بقلم وريك فرح
من 30 أيلول (سبتمبر) لغاية 2 تشرين الأول (أكتوبر)، استضافت كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة مؤتمر الشرق الأوسط 2021 الذي حمل عنوان “نحو كنيسة ديناميكية: إعداد التلاميذ، تنمية القادة، والانخراط في المجتمع في لبنان والعالم“. جمع المؤتمر الذي استمر على مدار ثلاثة أيام عبر الإنترنت أصواتًا محلية وإقليمية وعالمية للنظر في الأمور الملحّة المتعلقة بالإيمان والشهادة المسيحيّة. في منشور مدوّنة كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة التالي، يتأمّل واريك فرح مناقشة في اليوم الأول من المؤتمر حول موضوع إعداد التلاميذ.
في مؤتمر هذا العام، سعت الكليّة إلى الانخراط مع الكنسي المحلية الناطقة باللغة العربيّة وإشراكها من خلال التركيز على اللاهوت الكنيس. بعبارة أخرى، ماذا يعني أن نكون “كنيسة” في لبنان والعالم العربي والعالم أجمع.
مع تزايد الأزمات في العالم اليوم، ما الموضوع الذي يمكن أن يكون أكثر أهمية أو في أكثر ملاءمةً لزمننا من هذا الموضوع؟
تمّ تصميم مؤتمرنا الافتراضي لمدة ثلاثة أيام بإطار مفاهيمي لإعادة قراءة لاهوت الكنيسة المبني على 1) إعداد التلاميذ، 2) تنمية القادة، و3) لانخراط في المجتمع. كلّ يوم مبني على مناقشة سابقة بغية صياغة مؤتمر دقيق في خلاصاته.
في اليوم الأوّل حول إعداد التلاميذ، تفاعلنا مع مقابلة مع مفيد طعمة وكلمة منّي ومن فؤاد قهوجي وألان هيرش. بدلاً من تلخيص مساهمات كلّ منهم، سأحاول دمج أفكارهم في التأمل اللاهوتي الذي قدّمته، لاهوت مضاعفة التلاميذ: معالجة ظاهرة العنب الخالي من البذور.
على الرغم من أنّنا قد نفضّل تناول العنب الخالي من البذور على العنب العادي (إلّا إذا كنت تفضل الفاكهة المقرمشة)، فمن المهم أن تعرف أنّ العنب الخالي من البذور يتم تصنيعه بشكل غير طبيعي. لقد تعلّم العلماء كيفية تغيير الحمض النووي للعنب وراثيًا لإنتاج الحبوب الخالية من البذور.
يمكن استخدام استعارة العنب الخالي من البذور هذه للحديث عن لاهوت الكنيسة وإعداد التلاميذ. لأنّه، للأسف، تمتلئ كنائسنا غالبًا بتلاميذ ليسوع لا يتكاثرون بمفردهم على الإطلاق. وعلى غرار العنب الخالي من البذور، فإنّ أتباع المسيح الذين لا يتكاثرون هم حالة شاذة.
في ملكوت الله، من غير الطبيعي، وإنّه لشذوذ روحي، ألا يحدث التكاثر. وهذا بعيد كل البعد عن حياة يسوع وتعاليمه الذي أظهر أنّه في حبّة عنب واحدة طبيعيّة يمكننا أن نرى عددًا كبيرًا من كروم العنب المتزايدة على نحوٍ دائم.
قبل مناقشة التضاعف، ربما المناسب تقديم كلمة تحذير. يجب أن يكون تركيز خدمتنا على تمجيد يسوع المسيح وليس الهوس البائس بالأرقام أو الإحصائيات. علاوة على ذلك، لا أنوي الإيحاء بأنّ العدسة الأساسية للتلمذة هي التكاثر: فالتشبه بالمسيح جوهري.
غير أنّ هذه المقالة اللاهوتية المختصرة هي حول التضاعف على وجه التحديد. ففي نهاية المطاف إنّ الاختيار بين النمو في القداسة والنمو بوفرة الثمار هو معضلة زائفة. في مثل حبة الحنطة (“بذرة واحدة تموت تنتج بذاراً كثيرة”)، ربط يسوع بذل الذات بالتكاثر (يوحنا 12 :24). التشبه بالمسيح يجب أن يقودنا إلى الشهادة المتضاعفة. كي نجد جماعة متحولّة تمجّد الله في، يجب أن نفكّر في الاثنين معًا وليس إمّا / أو واحدة منهما.
ثمة ثلاث نقاط لاهوتية رئيسة تتناول ظاهرة العنب الخالي من البذور في كنائسنا. لذا، دعونا نستكشف هذه المسألة من خلال طرح السؤال، “ما هو التعليم الكتابي لأولئك الذين يعيدون إنتاج إيمانهم بالمسيح في الآخرين؟”
أولًا، من المهم فهم التضاعف في سياق الكتاب المقدس بأكمله. بالنظر إلى الصفحة الأولى من الكتاب المقدس، نقرأ الوصايا، “أثمروا وأكثروا” و”املأوا الأرض”. هدف الله في تكوين 1 هو مشاركة خليقته مع صوره حتى يتمكّنوا من حكمها معه في وئام إلى الأبد.
