كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة تتمنّى لكم ميلادًا مجيدًا وعامًا سعيدًا! تحمل لكم هذه المدوّنة تأمّلات ميلاديّة، بقلم بعضٍ من أعضاء مجتمع الكليّة. نصلّي أن تكون هذه التأمّلات بركة لكم في موسم الأعياد.
إيلي حدّاد، رئيس الكليّة
في عيد الميلاد، لا أحبّ أن أتأمّل فقط في سبب مجيء يسوع إلى الأرض، ولكن أيضًا في من هو يسوع. فيلبي 2: 6-11 هي واحدة من أجمل النصوص المكتوبة عنه وعن التجسد. لا يمكن للمرء أن يقرأها دون الوقوع في حبّ يسوع. يُظهر النّص تضحيته المطلقة، وتواضعه، وإنكاره لذاته. إنّه الله الأزلي بكلّ مجده. ولكنه تخلى عن كلّ ذلك بإرادته الحرّة ليأخذ صورة عبد، حتّى لأن يموت على الصليب. كلّ هذا لأنّه يحبّنا كثيرًا. كيف لا تقع في حبه؟
غير أنّه لا يمكن قراءة هذا النص دون وضعه في سياقه. وفجأة، يبيت النصّ الأكثر جمالًا هو النصّ الأكثر صعوبة وتحديًا. يقدّم بولس تضحية يسوع كنموذج لنا لنتبعه. نحن مدعوون لنفكّر مثله. يستخدم بولس نموذج يسوع هذا لدعوتنا إلى تغيير جذري في طريقة تفكيرنا. هذا صعب جدًّا. نحن مدعوون لإنكار أنفسنا بينما جرت العادة لأن نستغل الأمور لصالحنا ومنفعتنا الخاصّة. نحن مدعوون إلى محبّة الآخرين والتضحية من أجلهم بينما نحن معتادون على العمل من أجل تحقيق غاياتنا. هل يمكنكم أن تتخيّلوا نوع المجتمع المسيحي الذي يمكن أن نكون فيه إذا كان لدينا جميعًا هذا القلب والفكر؟
سيكون رائعًا، في موسم عيد الميلاد هذا، إذا استطعنا أخذ بعض الجمال الذي نجده في يسوع، والتعلّم منه، والبدء في التشبّه به والعيش فيه بين من حولنا.
نبيل حبيبي، محاضر في دراسات العهد الجديد
تعكس قصص الولادة والطفولة حياة الشخص اللاحقة. وُلد النبي الحكيم صموئيل من صلوات دؤوبة رفعتها أمّ محبّة وقد سمع صوت الله يكلّمه بحميميّة في الهيكل عندما كان صغيرًا. كان القائد الشجاع، الملك داود راعياً شجاعًا حارب الأسود والدببة لحماية خرافه.
حينما نلقي نظرة أوليّة على قصّة ولادة يسوع في متّى ولوقا نلاحظ خللاً في هذه الصيغة. يسوع هو ابن الله، الذي فيه وله خُلِقَ كلّ شيء، وبجسده تمّت مصالحة البشر مع الله (كولوسي 1). غير أنّنا نصارع بشدّة لرؤية انعكاس تلك التفاصيل في قصص ولادته.
العذراء تلد يسوع في اسطبل. يأتي الرعاة لرؤيته. المجوس من الشرق يقدّمون له الهدايا. أنبياء في الهيكل يسبّحون الله لأجله. هربوًا به إلى مصر خوفًا من الخطر الذي يداهمه. بدا ضعيفًا. غير مهم. لم ينتبه أحد لمجيء يسوع باستثناء عدد قليل من الأفراد، ونوبة غضب من الملك هيرودس. إنّ قصص ميلاده بعيدة كلّ البعد عن الوصف المتسامي للاهوت المسيح الذي نراه في نصوص العهد الجديد الأخرى.
ولكن ربّما هذا هو جوهر قصص عيد الميلاد. في الواقع، هذا هو جوهر حياة يسوع الأرضيّة كلّها. قبل قيامة المسيح، قلة هم الذين فهموا هويّته حقًا. قبل تدفق الروح والانتشار السريع للحركة المسيحيّة الباكرة، لم يسمع سوى القليل عن هذا الحاخام اليهودي المتجوّل الذي مات على صليب روماني.
هذه هي قصّة عيد الميلاد. الطفل الضعيف الذي هو ربّ الكون. هذا هو الإنجيل. حبّة الخردل ستصبح شجرة حياة ضخمة. مبارك إلهنا على حكمته اللامتناهية.
عماد بطرس، أستاذ مساعد في العهد القديم
أثناء قيادة سيّارتي في شوارع لبنان هذا العام، لاحظت شحًّا في زينة الميلاد والأضواء في بيروت مقارنة بالسنوات الماضية. وبشعور من الحزن، تساءلت: “كيف يمكننا الاحتفال بعيد الميلاد في ظلّ هذا الشعور بعدم اليقين بشأن الغد؟”
فيما تهيم هذه الأفكار في ذهني، بدأت في تخيّل أول عيد الميلاد والتفكير في شعور مريم، الأم، خلال هذا الوقت: وُلِد طفلها في مذود، وليس في المنزل مثل أيّ طفل آخر؛ لم يكن لديها أي من أفراد الأسرة حولها لدعمها؛ ولا يوجد زينة حول المنزل للاحتفال بقدوم المولود الجديد. في حين أنّ جميع علامات الاحتفال بميلاد يسوع كانت مفقودة من منظور بشري، كانت السماء تخطّط لاحتفال عالمي بالمولود الجديد: ظهر ملاك لمجموعة من الرعاة يُعلنون بشرى قدوم المخلّص (لوقا 2 :11). بعد ثوانٍ قليلة، ظهرت جوقة كبيرة من الملائكة من السماء وهم يهتفون، “الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ” (لوقا 2: 14). ثم سارع الرعاة ليخبروا مريم عن الحفلة الملائكية التي جرت في منتصف الليل. في وقت لاحق، جاء المجوس أيضًا للتهنئة بوصول المخلّص. عندما غادر الجميع، فكّرت مريم فيما سمعته “كَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا.” (لوقا 2: 19).
كما نرى، على الرغم من أنّ جميع أشكال الاحتفال البشرية كانت مفقودة، فقد حدث تدخل سماوي للاحتفال بميلاد الابن المُعطى من الله، المشير العجيب، الإله القدير، الأب الأبدي، رئيس السلام (إشعياء 9: 6).
أتمنى أن يلهم جمال عيد الميلاد الأوّل احتفالاتنا الخاصة هنا في لبنان. لنتذكّر أنّه في حين أنّ الأرض ليس لديها ما تقدّمه، وأنّ معظم أشكال احتفالات عيد الميلاد مفقودة، يمكن أن يحدث تدخلًا سماويًا حيث يتجلّى الرجاء والسّلام والفرح على بلد لبنان وفي قلوب جميع اللبنانيين… آمين!
برنت حمود، مسؤول برنامج الماجستير في العلوم الدينيّة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يشمل مشهد قصّتنا الميلاديّة الشائع مجوسًا قادمين من الشرق لزيارة العائلة المقدّسة بعد بحثٍ طويل عن يسوع. قد تكون هذه الصورة لعيد الميلاد خياليّة، لكن هؤلاء الحكماء الذين يراقبون النجوم يسلطون الضوء بالتأكيد على بُعد مثير للاهتمام لمجيء المسيح إلى العالم.
يخبرنا متّى ٢ كيف أنّ المجوس نقلوا بحثهم أولاً إلى موقع السلطة، أورشليم، قبل المثول أمام كرسي السلطة ليشاركوا الملك هيرودس سعيهم لتحديد مكان ملك اليهود. تأخذ الحبكة منعطفًا مثيرًا للاهتمام حيث يتم إرسالهم في مهمة حكوميّة سريّة إلى بيت لحم للعثور على الطفل وإبلاغ رئيس الدولة
الهيرودي بالمعلومات الاستخبارية.
وجد الحكماء أنفسهم منخرطين مع المخططات الماكرة لدولة شريرة. إنّها ليست معضلة عفا عليها الزمن. تميل الدول إلى الاهتمام الجاد بالأمور التي نسعى إليها والأسئلة التي نطرحها والمعتقدات التي نعبّر عنها. من أيّام الملك هيرودس إلى حكّام اليوم، السلطة تثير جنون العظمة ما يترك العالم بمؤسساته في حالة اضطراب مزمن. ومع ذلك، فإنّ بلاط الملك محطّ موّدة لكثير من المسيحيين الذين يتمسّكون بأيّ سلطة يعتقدون أنّها سترسّخ قيمهم، وتسنّ سياساتهم، وتوسّع مصالحهم. من السهل أن تطمع في انتباه الحاكم، لكن المجوس صرفوه. لقد غيّرهم لقاءهم بالمسيح وتحدّوا هيرودس بالعودة إلى بلادهم عبر طريق آخر. من الواضح أنّ يسوع يغيّر طريقة تفكيرنا في سلطة الدولة ويثير فينا أحلامًا جديدة.
يثير هذا الجزء من قصّة الميلاد أفكارًا عميقة بالنسبة لنا اليوم. للأسف، يعيش معظم الناس في دول مؤذية أكثر من كونها مفيدة، وحتّى الدول “الجيّدة” تميل إلى أن تكون مثيرة للاضطراب أكثر من اعترافنا بذلك. يمكن للسلطة السياسيّة أن تربك إيماننا، ولكن لدينا ثقة أنّ لقاءنا مع المسيح وأحلام الله الرؤيويّة ستظهِر لنا اتجاهات جديدة. فيما تستمر الكنيسة في سبر أغوار عالم سياسي في الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم، قد يكون من الحكمة في عيد الميلاد هذا العام التفكير في طرق أخرى.