مخاطر الصلاة من أجل لبنان: تأمّل لاهوتي حول الصلاة والإقتصاد وبركة الأوطان
نوفمبر 25, 2021
آه يا بيت لحم، أترانا ننظر إليك وأنتِ غارقةً في دجى كربكِ؟
ديسمبر 9, 2021

من كنيسة محورها المنبر إلى كهنوت جميع المؤمنين

بقلم وسام نصرالله

لطالما كان شائعًا في كنائسنا الإنجيلية دعوة شخص ما لحضور إلى الكنيسة. لقد سمعت الرعاة مرارًا وتكرارًا يشجّعون ويتحدّون أتباعهم ليس فقط لدعوة أصدقائهم إلى الكنيسة ولكن لجلبهم (جسديًا) إلى الكنيسة أيضًا. الفكرة بسيطة: ادعُ صديقًا أو زميلًا في العمل أو قريبًا لحضور الكنيسة معك حتّى يتمكّن المحترفون، أو المحترف الوحيد في المبنى في معظم الحالات، من الاعتناء بهم من المنبر بينما نجلس نحن متأمّلين أن يرفعوا أيديهم في وقت ما وبالتالي أن يخلصوا. وبعد دعوة شخص ما إلى الكنيسة، يمكن أن يموت المرء بسلام “بعد أن يكون قد أدّى واجباته الدينية”، وكما هو شائع أن نقول مؤديًا واجباته الدينيّة.

تبنت العديد من الكنائس في الشرق الأوسط وأماكن أخرى نموذجًا للكنيسة “قائم على المنبر”، أو ما أطلق عليه واريك فرح وآلان هيرش في هذه المدوّنة “الكنسية النموذجيّة“. النموذج المتمحور حول المنبر هو المكان الذي يصبح فيه المنبر الشغل الشاغل للخدمة الرعويّة وحياة الكنيسة. يأتي الناس إلى مكان الكنيسة يوم الأحد، ويتعبّدون، ويستمعون (عادة إلى نفس الشخص أسبوعًا بعد أسبوع)، ثم يعودون إلى منازلهم إلى روتين حياتهم. في الآونة الأخيرة، بدلاً من اغتنام الفرصة التي توفّرها جائحة كورونا لإعادة التفكير في معنى أن تكون كنيسة، أضافت العديد من الكنائس اللبنانية عناصر عبر الإنترنت إلى هذا النموذج عن طريق إرسال رسائل مسجّلة مسبقًا على واتساب أو فايسبوك ليستمع إليها المصلّون.

يتميز هذا النهج الراسخ بالسؤال المؤسف الذي كثيرًا ما نسمعه عندما يسأل الناس أحدهم أي كنيسة ترتادها؟ “عند مين بتحضر؟” يكشف تعريف الكنيسة من خلال هوية الراعي عن سوء فهم عميق لما يجب أن تكون عليه الكنيسة ودور كل عضو فيها. (في مدوّنة سابقة، عالجت مشكلة الثقافة الكنسيّة المغلوطة التي تمكّن الرعاة من أن يصبحوا مشاهير لا يمكن المساس بهم).

لا تسيئوا فهمي، فالناس بحاجة لأن يتغذوا روحيًا على نحوٍ جيّد وأنا أحترم وأقدّر بشدّة الرعاة والمعلمين الأمناء الذين يأخذون دراسة الكتاب المقدس على محمل الجد ويقضون وقتًا في مصارعة النص بغية استخلاص الحقائق الأساسيّة والضروريّة التي في كلمة الله، كلمات لتبكيت شعب الله، وتصحيحهم، وبنائهم، وإعدادهم وتقديسهم.

غير أنّ عندما يصبح النشاط / الغرض الوحيد من الذهاب إلى الكنيسة هو استهلاك العظة، فهذا يعني أنّه يمكنكم الحفاظ على العادات المكتسبة أثناء الإغلاق العام بسبب الوباء حيث تحضر الكنيسة وأنت مرتاح في منزلك ترتشف القهوة في ملابس النوم.

لذلك، نحن بحاجة إلى تحويل عقليتنا من كيف نعمل الكنيسة إلى كيف نكون كنيسة.

سأذكر ثلاث طرق مترابطة يمكننا من خلالها المضي قدمًا نحو هذا الهدف، مع التركيز بخاصّة على الهدف الثالث. إلّا أنّها ليست قائمة شاملة.