غير أنّ بعد السقوط ملأوا الأرض بالعنف والفساد. لكن الله يهدف إلى معالجة هذا من خلال وعده لإبراهيم ونسله الكثيرين، بأن تنتقل بركته لجميع الأمم (تكوين 12: 3).
في العهد الجديد، استخدم لوقا الكلمات الدقيقة “مثمر ومتضاعف” التي استخدمتها الترجمة السبعينية في سفر التكوين لوصف كيفية نمو الكنيسة وتكاثرها.
قد نخجل أحيانًا من الحديث عن النمو العددي، لكن لوقا لا يتردّد في استخدام الكلمات “تنمو” و”تتكاثر” و”تزيد” لوصف انتشار الإنجيل. كما أنّه يستخدم أحوالًا وظروفًا مثل “جدًا” و”كلّ يوم” و”بشدّة” لوصف الطبيعة المتضاعفة لحركة يسوع.
يتضح موضوع التكاثر في القصّة الكبرى للكتاب المقدس في إشعياء 61 :11، والذي يذكّرنا باستعارة العنب، “لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الأَرْضَ تُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَكَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ تُنْبِتُ مَزْرُوعَاتِهَا، هكَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُنْبِتُ بِرًّا وَتَسْبِيحًا أَمَامَ كُلِّ الأُمَمِ.”
إنّ الرؤية الكتابية للتغيير هي تكاثر التلاميذ والكنائس الذين يُشبِعون المناطق والشعوب بتسبيح الله المانح الحياة!
لذلك قد نسأل، ما هي معوّقات البذور في لاهوتنا الكنسي؟ ما هو الأمر الذي من الممكن أنّنا نفعله وهو يحول دون التضاعف؟ حسنًا، إذا عكسنا القصّة الكتابيّة الكبرى الممجدة لله فسنجد أنّنا نضع الأفراد المسيحيين في محور القصّة. وهذا يحدث عندما نعلّم أنّ الكنيسة موجودة لخدمة الأعضاء، أنّ الله موجود لخدمة مصلحتهم وراحتهم.
هذا الخطأ الشائع يغفل تسامي كونهم جزءًا من شيء أكبر من أنفسهم، وأكبر من كنيستهم، وحتّى أكبر من مدينتهم أو بلدهم. يجب أن ندعو الناس للانضمام إلى رؤية الله الكونية والأخروية لملء الأرض كلّها بمجده، لكي يثمروا ويتكاثروا. ونتذكّر أنّ الله وحده الذي يمنح النمو (1 كو 3: 7).
يقودنا هذا إلى النقطة اللاهوتية التالية التي تتناول عدم وجود تلاميذ بلا بذور اليوم.
عندما دعا يسوع تلاميذه، قال “اتبعوني وسأجعلكم صيادي ناس” (متى 4: 18). هذا واضح لدرجة أنّه من السهل تفويته. إتباع يسوع يعني التكاثر. يرتبط التكاثر بدعوتنا لاتباع المسيح. لا يمكنكم اتباع يسوع وعدم تكاثر إيمانكم.
يربط بولس أيضًا هويتنا بالمضاعفة في 2 تيموثاوس 2: 2، “وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا.” هنا نرى أربعة أجيال من التلاميذ يواصلون نقل إيمانهم. 1) بولس، 2) تيموثاوس، 3) أناس أكفاء، 4) آخرين.
من المؤكد أنّ بولس توقّع من التلاميذ أن ينتجوا تلاميذ جددًا وتوقّع من الكنائس إنشاء كنائس جديدة (2 تسالونيكي 3: 1). من الطبيعي أن يتدفق الإيمان عبر الأجيال لأنّه مرتبط بهويتنا. نحن مدعوون لأن نكون منتجين فاعلين للإيمان، وليسوا مستهلكين. الاختلاف حاسم.
ما هي الاستهلاكية الدينية؟ يحدث هذا عندما تعمل كنائسنا وكأنّ لديها منتجًا دينيًا يتم تسويقه. تقوم خدمة الكنيسة، بقيادة متخصصين مدفوعي الأجر، بتنظيم نوع من السلع في شكل عظات، ومواد إعلامية، ومناهج دراسيّة، وموسيقى. تصبح الكنائس الأكثر احترافًا وجاذبية هي الأكثر شعبية ونجاحًا. في هذا الإطار، تُعتبر الكرازة مجرد استراتيجية تسويقية لزيادة عدد أعضاء الكنيسة الذين يمكنهم دفع العشور والتقديمات للمنتج الديني.
عندما نفكّر في الكنيسة من خلال وجهة نظر العالم الاستهلاكي، يبيت يسوع ليس ربًا، بل علامة تجارية أو منتجًا في السوق الديني. عندما لا يكون يسوع رباً، فإنّنا نفقد الدافع للتكاثر من هويتنا، والذي ينبع من كيفية تضاعف يسوع في أتباعه.
