بقلم لولوة المعلوف
كان يومًا مشمسًا رائعًا. استيقظت صباحًا وارتشفت القهوة ثمّ ارتديت ملابسي وملأت سيارتي بالوقود في طريقي إلى العمل. في المساء، استمتعت بالتسوق من المركز التجاري القريب من منزلي واشتريت بعض المواد الغذائية من السوبر ماركت. كان هذا منذ عامين. باتت الأمور مختلفة اليوم. لا قهوة في الصباح لأن انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة يحول دون وجود طاقة لتشغيل آلة القهوة. وهذا يعني أيضًا انقطاع شبكة الإنترنت وتوقف المصعد عن العمل (أنا أسكن في الطابق السادس!). اليوم، وعلى غرار كثيرين آخرين في لبنان، يجب أن أنتظر ساعة على الأقل قبل أن أتمكن من ملء حوالي 5 جالونات من الوقود في سيارتي. مع الارتفاع الجنوني في الأسعار بسبب التضخم، لم يعد المرء يستمتع بالذهاب إلى المركز التجاري أو السوبر ماركت، بل أمسى التسوق عبئًا. مشاكل لبنان عديدة والحلول … يبدو أنّ تحقيق السلام العالمي معقول أكثر.
غير أنّني بينما كنت أفكّر مؤخرًا في الحياة في لبنان، تذكّرت ترنيمة عبادية لفرانشيسكا باتيستيلي بعنوان This is the Stuff. تتحدّث في هذه الترنيمة عن أشياء صغيرة تدفعها إلى الجنون، مثل فقدان مفاتيحها، ثمّ تتذكّر أنّها مباركه وهي ترى عمل الله فيها من خلال هذه الأشياء. كيف يمكن مقارنة فقدان المفتاح، على سبيل المثال، بالاستيلاء على كلّ مدخراتك بسبب الفساد المتجذّر عميقًا في بلدك والقيادة غير الكفؤة؟ الجواب بالنسبة لي لا يكمن في المشاكل المطروحة ولكن في الله الذي يعمل من خلال هذه المشاكل. الإله نفسه الذي يهتم بأمورنا الصغيرة ويعمل بها يهتم أيضًا بأمورنا الكبيرة ويعمل بها. نعم، حتّى في لبنان يمكنني أن أجرؤ على القول أنّ كلّ الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبّون الله والذين هم مدعوّون حسب قصده (رومية 8 :28). لكن كيف أتذكّر ذلك عمليًا في حياتي اليوميّة هنا؟ وهل يساعد ذلك في عدم السعي للهجرة من لبنان في ظلّ هذه الظروف التي لا تُطاق؟
بينما أفكّر في حياتي في لبنان البائس والفاسد والتعيس، ما الذي يجعلني سعيدة وأقدّر الحياة هنا بدلاً من البحث عن ملاذ آمن؟ ثمة أمور واضحة جدًا، مثل العمل في وظيفة مستقّرة، والطعام اللبناني الشهي، وأبناء وبنات أختي وأخي الأربعة الرائعين، فإنّ الأمور الثلاثة الرئيسة التي تبقيني هنا ليست مرتبطة بلبنان نفسه؛ إنّها مرتبطة برحمة الله وإرادته وصلاحه.
أولًا، روعة البدايات الجديدة. يا لها من حكمة غير عادية أنّ الله خلق الليل والنهار ويمنحنا صباحًا جديدًا كلّ 24 ساعة. (لا أستطيع أن أتخيّل شعور أولئك الذين يعيشون بالقرب من قطبي الأرض والذين يختبرون بزوغ الفجر بعد فترات من الظلمة أطول بكثير). صحيح أنّ الصباح في حدّ ذاته لا يغيّر لبنان إلى الأفضل. غير أنّه مع كلّ صباح لدي فرصة للتغيير إلى الأفضل ولدي الحرية في اتخاذ أفعال وردود أفعال أفضل تجاه الأشياء من حولي والتي هي خارجة عن إرادتي. بعد أن تغلبت على فخّ تأجيل المنبه اليومي، يمكنني أن أقرّر الاستمتاع بكلّ يوم جديد والسماح له بأن يكون بداية جديدة في الاعتماد الكامل على رحمة الله.
ثانيًا، معرفة أنّني في مشيئة الله. على الرغم من أنّني استجبت لدعوة المسيح وبدأت باتباعه في سنٍ مبكرة جدًا، وأردت أن تسود مشيئته في حياتي في وقت مبكر من حياتي، لكن لقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً لأفهم أنّ هذا يعني أنّني يجب أن أسلّم أهدافي وخططي لإرادته. وذلك ليس لأنّ الله إله متحكّم ومتسلط ولكن لأنّ معرفته وإرادته وخططه كاملة. ولا يمكن لفرحي وسلامي أن يفيضان إلّا عندما تتشكّل خططي من مصدر الفرح والسلام. أحد الأمور المثيرة حول العمل في كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة هو رؤية عملي كجزء من خطة الله ليس فقط للبنان ولكن أيضًا للعالم الناطق باللغة العربيّة بأكمله. أتذكّر المرّة الأولى التي قابلت فيها أحد خريجينا من المغرب وكم كنت سعيدة أن أكتشف أنّ عملي يساهم في مشاركة محبّة الله مع المغاربة. منذ كنت صغيرة، كنت أرغب في خدمة الله في مكان له تأثير كبير. لم يكن لدي أي فكرة أنّه سيكون في مكان مثل كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة التي تصل إلى بلدان تنتشر في جميع أرجاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ثالثًا، التركيز على أمانة الله وشخصه أينما كنت. يجب أن أقول أنّ القيام بذلك ليس بالأمر السهل لا سيّما في بلد ينهار ويعاني فيه الناس ويتفشّى فيه الظلم. غير أنّ لا يمكن مقارنة العيش كأتباع للمسيح في لبنان بحياة أتباع المسيح في زمن الملك داريوس أو الإمبراطور نيرون، ولكن ظلّ دانيال والمسيحيون الأوائل يثقون بالله ويعبدونه رغم كلّ الظروف. نعم، إنّ الله الذي عبده دانيال والمسيحيون الأوائل هو نفس الإله الذي أعبده. لكن كيف أفكّر بذلك في سياق لبنان؟ إنّه لمن دواعي الراحة أن تعرف أنّ محبة الله ورحمته تلاحقني باستمرار وتذكّرني بصلاحه. سواء من خلال كلمته أو عملي أو كنيستي أو عائلتي وأصدقائي أو حتى البودكاست وترانيم العبادة، فهو يرسل دائمًا الأشخاص المناسبين والكلمات المناسبة في الوقت المناسب للقيام بذلك. إنّه مستحق وهو يصنع كلّ أمر جديد.
ثمّة بلدان أفضل بكثير من لبنان للعيش فيها – وثمّة أماكن أسوأ أيضًا – لكن السؤال ليس “أين أعيش؟” بل “من أعبد ولمن أخضع في المكان الذي أسكن فيه؟” في النهاية، أينما كنت، سأستيقظ في الصباح، وأجد طريقة لأرتشف القهوة، وأرنّم مع النبي حبقوق وأسبّح من يستحق.
فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ،
وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ.
يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ،
وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا.
يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ،
وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ،
فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي.
اَلرَّبُّ السَّيِّدُ قُوَّتِي،
وَيَجْعَلُ قَدَمَيَّ كَالأَيَائِلِ،
وَيُمَشِّينِي عَلَى مُرْتَفَعَاتِي.
حبقوق 3: 17 – 19
لولوة تخدم كمديرة الشراكات في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة وتعشق الطعام اللبناني والطعام الشهي عامةً.