بقلم سميرنا خلف مغبغب
“لا يمكنني أن أتحمّل أكثر من ذلك.” “لقد مللت من كلّ شيء.” “ما زلت على هذا النحو منذ حوالي العام.”
أعلم أنّ الكثيرين قد سمعوا هذه الجمل أو قالوها أو فكّروا بها في الأشهر الماضية. في الآونة الأخيرة، بات طفلاي يعبرّون مرارًا وتكرارًا عن إحباطهم من الإغلاق العام. أعلم أنّه يراودني بمشاعر مماثلة أيضًا.
في لبنان، كنّا في حالة إغلاق كامل تقريبًا – باستثناء حالات الطوارئ والغذاء – منذ بداية العام. بالإضافة إلى الإغلاق، كان الناس يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم في خضم الانهيار الاقتصادي.
عصفت ببلادنا أزمة اقتصادية منذ تشرين الأوّل/أكتوبر 2019 وتدهورت قيمة العملة المحليّة بأكثر من 80٪ وتنخفض قيمتها يومًا تلو الآخر. ومنذ ذلك الحين، فقد الكثير من الناس وظائفهم وما زال آخرون لا يستطيعون الوصول إلى المدخرات العالقة في المصارف. دون أن ننسى جائحة كورونا فوق كل هذا، ثمّ انفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس والصدمة التي خلّفها في النفوس.
لقد أثر هذا الوضع المشترك على الناس وقد رأيت الآثار بشكل مباشر بسبب عملي كمعالج. لقد لاحظت ارتفاعًا في أعراض الاكتئاب والقلق بين الناس من جميع الأعمار بالإضافة إلى مستويات أعلى من الأفكار الانتحارية بين المراهقين. كما أنني أشهد تدهور العلاقات بين الأزواج والأسر بسبب الضغوط.
لقد أثّر هذا الوضع مجتمعًا على الناس وقد رأيت الآثار بصورة مباشر بسبب عملي كمعالجة. لقد لاحظت ارتفاعًا في أعراض الاكتئاب والقلق بين الناس من جميع الأعمار بالإضافة إلى مستويات أعلى من الأفكار الانتحارية بين المراهقين. هذا وأشهد تدهور العلاقات بين الأزواج والأسر بسبب الضغوط.
حين أتأمّل بعد عام من الوباء، أرى أنّ الجميع تقريبًا يعانون بما في ذلك أطفالنا وأزواجنا … ونعم، نحن أيضًا نعاني على غرارهم. قد لا تكون لدينا أفكار انتحارية … أو ربّما لدينا، قد نحتفظ بمشاعرنا داخلنا، ونخفّف من غضبنا في كائناتنا الداخلية خائفين من إطلاق العنان لها. أو، من ناحية أخرى، قد نشعر بالإحباط الشديد ونصبّ غضبنا وغيضنا على من حولنا … أقرب الناس إلينا … عائلتنا.
نحن، كلبنانيين، مجتمع جماعي (كالعديد من البلدان الأخرى المجاورة)؛ نحن نحبّ التجمعات الاجتماعية، ونستمتع بالعلاقات، ونزهو في التعامل مع عائلاتنا. هذه هي الطريقة التي نعيش بها عادة. أظهرت الأبحاث أنّ السّعادة والرفاهية مرتبطتان بمدى ارتباط الناس بعلاقاتهم الوثيقة. يصبح الناس أكثر سعادة وصحّة عندما يتمتّعون بعلاقات مُرضية. وقد تقلّص مجال الدعم هذا في العام الماضي بسبب هذه الحقبة من عدم اليقين وجائحة كورونا.
كيف لنا نحن الذين نتعامل مع المصاعب أن نعتني بأفراد عائلاتنا وندعمهم خلال هذا الوقت؟
في هذا المنشور أود أن أقترح ثلاث مهارات مفيدة في أوقات الأزمات هذه. إذا تم وضعها موضع التنفيذ، فقد تساعدنا على الانخراط على نحوٍ أفضل في علاقاتنا الوثيقة ما يؤدي إلى زيادة الرفاهية خاصة خلال هذه الحقبة.
المهارة الأولى التي سنحتاجها هي التعاطف. التعاطف هو موقف القلب تجاه الآخر. عندما ننظر إلى حياة يسوع، نرى عدّة مرات أنه كان يتعاطف مع الناس الذين أمامه (متى 14 :14، لوقا 7 :13). كان يرى آلامهم، قلبهم، وعواطفهم، وقلبه يتحرّك نحوهم.
