بقلم باسم ملكي
“أبي، ليتبارك اسمي، ليأتِ ملكوتي، لتكن مشيئتي راجيًا أن تكون في السماء كما هي على الأرض، أعطني اليوم لا بل كلّ يوم ما أستحقّه، ساعد المدينين لي على سداد ديونهم لأنني سددت لك ديوني (إن وجدِت)، وقدني إلى تجاربك لأنّني مستعد وقوي لمواجهتها وأثبت لك مدى قوتي وأمانتي، وإن ظننت هناك حاجة نجّني من الشرير ولكني بخير.
– نسخة معاكسة للصلاة الربّانية
قد لا نصلي على هذا النحو بكل صراحة ومجاهرة، لكن ربما نكون قد صلّينا، أو سمعنا صلوات، بهذا التوجه المتمركز حول الذات. نراه في صلاة الفريسي في لوقا 18:10. فالصلوات، إن لم تكن حذرين فيها، يمكن أن يسودها في الغالب ما يجب أن يفعله الله لنا. يمكن أن تصبح مليئة بالأوامر مثل، “باركني، يا رب…، أعطني…، أبعد عنّي…، افتح الأبواب…، دبّر لي …”، وما إلى ذلك. الصلوات الأخرى (وأنا متأكّد من أنّك سمعتها) تتعلق بإخبار الآخرين (أولئك الذين يستمعون) بما يجب عليهم فعله. ربما في أكثر الأحيان، أصبحت الصلاة مجرد تمنيات نيابة عن الآخرين.
أخبرني أحد الرعاة مؤخرًا أنّ الصلاة هي “جلب الله إلى الإرسالية التي نقوم بها”. أفهم النية الصالحة بأن نسمح لله بالدخول إلى عالمنا، لكن أليست الصلاة عكس ذلك تمامًا؟ ألا يتعلق الأمر بانضمامنا إلى إرسالية الله وانسجامنا مع ما يفعله؟
“وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلًا كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ. «فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا:
أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ.”
(متى 6: 7 – 13).
(لدي اعتراف. لم أصلي أبداً ما يسمى بالصلاة الربانية إلا بتلاوتها مع الآخرين في المناسبات.)
على الرغم من وجود مساحة للتعبير عن احتياجاتنا ورغباتنا لله، فإنّ الأمر الأكثر أهمية الذي يجب التفكير فيه هو كيف يمكننا أن نضع أنفسنا في الصلاة لنفهم من نحن ومن هو الله. على سبيل المثال، بدلاً من أن نطلب “أعطني الحكمة يا الله”، يمكننا أن نفهم مكانتنا كبشر أمام الله من خلال إعادة صياغة صلواتنا لتعكس موقفًا يقول، “أنا في حاجة إلى حكمتك.” هذا سوف يلهم صلواتنا لتصبح اعترافية أكثر، ويشكّل مواقفنا لتصبح أكثر تواضعًا، ويوجّه رغباتنا لتتناسب مع رغبات الله، ويوجّه إرادتنا لتتوافق مع مشيئته. نحن نسعى لملكوته وليس مملكتنا.
الاستماع إلى صلواتنا وفحصها يمكن أن يساعدنا على فهم ما يجري في قلوبنا ويكشف كيف ننظر إلى الله. على سبيل المثال، عندما صلّى يونان في الإصحاح 4: 1-6، سأله الله عما إذا كانت مشاعره سليمة. عندما نفحص صلواتنا وعواطفنا، نبدأ رحلة التحوّل حيث نكتشف نوع العلاقة التي نتمتع بها مع الله وكيف يمكن أن تنمو. كيف وماذا نصلي يعبّران عن إيماننا الحقيقي ولاهوتنا ودوافعنا وموقفنا تجاه الله.
مباشرةً قبل هذه الصلاة مباشرة في لوقا 11: 1، يخبرنا الكتاب المقدّس أنّ “يسوع كان يصلي في موضع معيّن. عندما انتهى، قال أحد تلاميذه، “يا ربّ، علّمنا أن نصلّي، كما علّم يوحنا أيضًا تلاميذه”. حتّى هذه الآية، في إنجيل لوقا، يُذكر يسوع فقط وهو يصلي. لم يكن التلاميذ قد صلّوا بعد. الآن يطبون من يسوع، “علّمنا أن نصلي”. السؤال هو، “لماذا الآن؟” ولماذا انتظر يسوع حتّى هذه اللحظة ليعطي تعليماته؟ ربّما يسأل التلاميذ يسوع عمّا إذا كانوا مستعدّين للمرحلة التالية من تدريبهم. أو أنّ التجربة هي التي دفعتهم لإدراك أنّه كانوا يريدون أن يكون لديهم قوة يسوع للشفاء والتجديد، فهم بحاجة إلى تعلّم الصلاة للآب مثل يسوع.