  1. أوّل أمر يجب أن نفعله هو تعديل توقعاتنا حول ما يجب أن يفعله رعاتنا. مع متطلبات الحياة المتزايدة، لا يمكننا أن نطلب من رعاتنا أن يفعلوا كلّ شيء بينما بالكاد يكون لديهم الوقت للاستعداد لخدمات يوم الأحد. هذا ينطبق بصورة خاصّة على الرعاة الذين يعملون بوظائف أخرى وهم يحتاجون إلى وظيفة بدوام كامل مع الرعاية لتأمين لقمة العيش في هذه الظروف. ربّما ليس من المفترض أبدًا أن تدور الكنيسة حول شخص واحد أو أن يتم التعاقد مع مجموعة صغيرة من المهنيين. في الواقع، يرسم الكتاب المقدس صورة أخرى يُدعو فيها جميع المؤمنين للمشاركة في المسؤوليات الكهنوتية كما يذكرنا في رسالة بطرس الأولى 2: 4-5.
  2. لذلك يجب أن يركّز رعاة الكنيسة وكهنتها على تدريب كهنة آخرين وتطويرهم وإرسالهم. يتعلق الأمر ببناء الآخرين ومساعدتهم “للنمو فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (2 بط 3: 18) وتكليفهم بالقيام بذلك مع الآخرين. هذا ينطوي على الاستثمار في العلاقات الفردية والصلاة الملتزمة للآخرين. (أنا أوّل من يعترف بضعف وعدم الانضباط في كلا المجالين).
  3. بدلاً من أن نأمل في أن يأتي غير المؤمنين إلى مبنى الكنيسة، يجب أن تشارك الكنيسة في خدمة الحضور مع الأشخاص الذين يعيشون في المجتمع من حولهم. ككهنة، نحن مدعوون للمشاركة في حياة الآخرين، لنكون ملح الأرض ونور العالم. هذه هويتنا في المسيح. كيف نكون ملحاً إذا بقينا في المملحة؟ هل يجب أن نبقى نعيش في مجتمعات معزولة؟ يجب خلط الملح بمكونات الطعام المختلفة ليكون فعالًا ومفيدًا. لذلك، ككهنة لربّنا يسوع، دعونا نضيف طعمًا العالم من حولنا من خلال العيش بأمانة وثبات بمعتقداتنا الإيمانيّة ولكن أيضًا مشاركة الحياة مع المجتمعات التي نعيش فيها واستعادة الرجاء فيها.

متابعةً للنقطة الثالثة، كمسيحيين غالبًا ما نخلق ثقافات فرعيّة منعزلة لا ترتبط أو تبني علاقات هادفة مع المجتمعات من حولنا. مثل الفريسيين في لوقا 10 :27، كثيرًا ما نسأل بتردد، “من هو قريبي؟”.

في ظلّ الظروف الحاليّة في لبنان، يحتاج الناس إلى أكثر من مجرّد عظة جيّدة. إنّهم بحاجة إلى كتف يتكئون عليه، وصديق يشكون له همومهم. إنّهم يريدون شخصًا يمكنه دعمهم والاستماع إليهم وحبّهم بصدق. عند حدوث مصيبة أو كارثة، يكون الوجود أكثر أهمية من الكلمات. قد لا يتذكّر الناس عظة ولكنّهم سيتذكرون متى وقفت بجانبهم في أيّامهم الصعبة.

بعبارة أخرى، بدلاً من دعوة الناس إلى الكنيسة، دعونا نحمل الكنيسة إلى الناس. دعونا نعكس المسيح ونحيا الإنجيل بالكلمات والوقت. إنّ حضور الإنجيل وإعلانه أمران متلازمان.

لذلك، في عالم يسوده الانقسام، نحتاج إلى أن نكون وكلاء المصالحة. في عالم الإلهاء والتشتت و”الانشغال المرضي”، وفقًا للمصطلح الذي ابتكره رونالد رولهيزر، نحتاج إلى الوجود – الحضور الحقيقي. في عالم متعة الليلة الواحدة علينا أن نستثمر عاطفيًا بالآخرين. في عالم الامتثال والحد الأدنى من المتطلبات، يجب أن نحب بطريقة تتحدّى المعايير السائدة. في عالم البرامج والكفاءة والسرعة، نحتاج إلى الاستثمار في علاقات غير عمليّة ومرهقة. في الواقع، عالمنا يقول يجب أن نقضي الوقت مع أولئك الذين يمكنهم إيصالنا إلى مكان ما. أمّا يسوع يقول لنا أن نقضي الوقت مع أولئك الذين قد يبطئوننا.

الحقيقة هي أنّ العيش بهذه الطريقة مكلف، لكن محبة الآخرين على غرار يسوع لم تكن أبدًا سهلة أو رخيصة. لأنّنا، ككنيسة الله، اختبرنا حضور الله ومحبّته في حياتنا أولاً، فإنّنا جميعًا مدعوون وممكّنون من مشاركة هذه المحبّة مع الآخرين.

حين نفهم الانعكاسات الكاملة للإنجيل في حياتنا، لا يمكننا أن نكون متفرجين في الكنيسة. فالإنجيل يغيّرنا من الداخل إلى الخارج من خلال تحويلنا إلى أمّة من الكهنة الذين يجلبون الرجاء والتجديد الذي في المسيح للناس من حولهم. لم يختر الله الأذكى والأكثر فصاحةً لخدمته. التلاميذ الأوائل هم أفضل مثال على ذلك. لقد دعانا أنت وأنا لنكون جزءًا من خطته العظيمة ليخلّص كلّ شيءٍ لنفسه.

وسام هو مدير عمليات الجمعيّة اللبنانيّة للإنماء التربوي والاجتماعي. وهو يكتب في مجال تلاقي الإيمان والسياسة والاقتصاد.

اترك رد