وإذا كان علينا تطبيق التعاطف، فإنّ التعاطف هو الاهتمام بأطفالكم – لا سيّما المراهقين – ومحاولة فهم مدى صعوبة الأمور بالنسبة لهم. كم هو محبط أنّه بدلاً من الاستثمار في العلاقات مع أقرانهم، فإنّهم عالقون في عزلة ولا ينمّون مهاراتهم الاجتماعيّة.
التعاطف هو الاهتمام بزوجاتكم وأزواجكن ومحاولة فهم الإحباطات التي تأتي من عبء المسؤوليات التي يبدو أنّها تزيد مع تفاقم الوضع الاقتصادي يومًا بعد يوم.
التعاطف هو القبول أنّ أفراد عائلتكم لديهم مشاعر قد تكون مختلفة عن مشاعركم وأنّه لا بأس في السماح لهم باختبار تلك المشاعر. التعاطف هو الانتقال إلى عالمهم بدلاً من جلبهم إلى عالمنا.
المهارة الثانية هي اللطف. اللطف هو عمل صالح تجاه الآخرين. في غلاطية 6: 9، يشجّعنا بولس على ألا نمل من عمل الخير. أيضًا، في أفسس 4 :32، تنصّ الآية على أنّنا يجب أن نكون لطفاء نحو بعضنا البعض ونسامح بعضنا البعض تمامًا كما غفر لنا المسيح. اللطف هو إحضار كوب ماء للعطشان، ومعطف للمحتاج، ومأوى لمن ليس لديهم سقف فوقهم… كيف يُترجَم هذا في البيت مع أحبائنا الذين نراهم ونعتني بهم كلّ يوم؟
هذا يعني تخصيص الوقت للجلوس معهم والاستماع إليهم، ومعانقتهم، وتمكينهم من القيام بأشياء يجيدونها، والانخراط معهم في هواياتهم أو الأنشطة التي يستمتعون بها. اللطف هو أن نقول كلمات مشجّعة وأن نختار أن نسامحهم يومًا بعد يوم.
الوداعة هي المهارة الثالثة. الوداعة هو الموقف المُستخدَم عند التصرف أو التحدث في العلاقات. يكتب بولس في فيلبي 4: 5 أنّ وداعتنا يجب أن تكون واضحة للجميع بما في ذلك أقرب الناس في حياتنا. الوداعة تنتج من التواضع، وعدم الوداعة يشمل الشخص الذي يغضب بسهولة ويعتد بنفسه. وقد وُصِفَت الوداعة بأنّها يد قوية ذات لمسة ناعمة. كيف نتصرّف بوداعة؟
نتصرّف بوداعة بقول الحقيقة بمحبّة كبرى وكذلك بالحزم في قراراتنا مع إظهار المحبّة للآخرين. يمكننا أن نكون ودعاء بتواضعنا والاعتراف بأنّ الآخرين يجب أن يُعاملوا باحترام وإكرام، وأنّهم يستحّقون أن يُعاملوا مثلنا تمامًا – بغضّ النظر عن أعمارهم.
هذه المهارات الثلاث منسوجة معًا. عندما تبدأ في استخدام إحداها، تتبعها المهارتان الأخريان. يعتقد بعض الناس أنّ هذه المهارات الثلاث هي “مهارات ضعف”، لكنّها عكس ذلك تمامًا. إنّها تتطلب الكثير من القوّة وضبط النفس. وعادةً ما يبتعد الناس عنها لأنّه من الصعب تطبيقها. بالإضافة إلى ذلك، لا تساعد ثقافتنا في تقديم نموذج جيّد عن هذه المهارات. على العكس من ذلك، فهي تقدّم نماذج عن الغضب والغيض والاتهامات … يراقبها الناس ويتعلّمون منها.
اليوم، دعونا نحوّل أعيننا عمّا نراه حولنا إلى ما أعلنه الله لنا وقدّمه من خلال يسوع المسيح.
لنكن المسيح أولاً في بيوتنا … تجاه أفراد عائلتنا.
أنا أشجّعك اليوم على البدء في استخدام تلك المهارات.
أنا وأنت يمكن أن نفعل هذا، ليس بقوّتنا، ولكن بقوّته!
دعونا نقول:
أستطيع لأنّه دعاني
أستطيع لأنّه أوضح لي كيف
أستطيع لأنّه يعيش فيّ
أستطيع بفضل قوّة الروح القدس
أستطيع لأنّني أريد أن أكون مثله!
سميرنا أستاذة مساعدة في المشورة في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة ومدرّسة في جامعة ريجنت. وهي متخصصة في العلاقات الزوجية والأسرية بالإضافة إلى المشورة في الصدمات. بالإضافة إلى التدريس وتقديم المشورة المتخصّصة، فهي تشرف على أخصائيي الصحة العقلية في مشورة الصدمات.