خلاصة القول، لقد رأينا التضاعف في القصّة الكبرى للكتاب المقدس وفي الهويّة الأساسيّة لأتباع يسوع. النقطة اللاهوتية الأخيرة التي تعالج العنب الخالي من البذور هي حيث نقطة بداية كلّ شيء.
عندما دعا يسوع التلاميذ، جعلهم يخدمون على الفور تقريبًا. كان ذلك في تدريبهم على القيادة. وذلك يعني التعلّم عن طريق الممارسة. لم يكتف بتدريس العقيدة، بل شدد أيضًا على الطاعة، وعلّمهم الأخلاق والرحمة. كان ملكوته ملموسًا. لاحظ تلاميذه أعماله وتشبّهوا به. تعامل يسوع مع الرأس والقلب واليدين وفي الوقت نفسه.
هذا يتناقض مع ما قد نسميه “التسلسل” في كنائسنا اليوم. غالبًا ما يتبع البرنامج التقليدي للتلمذة عملية تسير بوتيرة متتالية، وهي الصلاة، ثمّ ما قبل الكرازة، ثمّ الكرازة، ثمّ التحوّل، ثمّ التلمذة، ثمّ التدريب اللاهوتي، ثمّ تنمية القادة، ثمّ الخدمة. عندما تعمل بطريقة متسلسلة، فأنت تؤخر النشاط الفعّال لسنوات أحيانًا، وبالتالي تعيق التضاعف.
أجريت مرة محادثة مع قائد كنسي يقود عدة مجموعات صغيرة من اللاجئين السوريين في بيروت. أخبرني أنّه لن يسمح لسوري آخر بقيادة دراسة الكتاب المقدس حتّى ينتهوا من قراءة الكتاب المقدس بأكمله أولاً. لذلك لم أستغرب أنّه لم يكن ينمّي أيّ قادة.
من غير المنطقي لتفكيرنا المتسلسل أن نفعل الأشياء بالطريقة التي فعلها بها يسوع. ليس الأمر أنّ يسوع اهتم بالسرعة، ولكن الأبعاد المتعدّدة الأوجه للتشكيل الروحي حدثت بشكل متزامن مع ممارسات يسوع. لم تحدث كلّ هذه الأشياء بسرعة وبوتيرة متتالية ولكنّه فعلها جميعًا في نفس الوقت. كانت أنشطة إعداد التلاميذ هذه تحدث بشكل متزامن، وليس بشكل تسلسلي أو متتالي.
كانت عبقرية نهج يسوع في إعداد التلاميذ هي النشاط المبكر والمتسق، وهو ما يمكن أن نسمّيه تلمذة الإيمان المُعاش، والتي تخلق تلاميذ ناضجين يضاعفون إيمانهم بشكل طبيعي في الآخرين.
وماذا إذً؟ تربة غير المزروعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
في واقع الأمر، ثمة عدد من تلاميذ المسيح والكنائس للفرد الواحد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أقل من أي منطقة أخرى في العالم. مجموعات كاملة من الناس ليس لديهم كنيسة من السكان الأصليين أنفسهم ولا يمكنهم الوصول إلى الإنجيل سوى بنسبة ضئيلة.
لأسباب عديدة على الصعيدين السياقي والتاريخي، من الممكن أن يكون المرء تابعًا أمينًا للمسيح ولا ينقل إيمانه إلى الآخر أبدًا. لكن بالنظر إلى حياة المسيح وتعاليم العهد الجديد، بما في ذلك شهادة تاريخ الكنيسة، يبدو أنّ استثناءات كهذه تثبت القاعدة.
كما يقول القول المأثور، “كلّ نظام مصمّم على نحوٍ مثالي بهدف الحصول على النتائج التي يحصل عليها.” بصفتنا جسد المسيح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، علينا أن نتراجع خطوة إلى الوراء وأن نعيد النظر بجديّة فيما إذا كان اللاهوت الذاتي والاستهلاك الديني والتسلسل قد نتج عنهم تلاميذ وكنائس تتكاثر بصعوبة بالغة، وأحيانًا لا تتكاثر على الإطلاق.
بدلاً من ذلك، نحن بحاجة إلى كنيسة ديناميكية تجسّد اللاهوت المتسامي المتعلّق بمجد الله الذي يملأ الأرض كلّها، وتلاميذ مطيعون بفرح يُضاعفون إيمانهم بنشاط، وممارسات فوضوية منظّمة للتلمذة على غرار خدمة المسيح التي كانت غير متوقعة.
الله يحبّ الثمر. يحبّ كلّ العنب بالبذور أو بدونها. لكي نرى تلاميذ يسوع يضاعفون تلاميذ ليسوع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم، علينا أن نثبت فيه لأنّه بدون سوع الكرمة الحقيقية (يوحنا 15: 1)، لا يمكننا أن نفعل شيئًا.
واريك فرح متخصص في اللاهوت الإرسالي مع One Collective ومحرّر الكتاب الذي صدر حديثًا عن حركات تكاثر التلاميذ، Motus Dei: The Movement of God to Disciple the Nations.