللاهوتي تحليلًا نقديًّا لنصوص الكتاب المقدّس عبر أساليبه الأدبيّة المتنوّعة، هذا وتكشف القراءة الأمينة للنص عن رسالة فريدة لرجاء اللّه وحقّه. إنّ معرفتنا للّه متجذّرة في محبّته المُضَحّية للبشريّة ورغبته في تغيير الحالة البشريّة من خلال قوّة حياة يسوع وموته وقيامته. الكتاب المقدّس في مجمله هو دعوة لنكون جزءًا من إرساليّة اللّه لمباركة جميع الشّعوب لأنّها تُشير إلى تأكيد وعد اللّه وتحقيقها كلّها. تتغلغل هذه الحقائق التأسيسيّة الكتابية في صميم فكر كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة وممارساتها.
بعد ذلك، نظر ويس واتكنز وكالب هاتشرسن ومرتان عقّاد من خلال عدسة المجتمع لمناقشة نهج كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة لإعداد الطلّاب للشهادة المسيحية ضمن سياقات اجتماعيّة وثقافيّة ودينيّة متعدّدة الأوجه. ويتمحور هذا العنصر التّعليمي في المفهوم الشّامل لخلاص البشرية المُتجدّدة والمتصالحة في علاقتها مع اللّه والآخرين. ويتم بحث انعكاسات هذا المفهوم المُنير للخلاص في مجالات الدّراسات الثقافيّة، واللّاهوت التّاريخي، والدّراسات الإسلاميّة. يواجه الطلّاب تحدّيًا لتشكيل مواقف مدروسة ودقيقة تجاه العالَم من حولهم، ولا سيّما بما يتعلّق بالمعتقدات الإيمانيّة الأخرى، لكي يتمكّنوا من خدمة الكنيسة بسُبل فعّالة. ويُعتَبر هذا الأمر هامًّا للتعليم اللاهوتي. كما أنّ واقع العالَم العربي يفرض ضرورة البحث في الثّقافة والمجتمع والتّاريخ والإسلام على نحوٍ خاص. إنّ معالجة موضوعات مُعقّدة كهذه يُمَثِّل تحدّيًا – فهو يتطلّب استعدادًا للبحث في القضايا المثيرة للجدل – وبينما يسعى أيّ برنامج لاهوتي لكي يكون ملائمًا ومثمرًا، ينبغي أنْ يتصارع مع قضايا شائكة وراهنة مع الحفاظ على رؤية ثابتة على شخص يسوع المسيح وتعبيرات الملكوت.
قبل المحادثة الثّالثة لأعضاء هيئة التّدريس، انضم وسام نصرللّه، مدير الشؤون الإداريّة في الجمعيّة اللّبنانيّة للإنماء التربوي والاجتماعي، إلى فعاليات الاحتفال لمشاركة تحليل موجز للاتّجاهات السياسيّة والتّاريخية والاقتصاديّة في الشّرق الأوسط خلال الستّين عامًا المنصرمة. فمنذ تأسيس كليّة اللاهوت في العام 1960 وحتّى يومنا هذا، لا تزال المنطقة تُجَسِّد سياقًا غير مستقرّ حيث تنظر الكنيسة العربيّة إلى مكانتها في المجتمع وطبيعة حضورها خلال فترات التّغيير.
شارك باسم ملكي وسميرنا خلف وعبد الكريم زين الدّين في المحادثة الأخيرة عن الرّحلة الشخصيّة نحو تنمية الذّات والنموّ في القيادة الخادمة. بغية تنمية النّضج الاجتماعي والتّشكيل الشّخصي ينبغي على الكليّة أنْ تُقرن اللاهوت بالعلوم الاجتماعية بوسائل توفِّر أدوات مفاهيميّة لاستيعاب الفروق الدّقيقة في الهُويّة البشريّة. يتمّ تدريب الطلّاب لتنمية حواسهم القويّة المتعلّقة بهُويّتهم الجوهريّة وعلاقتهم بالآخرين. يُعتَبر هذا الجانب من التّعليم اللاهوتي بالنّسبة لكليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة أمرًا هامًّا ومُعقّدًا على وجه التّحديد؛ فالطلّاب يأتون من خلفيّات قومية، ودينيّة، وثقافيّة مُتنوّعة ويخدمون في سياقات معقّدة – وأحيانًا غير مُستقرّة. يزيد هذا الواقع الصّعب الحاجة إلى فحص شامل لتطوير الشخصيّة وديناميكيّات التّعامل مع الآخرين. يمكن للذّات في كثيرٍ من الأحيان أنْ تُشَكِّل العقبة الأكبر أمام الوصول إلى الإمكانات البشريّة، ولكنْ كلّ فردٍ هو بركة حيّة عندما يتصرّف بمستوى عالٍ من الوعي الذّاتي والشّعور العميق بالأمان في تفرّده الذي صممّه اللّه. تُشارك كليّة اللّاهوت المعمدانيّة العربيّة في تشكيل الشخصيّة لتعزيز الفعاليّة الرعويّة للطلّاب، وهذا يأتي عبر مساعدة الأفراد على النموّ في معرفة هُويّتهم في المسيح.
بعد الغوص في الأبعاد المُختلفة لقيم كليّة اللّاهوت المعمدانيّة العربيّة ومعتقداتها، شارك نبيل قسطا، الرّئيس التّنفيذي في الجمعيّة اللّبنانيّة للإنماء التربوي والاجتماعي، كيف تُعزِّز خدمات الجمعيّة شهادة الكنيسة المحليّة وكيفيّة خدمتها للمجتمع.
اختتم إيلي حدّاد، رئيس كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة الاحتفال بمناقشة مستقبل الكليّة. أثبتت 2020 أنّها كانت سنة بارزة وانتقاليّة على حدٍّ سواء بالنسبة للكليّة حيث شرعَتْ في تحوُّل استراتيجي في أسلوب تقديم منهجها التّعليمي. تنطلق هذه التّطورات من الالتزام بالابتكار المستمر في البرامج إلى أعلى مستويات الجودة، وسهولة الوصول للبرنامج، وفعاليّة الكنيسة في العالَم العربي. ومع استمرار تأثير الأزمات على الحياة على جميع الأصعدة، تهدف الكليّة إلى تجهيز المؤمنين للاستجابة للحاجات الإنسانيّة المتزايدة. بالإضافة إلى ذلك، تمّ وضع خطط لرفع مستوى القدرات العلميّة في كليّة اللّاهوت المعمدانيّة العربيّة مع نموّ البرامج الأكاديميّة والبحثيّة لإنشاء مركز للتّعليم اللاهوتي والبحث في المنطقة.
قدَّمَت الستّون سنة المنصرمة شهادةً لا لُبس فيها عن صلاح اللّه وأمانته تجاه كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة. وعلى الرّغم من أنّ السّير قُدمًا ليس بالأمر السّهل، غير أنّ الأمل موجودٌ حيث يواصل اللّه توجيه هذه الجماعة المؤمنة والمُرسَلة نحو فرص المشاركة في عمل إنجيل المسيح.