بقلم عماد بطرس
خلال زيارة قمت بها مؤخرًا إلى مصر، وجدت أنّ الجدل حول بناء سد النهضة الإثيوبي حادّ جدًا. تهدّد محطّة الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا الواقعة على نهر النيل التاريخي توافر المياه للسكان في اتجاه مجرى النهر في كلّ السودان ومصر. عندما استمعت إلى بابا الكنيسة القبطية، تواضروس الثاني، وهو يلقي رسالته عشية عيد الفصح، لفتت تعليقاته حول النزاع المصري الإثيوبي على نهر النيل انتباهي عندما دعا إثيوبيا إلى مزيد من التعاون والعمل مع مصر كشريك لها. في نهر النيل. كما حذّر من الحروب والصراعات غير المثمرة، داعيًا الناس للصلاة من أجل قادة البلدين، وكل الجهود الدبلوماسيّة والسياسيّة الطيبة للنجاح. ثم بدأت أتساءل كيف ولماذا أصبحت الموارد الطبيعيّة لعنة، خاصة في إفريقيا، بدلاً من البركة التي نقرأ عنها في السرد الكتابي للخلق (تكوين 1-2). وما هو دور الكنيسة في مثل هذا الصراع على الموارد الطبيعيّة؟ وفي إطار معالجتنا هذه الأسئلة، سنناقش كيف جشع البشر أو مظالمهم، وعدم الإدارة المناسبة لعطايا الله الطبيعيّة، وإساءة استخدام مفهوم القوميّة والحدود على حساب الجنسيات الأخرى يساهم في هذا الصراع. كما سأعالج كيفية مساهمة أتباع المسيح في هذا الصراع، كوكلاء أمناء على مواهب الله الطبيعية، يعملون من أجل سلام المجتمع.
بدأ الصراع الحالي عندما بدأت إثيوبيا في بناء سد النهضة على النيل الأزرق بالقرب من حدود السودان، والذي يمد نهر النيل بـ 80٪ من مياهه، بهدف توليد الكهرباء لتوفيرها لأكثر من نصف سكان إثيوبيا. ومن وجهة نظر إثيوبيا، يعتبر إطلاق مشروع سد النهضة حالة من حالات السيادة الإثيوبية، مع الإشارة إلى أنّ اقتراح مصر بملء السد يتعارض مع سيادة إثيوبيا. يُعتبر ادعاء إثيوبيا بالسيادة تحديًا. هل لإثيوبيا الحق في المطالبة “بملكية” النيل لمجرد أنّه ينشأ من أرضها؟ هل يمكن لدولة أن تدّعي ملكيّة الموارد الطبيعيّة داخل حدودها؟
في الواقع، لا ينبغي أن تدّعي إثيوبيا ولا أي دولة أخرى ملكية مواردها الطبيعية. البشر هم وكلاء الله على الموارد الطبيعيّة، وليسوا أصحابها. الموارد الطبيعيّة هي عطية الله المجانية للبشريّة ليتم تقاسمها بإنصاف لتلبية احتياجاتهم. إنها نعمة من الخالق لخليقته ومراد لها أن تكون صالحة (تكوين 1). عندما خلق الله الرجال والنساء، أمرهم بإدارة الكوكب من خلال ممارسة الوكالة الأمينة واتباع نهج يهتم بالطبيعة. ومن ثم فإنّ سوء إدارة الموارد الطبيعيّة يعكس فشلاً من جانب البشريّة تجاه هذه الإدارة. نعم، لكلّ دولة حدودها وحقّها في حماية هذه الحدود، لكن لا ينبغي أن يتم ذلك على حساب معاناة الآخرين.
من ناحية أخرى، تخشى مصر أن يقّلل السد من حصتها من النيل. على الرغم من أنّ مصر تؤكّد على حاجة إثيوبيا المشروعة للتنمية، إلّا أنّ هذا لا ينبغي أن يأتي على حساب المصريين، كما يقول وزير الخارجية المصري.
إن عدم وجود اتفاق أثيوبي مصري بشأن تشغيل السد مكلف للغاية للطرفين لأنّه قد يؤدّي إلى صراع مباشر بين البلدين. ولكن حتّى لو كان هذا الخيار غير مرجّح في هذه المرحلة، فإنّ ندرة المياه سيكون لها تأثير مدمّر على مصر، وكذلك السودان، على المدى الطويل.
على الرغم من أنّ بعض الصور في وسائل الإعلام تُظهر بالفعل مزارعين يمشون فوق تربة مشققة بسبب نقص المياه، إلّا أنّه من المثير للاهتمام أن نلاحظ كيف قدّم كاتب إشعياء منذ فترة طويلة صورة كتابيّة حيّة للتأثير الاجتماعي والاقتصادي لـ “جفاف النيل”: المخلوقات – النباتات، الصيّادون، أولئك الذين يعملون بالكتّان الممشط، جميع العاملين بالأجرة – سوف يتأثرون بهذه الكارثة (إشعياء 19: 5-10). بمعنى آخر، سيكون هناك تأثير مدمر على الزراعة والثروة الحيوانيّة عندما يجفّ النيل، مصدر الحياة! هذا لا يعني أّن نقص المياه في مصر هو “تحقيق” لهذه النبوءة، كما يقترح بعض المصريين.