بعض الأفكار والأسئلة الرئيسة حول هذا المقطع لمساعدتنا على إعادة التفكير في صلواتنا:
يتعلّم الأطفال كيفية الصلاة من خلال اتباع مثال أفراد الأسرة الأكبر سنًا، أو ربّما يتعلّمون من خلال ما يسمعونه في فصول مدرسة الأحد أو أثناء مباركة الطعام قبل الوجبات العائلية. يتعلّم البعض منّا من الصلوات التي نسمعها في الكنيسة. دعونا نسأل يسوع مرّة أخرى، “علّمني كيف أصلي.” وهذه صلاة بحدّ ذاتها قد نحتاج أن نطلبها مرارًا وتكرارًا مع تغير الأوقات والفصول.
يبدو أنّ التلاميذ رأوا كيف طلب يسوع التوجيه واختبر خدمته في الصلاة. في أوقات الصلاة تلك، حافظ يسوع على تركيزه على دعوته وإرساليته. كانت حياة صلاة يسوع عميقة لدرجة أنّهم لم يطلبوا منه أن يعلّمهم أن يفعلوا أيّ شيء آخر خلال حياته. لم يطلبوا منه أن يعلّمهم عمل المعجزات أو كيفية الوعظ أو الشفاء أو كيفية دراسة الكتاب المقدّس أو القيام برحلات إرساليّة، بل أرادوا الانتقال مباشرة إلى مصدر قوّة يسوع وتوجيهه – الصلاة.
الصلاة هي أن تضع نفسك في نور الآب لكي ترى بوضوح. أدعو كلّ واحد منّا للقاء الله واكتشاف ما يحدث. يمكن أن تكون الصلاة وقتًا للتأمل الذاتي في ضوء القدّوس، في ضوء كلمة الله، ومن ثمّ السماح للروح القدس أن يعمل. الصلاة هي وقت لتصفية كلّ الأصوات، من الخارج والداخل، لسماع صوت الآب وإرادته. غير أنّ الكثيرين ممن اتبعوا يسوع يعترفون مرارًا وتكرارًا بأنّ الانضباط الروحي الذي يتصارعون معه هو الصلاة. غير أنّ هذا الشكل من الشراكة مع الله والعلاقة الحميمة هو الأساس لكلّ شيء نفعله كأتباع ليسوع. ربما نصارع لأنّنا نفكّر في الصلاة كواجب وليس شركة مع الله.
نرى الصلاة كأساس مهم جدًا للحياة المسيحيّة، ويتم تدريسها كانضباط روحي؛ ومع ذلك، نريد أن يتعلّم طلابنا من يسوع نفسه فنّ الصلاة. ما يذهلني هو أنّ موضوع تعلّم الصلاة قد طرحه التلاميذ وليس يسوع. ربّما يكون السبب في ذلك هو أنّه، بقدر ما آمن يسوع بالصلاة ومارسها شخصيًا، أراد من التلاميذ أن يستنتجوا بأنفسهم مدى أهميّة الصلاة للعيش بشراكة معه. أعتقد أنّ يسوع كان مستعدًا وراغبًا في تعليم الصلاة، ولكن فقط عندما كان تلاميذه يتوقون للتعلّم. أقوى دافع للتعلّم هو عندما يطلب التلاميذ من المعلم تعليمهم. إلى أي مدى تؤثّر حياة الصلاة الخاصّة بنا على الآخرين وتحفّزهم على رؤية الحاجة إلى الصلاة؟ لذلك، عندما تكون مستعدًا، يمكنك أن تطلب، “يا رب، علّمني أن أصلّي”، أو حتّى ككنيسة، اطلبوا، “علّمنا أن نصلّي.”
ربّما سمّي هذا الجزء من الكتاب المقدّس “الصلاة الربّانية” بصورة خاطئة. بدلاً من ذلك، قد نتذكّر أنّ الذين طلبوا الصلاة في المقام الأوّل هم التلاميذ ونسميها “صلاة التلميذ الحقيقي”.
باسم ملكي هو عميد الأساتذة وقائد مبادرات صنع السلام في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة. في العام الماضي، تعلّم المزيد عن الكتاب المقدس أكثر مما كان يتخيّل من خلال تربية مجموعة صغيرة من الأغنام والماعز والدجاج.