بقلم غريس الزغبي
أنا امرأة عربيّة وفلسطينيّة (ولدت وترعرعت في بيت لحم) مسيحيّة وإنجيليّة لدي شغف لا للشرق الأوسط فحسب ولكن أيضًا للتنوّع داخل الكنيسة. إنّ بحثي حول دور المرأة العربيّة في التعليم اللاهوتي أتاح لي عددًا كبيرًا من الفرص للمشاركة في التعليم اللاهوتي إقليميًا على مستويات متعدّدة.
شاركت في أكتوبر/تشرين الأوّل الآنف في مؤتمر الشرق الأوسط الذي نظّمته كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة. عندما نظرت بعناية إلى برنامج الأيّام الثلاثة، أٌعجبت بالتنوع الكبير في صفوف المتكلّمين. ولقد قدّرت بخاصّة أنّه ثمة مشاركات من النشاء من مختلف المجالات ضمن قائمة المكلّمين، وهي ظاهرة ليست نموذجية في معظم اللقاءات في الشرق الأوسط. كان المنظور الإقليمي الذي قدمته في المؤتمر حول موضوع تنمية القادة، واندمجت مساهمتي على نحوٍ طبيعي مع الأصوات ووجهات النظر الأخرى.
تمحورت محاضرتي حول دور الإرساليّة في تنمية قادة شفّافين وخاضعين للمساءلة، والعلاقة بين كلية اللاهوت والكنيسة، وأهمية دور المرأة ووجودها القيادي للمساعدة في تطوير الكنيسة العربيّة والمجتمع العربي. ونظرًا لأنّ موضوع المرأة في القيادة هو مجال قلّما نبحث فيه، فإنّه لا يحظى عادةً باهتمام كافٍ في الشرق الأوسط. لذلك، سأركّز على هذا الموضوع باتباع لمحة موجزة عن بعض النقاط.
رؤية إرساليّة للقادة
كفلسطينيّة، لقد لاحظت محنة اللاجئين في أمتي على مرّ العقود. غير أنّني اختبرت أيضًا عطف الفلسطينيين الذين من داخل الكنيسة ممن خدموا بين اللاجئين العراقيين والسوريين في الأردن خلال العقد الماضي. نظرًا لخلفيتي الجغرافيّة، لا يمكنني التغاضي عن أنّ مأمورية الإرساليّة قد وُلِدت في أورشليم. يوضح أعمال الرسل 1: 8 كيف أنّ خطة الله للكنيسة هي أن تكون مرسَلة. جزء من هويّتنا كأتباع المسيح هو المشاركة في هذه الإرساليّة. يشكّل المسيحيّون في فلسطين أقل من 1٪ من السكّان. ضمن هذه البقيّة في فلسطين، الجميع مدعوون ليكونوا قادة، لأنّ “الحصاد كثير والفعلة قليلون”. بطبيعة الحال، قد نشعر أنّ الموارد شحيحة في منطقتنا. ومع ذلك، من الضروري أن نستثمر كلّ ما فينا وكلّ ما لدينا في تنمية القادة لملكوت الله. لأنّ واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا في الشرق الأوسط في هذا الوقت هي أزمة اللاجئين، فإنّ تدريب قادة مسيحيين شفّافين وخاضعين للمساءلة، رجالًا ونساءً، لتلبية الاحتياجات الماسة للناس المنكسرين أمر ضروري. يحتاج قادة الكنيسة إلى الاستمرار في تدريب القادة الروحيين لسدّ الثغرات. إحدى هذه الثغرات في الشرق الأوسط هي النقص الحاد في القيادات النسائيّة داخل الكنيسة وفي الأوساط الأكاديمية. هذا ليس بسبب عدم وجود أي امرأة ولكن لأنّه لم يتم توفير مساحة لهن ليصبحن قائدات خادمات.
اعتناق رؤية للقيادات النسائيّة
في ديناميكيات تنمية القادة، يجب أن يكون لدى أولئك الذين يتولّون القيادة حاليًا رؤية لتشجيع النساء على لاكتشاف دعوتهن والبحث عن طرق يمكنهن من خلالها الخدمة في الكنيسة والتعليم اللاهوتي. إنّه جزء من خطة الله لاستخدام النساء كقائدات داخل الكنيسة والأوساط الأكاديميّة العربيّة. يجب تضمين الصوت النبوي للمرأة العربيّة في مقاصد الله للكنيسة العربيّة.
يقودني ذهني وقلبي الباحثان في الإرساليات العالميّة إلى النظر إلى ما هو أبعد من السرد الذي أنا جزء منه بصفتي تابعة فلسطينيّة للمسيح. على الصعيد العالمي، ثمة عدد كبير من الأمثلة للتجمّعات الأكاديميّة للنساء. مؤتمر المرأة الإنجيليّة في الأوساط الأكاديميّة الذي نظّمته كليّة ريدلي في ملبورن، أستراليا هو أحد هذه المؤتمرات. نساء الجمعيّة اللاهوتيّة الإنجيليّة هو مثل آخر. لوجيا مثل ثالث. وتطول القائمة. دائمًا ما تتحدّنا هذه اللقاءات وتحفّزنا للنظر إلى المستوى الأكاديمي للعالمات واللاهوتيات ومداخلات المشاركين. ومع ذلك لا أتوقف عن السؤال: أين نحن في الشرق الأوسط من هذه الشبكات؟ أحلم بتأسيس شبكة لاهوتيّة للنساء العربيّات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يمكننا مناقشة اللاهوت وكتابة المقالات ونشر الكتب وتقديم المحاضرات ليس فقط عن النساء في اللاهوت ولكن عن اللاهوت عامّة.
غالبًا ما أتساءل عمّا إذا كنّا بحاجة في الشرق الأوسط إلى استعارة نموذج من الغرب لتشجيع دور اللاهوتيات والقادة النساء العرب – على الرغم من أنّني أقرّ بوجود جدل حول هذا الموضوع في الغرب أيضًا. من الملهم التعلّم من سياق أوسع، لكن يجب ألا ننسى أبدًا أنّ التعليم اللاهوتي قد وُلِد في الشرق الأوسط. ينبغي النظر إلى دور المرأة في القيادة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لأنّ الكنيسة الكونيّة الشاملة ذات النهج الإرسالي لا يمكنها استبعاد أكثر من 50٪ من المشاركين فيها.
في مشاركتي في مؤتمر الشرق الأوسط 2021، كان أحد أسئلتي الخطابيّة ما إذا كانت الكنيسة في الشرق الأوسط متعمّدة حول “الاستثمار” في القيادات النسائيّة. كامرأة، من الواضح أنّني لا أستطيع إخفاء تحيّزي. غير أنّني كباحثة من داخل السياق، ومطّلعة من الداخل، فقد ثبت لي من خلال المحادثات المتعدّدة التي أجريتها مع النساء العربيات أنّ لدينا صوتًا قيّمًا ولا غنى عنه. تاريخيًا، كانت النساء مبشّرات وشمّاسات ونبيّات ومؤلّفات. وعلى النحو نفسه، يمكن للنساء الحاليّات في الكنيسة والأكاديمية التفكير سياقيًا، والكتابة عن اللاهوت، والتدريس بصورة خلّاقة. على الرغم من أنّ آراء النساء تختلف أحيانًا عن آراء الرجال، إلّا أنّ وجهات نظرهن متساوية في الأهميّة والحيويّة والضروريّة. وقد أشارت مساهمتي إلى الحاجة الملّحة لمزيد من المحادثات في السياق العربي حول دور المرأة مع التركيز على ضرورة التفكير من الداخل.
ثمّة نقص في التشجيع في تشكيل الشخصيّة ضمن السياقات الكنسيّة. وكم بالأحرى سيكون هذا النقص واضحًا في تشكيل القيادات النسائيّة على ما أعتقد. تاريخ الكنيسة لا ينقصه أمثلة لنساء من الشرق والمسيحيّة الشرقيّة. على الرغم من أنّ هؤلاء النساء قد لعبن دورًا حيويًا في حمل شعلة اللاهوت والقيادة على مرّ القرون، إلّا أنّه نادرًا ما يتم الحديث عنهن. هذا يجعلني أتساءل عمّا إذا كانت الكنيسة اليوم أقل عزمًا على الاستثمار في النساء ممّا كانت عليه في الأجيال السابقة. أو هل انطباعنا العام أنّه إذا كانت هناك قيادات نسائيّة، فسيكون ذلك جيدًا، ولكن إذا لم يكن كذلك، فلا بأس بذلك أيضًا؟”
تشير هذه المدونة إلى ضرورة إيجاد مساحة للمرأة العربيّة بصورة ملحّة لكي تشاركن على نحوٍ واضح وقوي كقائدات خادمات في الكنيسة والمجال الأكاديمي. إذا سُئلت عن أهم نتيجة من مؤتمر الشرق الأوسط، فسأقول إنّها ردود الفعل الإيجابيّة التي أعقبت مداخلتي لأنّني سلطت الضوء على دور المرأة. تشير كلمات الثناء إلى أنّ هناك المزيد ليُقال وأنّ أرضية جديدة يتم اختراقها. إذا أرادت الكنيسة في بلدان عربية مثل لبنان – وبقية بلدان الشرق الأوسط – أن تنهض من تحت الرماد، فسوف تتطلّب قيادة نبويّة قوية تضم النساء. سيتطلب هذا من القادة المسيحيين الذكور إفساح المجال في لاهوتهم وممارستهم للقائدات الإرساليات والمتشبهات بالمسيح والمنقادات بالروح القدس. شخصيًا، لقد مررت بتجارب إيجابية حيث تلقيت التشجيع من قبل المعلمين والزملاء وأفراد الأسرة للمشاركة في التعليم اللاهوتي، لكنّني سمعت أيضًا أنّ العديد من الرجال يزعمون أنّه من الأسهل والأكثر جدوى الاستثمار في الرجال من الناحيتين اللاهوتيّة والأكاديميّة مقارنة بالنساء. يُنظر إلى النساء في المقام الأوّل على أنهن ربّات بيوت.
على الرغم من أنّ متمر الشرق الأوسط كان يُبثّ عبر الإنترنت، إلّا أنّ وجودي في لبنان في ذلك الوقت كان له آثار قوية بالنسبة لي. كانت أشعة الشمس الذهبية – التي أفتقدها بشدة في المملكة المتحدة – والنسيم البارد الذي يهمس عبر أرز لبنان منعشًا للغاية. لقد ألهمني أنّ الكنيسة يجب أن تعكس هذا الجمال في تعاملها مع القيادات النسائيّة. لقد انكسر قلبي على محنة الشعب اللبناني، وكنت مقتنعة أنّ القيادة التي ترحب بوجود النساء ستساعد في خلق جيل لن يفقد الأمل بسهولة. يشير هذا السرد إلى أنّ النساء العربيّات المسيحيّات في الشرق الأوسط لهن صوت، ويجب أن يحصلن على المنصّة اللازمة للمساهمة من خلال أفكارهن وكتاباتهن وخدمتهن المتواضعة. لا أستطيع أن أؤكّد بما فيه الكفاية أنّه إذا أردنا تنمية القيادات النسائيّة، فسنضطر إلى إثبات وجود نماذج يُحتذى بها يعملن حاليًا في مناصب قياديّة، ويحافظن على معايير أخلاقية عالية تتفق مع المسيحيّة الحقيقيّة. إلهامي نابع من التفكير في الشرق الأوسط كرائد في التعليم اللاهوتي. من أجل الحفاظ على هذه السمعة وتراث الكنيسة الأولى، يجب أن تكون القيادة داخل الكنيسة والأوساط الأكاديميّة استباقيّة في تفكيرهم وعلى استعداد لاتخاذ إجراءات تصحيحيّة فوريّة.
أخيرًا، بينما أواصل بحثي ورؤيتي للمستقبل، اختبرت أنّ “مع الله كلّ الأشياء ممكنة”. لذلك، من الممكن أن تتحوّل اللوحة الجدارية ذات الحروف الحمراء التي لمحتها أثناء قيادتنا لميناء بيروت المحطّم – “لقد دمرتمونا ومستقبل أطفالنا” – إلى أصوات أمل.
يا ربّ، ابدأ بي ومن خلالي واستخدم أخواتي العربيّات في الشرق الأوسط كرائدات لحقك ورؤيتك. يتردّد صدى الكلمات في إشعياء كما لو أنّها قيلت في زمننا، “من أرسل ومن يذهب من أجلنا؟” (إشعياء 6: 8). في المسيح، تجيب العديد من النساء العربيات بشجاعة: “يا ربّ، هأنذا، أرسلني!” حتّى نتمكّن من إحداث تحوّل في الشرق الأوسط.
غريس ناشطة في كليات اللاهوت والبرامج اللاهوتية الإقليميّة وتعمل حاليًا على الحصول على درجة الدكتوراه في التعليم اللاهوتي من كليّة لندن اللاهوتيّة.