غير أنّ التحدي الذي يواجه مصر فيما يتعلق بندرة المياه يتجاوز بناء سد النهضة ليشمل مسائل النمو السكاني والتغيرات المناخية. بينما يطالب المصريون إثيوبيا بالحصول على حصة عادلة من مواردها المائيّة، يتعيّن على مصر أيضًا أن تلعب دورها في هذا التحدّي المستمر من خلال معالجة قضايا النمو السكاني والتغيّرات المناخيّة، فضلاً عن الإدارة المناسبة لمواردها الطبيعية.
على الرغم من أنّ الموارد الطبيعية كانت سببًا للعنف والصراع على مرّ السنين، إلّا أنّها يمكن أن تكون أيضًا عنصرًا أساسيًا في بناء السلام. كتبت سيلفستر بونجاني مافوسا، في تحليلها للموارد الطبيعية والصراع في إفريقيا، أنه “حيث تكون الموارد الطبيعية هي المحرّك الرئيس للعنف الاجتماعي، يجب التعامل معها كأبعاد حاسمة لمنع الصراع يمكن أن تطلق الإمكانيات الاقتصادية لبناء السلام في المجتمعات الهشة “.
فيما تستمر الكنيسة في العمل من أجل سلام المجتمع، يمكن أن تكون الخطوة الأولى بسيطة مثل تعليم أتباع المسيح ليكونوا وكلاء مخلصين لإدارة الموارد الطبيعيّة، مثل الماء. من خلال القيام بذلك، فإنّ أتباع المسيح يدعمون جهود الحكومة المصريّة لأنّها تعمل من أجل الإدارة الجيّدة لمياهها. هذا يذكّرنا مرّة أخرى بتكوين 1 :27 حيث خلق الله الرجال والنساء ليكونوا وكلاء صالحين على الخليقة. يمكن لأعضاء الكنيسة في المناطق الزراعيّة، على سبيل المثال في صعيد مصر، العمل مع منظّمات المجتمع المدني للتدريب ورفع مستوى الوعي ليس فقط لأعضاء كنيستهم ولكن للمجتمع ككل. إذًا، فإن مهمّة الكنيسة في المناطق الريفيّة هي مساعدة الدولة على إدارة مواردها الطبيعيّة بصفتها وكيلًا صالحًا لخليقة الله.
وفيما أنا منخرط في مساعدة الكنائس والمجتمعات المحليّة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تطوير مشاريع الأعمال، فقد أدركت إخفاقاتي من خلال تشجيع أعضاء الكنيسة في المناطق الريفية على بدء المشاريع الصناعية بدلاً من التركيز على عملهم الزراعي، كما لو أنّ الأعمال الصناعية أكثر قيمة من الزراعة. قد تحتاج منظمات الإرساليّة التي تحاول مساعدة الكنائس المحليّة في المناطق الريفيّة أيضًا إلى إعادة التفكير في مناهجها في العمل من خلال التركيز على نحوٍ أكبر على المشاريع الزراعيّة وتدريب المزارعين في المناطق الريفيّة ليكونوا وكلاء أمناء أثناء قيامهم بعملهم اليومي القيّم في الأرض.
كما ذكرت، يمثّل النمو السكاني بالفعل أكبر التهديدات وأكثرها تعقيدًا للأمن البشري، لا سيّما في بلد مثل مصر. وبالتالي، سيزداد الطلب على المياه، وسيحتاج المصريون إلى المزيد من الوصول إلى الموارد الطبيعية لتلبية احتياجاتهم. قد يؤدي هذا أيضًا إلى نشوب صراع بين المجتمعات المحليّة داخل بلد ما حيث قد ينتهي بهم الأمر إلى القتال على المياه! مع استمرار الكنيسة في التدريس والعمل من أجل تطوير أسر صحيّة كمفتاح أساسي للمجتمعات الصحيّة، أشجّع الكنيسة على النظر في موضوعات مثل النمو السكاني كجزء من مناهجها الزوجية والأسريّة، وأخذ مثل هذا التعليم خارج جدرانها بصوتٍ نبوي في هذه القضايا وتبادل الجهود مع المنظمات المحليّة للمجتمع المدني.
في الختام، إذا نظرنا بعناية في الصراع على الموارد الطبيعيّة، نلاحظ أنّ الدافع الأساسي وراءه هو جشع البشر أو ظلمهم، ونقص الإدارة المناسبة لعطايا الله الطبيعية، وإساءة استخدام مفهوم القوميّة والحدود على حساب الجنسيّات الأخرى. إنّ التحدي الذي نواجهه كأتباع للمسيح لا يقتصر فقط على معالجة هذه القضايا ولكن أيضًا في أن نكون وكلاء أمناء تجاه خليقته عامةً، والموارد الطبيعيّة خاصةً.
عماد بطرس هو أستاذ مساعد في العهد القديم في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة وشارك في مساعدة الكنائس على تطوير مشاريع BAM في المناطق الريفيّة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.