بقلم سميرنا خلف
“هل وصلنا؟” هذا سؤال اعتاد على سماعه الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال صغار – لاسيّما أثناء القيادة مسافات طويلة – ويمكن أن يثير جنون أي شخص. عادة ما يطرح الأطفال هذا السؤال ليس لأنّهم يريدون إزعاج والديهم ولكن لأنّهم لا يملكون إحساسًا بالوقت والمسافة اللازمَين لفهم وضعهم.
في الآونة الأخيرة، سمعت وقرأت هذه العبارة في جميع وسائل التواصل الاجتماعي في # لبنان “هل وصلنا؟” إنه يشير إلى ما إذا كنّا قد وصلنا إلى الحضيض أو وصلنا إلى جهنّم. يشعر اللبنانيون بالحيرة والارتباك خلال هذه الأزمة لدرجة أنّه يبدو أنّهم لا يملكون أي إحساس بالوقت والمسافة … لا إحساس بمدة استمرار ذلك ولا فكرة عما إذا كان سيتحسن يومًا ما.
لقد وصلنا مؤخرًا إلى مستوى جديد من الأزمة: لا وقود. لا حليب لحديثي الولادة. الوقوف في الطابور لساعات في انتظار الغاز والاضطرار لأن تسأل كلّ شخص تعرفه عمّا إذا كان بإمكانه مساعدتك في العثور على الدواء. يمتد النقص ليطال الكهرباء، وخدمات الإنترنت، والخبز، والمياه النظيفة، والأطعمة، وآلات الرعاية الصحية في المستشفيات، والعديد من الضروريات الأخرى.
لذلك، ليس من المستغرب أن يصل الناس في لبنان إلى اليأس والعجز. وفقًا لتسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات (1943)، فإنّ اللبنانيين يفقدون، أو حتى فقدوا، أول مستويين من الاحتياجات، وهما الاحتياجات الفسيولوجية (أشياء مثل الطعام والمأوى والنوم) واحتياجات السلامة (بما في ذلك الأمان، والعمل والصحّة).
نحن، اللبنانيون، فخورون بأنّنا نُعتبَر رمز للصمود. ما زلنا نقول إنّنا طائر الفينيق الذي ينهض من تحت الرماد … لكن من نحن في العاصفة؟ من نحن في قلب النار؟ من نحن بعد هزيمتنا المتكررة؟ صدمة تلو الصدمة … صدمة متعددة المستويات ومستمرة.
أنظر إلى شعبي، إلى بلدي، وقلبي يتألم، وقلبي منكسر… كيف يمكنني أن أجلب الأمل لشعبي وقلبي منكسر؟
من الممكن أن تجلب الأمل للناس عندما يكون بإمكانك أن ترى نهاية النفق أو عندما يكون لديك هدف واضح للمستقبل. من الأسهل جلب الأمل للناس عندما تكون أزمتهم على مستوى واحد … ولكن ماذا تفعل عندما تكون الأزمة متعددة المستويات ومستمرة؟
يذكّرني الوضع الحالي في لبنان بالوقت الذي خاطب فيه الرسول بولس الكنيسة في كورنثوس. على الرغم من وجود اختلافات، كانت الكنيسة في كورنثوس تعاني بسبب الخدمة أمّا معاناتنا فهي بسبب القرارات السيئة التي اتخذها حكّامنا السياسيون، يمكننا التفكير في هذا الفصل والعثور على بعض الدروس التي تفيدنا في كيفية دعم الأشخاص من حولنا – مجتمعنا.
يكتب الرسول بولس في 2 كورنثوس الفصل الرابع مقطعًا مشجعًا لقرّائه. يستخدم تقنية الشطيرة في توصيل رسالته إلى أهل كورنثوس. أولاً، يبدأ وينهي هذا المقطع بتشجيع رائع: “لاَ نَفْشَلُ”. يا لها من كلمات قوية! كأبناء ملك الملوك لا يجب أن نفشل لأننا أولاده الأعزاء. يتابع بولس ويقول في الآيتين 8 و9 ” مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ.” يوضح لنا هذا أنّ بولس لا يتجاهل ما يحدث؛ إنّه ليس في حالة إنكار. تكشف هذه الآيات أنّ بولس مدرك مشاعر أهل كورنثوس ويتعاطف معهم كما لو كان يقول إنّني أعلم أنّه من الصعب التعرض للضغوط من كلّ حدب وصوب، ومواجهة الحيرة والاضطهاد، والتعامل مع كل التحديات الأخرى من حولكم. إنه لا يتوقّف فقط عند العد وتسمية المشاعر، بل يضيف كلمات “مشجّعة” … كلمات تستهدف “كيان” الناس وقيمتهم. لذلك، نسعى إلى الاقتداء ببولس في الاعتراف بالقضايا التي نمر بها، والتعاطف مع مجتمعنا، وعدم التصرّف كما لو كنّا نعيش في عالم آخر.
نتساءل كيف يمكننا الوصول إلى مستوى الأمل الموجود في هذا المقطع. يتطرّق بولس إلى هذا في الآية الأخيرة من الفصل 4 بقوله: ” وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ.” يشير بولس هنا إلى تركيز أعيننا على الله الأبدي، والمسيطر، وخالق كلّ شيء، وكلي المعرفة والمحبة، الذي يهتم بنا وبتفاصيل حياتنا. لذلك، عندما نعترف بمن هو الله، ومحبته، وعظمته، وما إلى ذلك … يصبح كلّ شيء آخر مجرّد مرحلة … يصبح لدينا منظور مختلف … يتم تذكيرنا بالصورة الأكبر التي لدى الله لنا … منظور يبعث على الأمل.
كيف يمكننا أن نحمل الأمل للآخرين من حولنا؟ نلاحظ أنّ بولس وضع نفسه في المعادلة ويقدّم نموذجًا لأهل كورنثوس في مواجهة الألم حتى يقتدوا به. لذلك، الأمر الذي يمكننا القيام به هو تقديم نموذج عن هذا الأمل، هذا المنظور الجديد لمكان الله في هذه المعادلة. ستكون الرسالة الأساسية: إذا كان بإمكاني فعل ذلك – إذا كان بإمكاني الحصول على الأمل … يمكنك ذلك أيضًا!
إذًا، هل وصلنا؟ نعم ولا…
نعم، نحن في الحضيض تقريبًا.
لا، لن نُهزم لأنّنا نتطلّع نحو الهدف… نحو الأبدية مع الله. لدينا “هناك” مختلف.
نحن لا نعرف كل شيء، لكننا نعرف شيئًا واحدًا وهو أنّ إلهنا الأبدي هو المسيطر، سواء في الأوقات الجيدة أو السيّئة. إنّه محب، يعرف كلذ شيء، يهتم …
لذلك، يجب أن نعيش حياتنا على هذه الأرض وصورة الأبديّة في أذهاننا!
سميرنا أستاذة مساعدة في المشورة الزوجيّة وشؤون الأسرة في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة.