بقلم باسم ملكي
ربما قرأت هذا العنوان وتساءلت عمّا إذا كان هناك حقًا ما يُسمّى “عرافة”. تابع القراءة!
من الشائع أن تعرض المحطات التلفزيونيّة اللبنانيّة ليلة رأس السنة برامج يشارك فيها أشخاص لديهم “موهبة” استشراف المستقبل. يُدهشون المشاهدين بالتنبؤات حول ما سيحدث في بلبنان والشرق الأوسط والعالم. في ليلة رأس السنة، اعتقدت أنني سأستمع لسماع ما سيقولونه عن عام 2022. لقد فوجئت ببعض التوقّعات المفصّلة التي تمت مشاركتها، مثل:
فكّرت في نسخ التوقعات المضحكة فقط. في الواقع، هناك بعض التفاصيل أيضًا. (ربّما ذهبت بالفعل إلى الموقع للتحقق من تلك التوقعات). قد يكون هذا تقليدًا سخيفًا لقضاء ليلة رأس السنة في لبنان، لكنّه في الواقع يكشف عن نزعة جادة أراها من حولي.
الكثير من الناس في لبنان يؤمنون بالخرافات، لكنّني أعتقد أنّ الطبيعة البشرية تبحث عن معرفة ما سيحدث. يريد الناس معرفة من سيتزوّجون، وكيف ستعمل أسهمهم، وأي شيء من المعرفة المسبقة قبل اتخاذ القرارات الرئيسة. يؤمن البعض في الأبراج والنجوم، والبعض الآخر في الأحلام، في فنجان القهوة المقلوب، أو قراءة الكف، أو الاستبصار. ذكرت ذات مرّة في إحدى العظات أنّني كنت قد درست قراءة الكف في سنوات شبابي الباكرة ولكنّي اكتشفت بعد ذلك خطورتها وأنّ الكتاب المقدّس يعتبرها خطية عرافة. بعد الخدمة كنت أحيي الناس فطلبت منّي سيّدة أن أقرأ كفّها! أعتّقد أنني لم أقم بإيصال الرسالة جيدًا في العظة ☹
لم أضحك بعد الاستماع إلى ما قاله برنامج ليلة رأس السنة التليفزيونية عن لبنان في عام 2022. لقد شعرت بالخداع بشأن مستقبلي ومستقبل بلدي. من المقرّر أن تجري انتخابات نيابيّة في لبنان في أيار/مايو، وهذه فرصة نادرة للناس للتأثير فعليًا على قيادة البلاد. غير أنّ المتنبئ قال إنّ الانتخابات لن تجلب التغيير، وقد أصبت بالجنون، لا سيّما أنّني أعرف أنّ الكثيرين يعملون بجد لنشر الوعي بين الناس من أجل انتخابات أفضل وأكثر صحّة. ثم يظهر هذا الرجل للتنبؤ بنتيجة سلبية. قد يكون صحيحًا. ومع ذلك، شعرت بأنّني سُلبت من فرصة إحداث فرق، وربّما هذا ما شعره كثيرون آخرون أيضًا ممن كانوا يستمعون إليه. في هذه الحالة، حتّى لو لم يكن للنبوءة أي قيمة أو معنى، فإنّ المعرفة المسبقة كهذه تصبح نبوءة تتحقق من تلقاء نفسها عندما يؤمن بها معظم الناس بالفعل.
يمكن أن تضع العرافة فردًا ومجتمعًا بأكمله خارج المسار عمّا يمكن أن ينجزوه. سواء كانت التوقّعات إيجابية أو سلبية، فإنّها تحيدنا عن استكشاف البدائل واختبار هويتنا والقفز إلى المجهول واكتشاف تطلعات جديدة. يعيقون رحلة التعلم وفي الغالب يثبطون ثقتنا بالله في كلّ شيء، وطلب رؤيته وإرادته وحكمته. ” وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ” (يعقوب 1: 5). يواصل يعقوب حثّنا على عدم ازدواجية التفكير.
لست متأكدًا حتّى من كيفية ظهور هذه المعرفة المسبقة أو تمييز المستقبل لهذا الشخص “الموهوب”. هل هو من خلال التواصل مع روح أو إله، أو باستخدام التلاعب الاستقرائي للظواهر الطبيعيّة أو البشريّة، أو من خلال الوحي الداخلي؟ أو يمكن أن يكون هذا كلّه حيلة مدفوعة الأجر من قبل بعض المؤثّرين السياسيين؟ مهما كانت النيّة أو الدافع، فهذا بالنسبة لي شكل من أشكال التلاعب الجماعي. قال الرّب لإرميا: “بِالْكَذِبِ يَتَنَبَّأُ الأَنْبِيَاءُ بِاسْمِي. لَمْ أُرْسِلْهُمْ، وَلاَ أَمَرْتُهُمْ، وَلاَ كَلَّمْتُهُمْ. بِرُؤْيَا كَاذِبَةٍ وَعِرَافَةٍ وَبَاطِل وَمَكْرِ قُلُوبِهِمْ هُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ” (إرميا 14: 14).
كمسيحيين، لا نذهب إلى النجوم للحصول على إجابات، بل نذهب إلى الله الذي خلق النجوم. لسنا بحاجة إلى وسيط، ولكن لدينا المسيح الذي يشفع فينا عن يمين الله. يسوع هو آميننا – وهو محقّق الوعود (رؤ 3 :14). “لأن مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ «النَّعَمْ» وَفِيهِ «الآمِينُ»، لِمَجْدِ اللهِ، بِوَاسِطَتِنَا.”(2 كورنثوس 1 :20). لا عجب في أنّ الكتاب المقدّس يساوي بين العرافة والتمرد (1 صم 15 :23). التمرد يبحث عن مصادر أخرى للمعرفة والحقيقة بدل التوكل على الله وكلمته. ما يزعجني هو أنّ المسيحيين أنفسهم أحيانًا يستخدمون الرؤى وكلمة الله للتلاعب ببعض المواقف في ما يؤمنون به أو يرغبون فيه.
لم أستطع الصمت حيال ما سمعته عشية رأس السنة، ففعلت ثلاثة أشياء: لقد كتبت بريدًا إلكترونيًا إلى محطة التلفزيون لشرح كيف كان هذا البرنامج ضد قيمهم الخاصّة لأنّ هذه المحطّة التلفزيونيّة شجّعت المجتمع على اتخاذ مبادرات التغيير؛ لقد كتبت هذه المدوّنة؛ وفكّرت في كيفية اتخاذ إجراءات اليوم للمساعدة في التأثير على مستقبل لبنان للأفضل.
أولاً، أنا أعلم وأثق أنّ الله صالح وأنّ إرادته تجاهنا هي الأفضل لنا كأفراد ومجتمعات. “لأَنِّي عَرَفْتُ الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرّ، لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً. فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ. فَأُوجَدُ لَكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ” (إرميا 29: 11-14).
سيكون الأمر أكثر تحويلًا وتأثيرًا وفعالية على المدى الطويل إذا أخذنا الوقت الكافي لفهم أنفسنا ونقاط ضعفنا وقوّتنا، ثم نرى كيف يمكن أن يشكّلنا الله من خلال الروح القدس لنحيا هويّتنا وهدفنا. هذا أكثر إثارة بكثير من معرفة المستقبل. في الواقع، لا أريد أن أعرف ما يحمله هذا العام لي (فيما يتعلّق بالأحداث). أنا متأكّد تمامًا مما يحمله الله لي وأريد استكشاف هذه الرحلة معه والسماح لله بكتابة قصتي. وأنا أعلم أنّه كاتب جيد، آمل فقط أن أكون تابعًا جيدًا.
أخيرًا، أعلم أنّ ما أحصده هو ما أزرعه. يقول بولس أنّ “لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً. فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ.”(غلاطية 6: 8). أريد أن أكون جزءًا من ملكوته وأن أكون على هذا الطريق للمستقبل حيث أنا متأكّد من النتيجة. أريد أن أحبّ أكثر، وأغفر أكثر، وأصنع السلام أكثر، وأبارك أكثر، وأعطي أكثر، وأصلّي أكثر، وأركع عند قدمي المسيح أكثر، وأشجّع أكثر، وأتحرّر أكث ، وأشفى أكثر. ألن تنضم إلي، إذا لم تكن قد انضممت بعد، لهذا العام؟
باسم ملكي هو عميد الطاقم التعليمي وقائد مبادرات صنع السلام في كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة.