يونان أو يونس؟ إعادة النظر في العلاقة بين الكتاب المقدّس والقرآن
فبراير 17, 2022
“أين هم والديك؟”: استغلال الأطفال في لبنان اليوم
مارس 3, 2022

بودكاست لاديني عن هاري بوتر علّمني قراءة الكتاب المقدّس

بقلم نبيل حبيبي

نعامل الكتاب المقدس في تقليدي الإنجيلي اللبناني على أنّه نصّ مقدّس. والمفارقة هي أنّني في فترة نشوئي في الكنيسة المحليّة والمجتمع الإنجيلي نادرًا ما تعلّمت أساليب قراءة مقدّسة!

لطالما قيل لي بأنّه يجب أن أقرأ الكتاب المقدّس كلّ يوم – وهذه نصيحة رائعة. ولكن كيف؟ بالطبع قيل لي علامَ أفتّش في الكتاب (الثنائيّة الشهيرة المكوّنة من مواعيد الله وووصايا الله) ولكن لم يقولوا لي كيف أتعاطى مع النّص.

أعتقد أنّنا نخاف من الطقوس في حياتنا الروحيّة والجماعيّة. أعتقد أن سبب الغياب العام للليتورجيا من اجتماعاتنا العباديّة الإنجيليّة اللبنانيّة والغياب الخاص للتعليم حول الأساليب المقدّسة للقراءة ينبع من خوفنا من الطقوس.

ننظر إلى جيراننا المسيحيين غير الإنجيليين ونراهم يمارسون الطقوس دون أن يفهموا معناها – أو على الأقل نحكم عليهم بهذا. وبالتالي نرفض كلّ أشكال الطقوس.

نجيد إخبار الناس ماذا يجب أن يفعلوا ولكن نتعثّر في عمليّة توضيح كيفيّة عمل الأشياء.

نقول للناس أنّه يجب قراءة الكتاب المقدّس كلّ يوم. كيف؟ “افتح الكتاب واقرأ وصلّ.” ولكن كيف؟ في بعض الأحيان تكون الإجابة بطلب قيادة الروح القدس. الروح القدس يؤيّد قراءتنا. ويتبع ذلك ازدراء بأساليب القراءة المقدّسة المنظّمة.

وكأنّه، وبطريقة ما غير منطقية، لا يستطيع الروح القدس أن يكون موجودًا معنا وعاملًا فينا ومن خلالنا إذا كانت القراءات مخطّط لها سابقًا. والغريب أنّنا لا نستعمل هذا المنطق في أيّ ناحية من نواحي حياتنا. نستخدم الأساليب المجرّبة والمخطّط لها في كلّ مستويات حياتنا. وعلى نحوٍ مماثل يجب أن نكون منفتحين لاستخدام أساليب قراءة مقدّسة سُلّمت لنا من القدّيسين الذين سبقونا عبر مئات السنين من العبادة الشخصيّة والجماعيّة.

لم أكن أعلم بوجود أساليب القراءة المقدّسة المسيحيّة القديمة لمساعدتنا على التأمّل في الكتاب المقدّس إلّا حين درست مقرّر التشكّل الروحي في دراستي اللاهوتية. ولكنّني لم أستخدمها قط. ربّما لأنّني لم أرها تُمارس في محيطي الكنسيّ. تعلّمي عن التشكّل الروحي في هذه الأيام يأتي من مصدر غير متوقّع.

خلال الشهرين الماضيين استغلّيت كلّ دقيقة شاغرة (أثناء القيادة وغسل الصحون ونشر الغسيل…إلخ.) للاستماع إلى بودكاست رائع بعنوان “هاري بوتر والنصّ المقدّس.” يقدّم هذا البودكاست شخصين لادينيّين يقومان بقراءة سلسلة قصص هاري بوتر على أنّها نصّ مقدّس. يناقشان كلّ فصل من خلال موضوع معيّن ويختمان البودكاست بقراءة مقدّسة للنّص.

يعني مثلا يختاران موضوع “التضحية” ويناقشان أحداث الفصل وشخصيات من خلال عدسة هذا الموضوع. ثمّ يختاران مقطعًا من الفصل ويقرآنه بتمعّن مستخدمين أسلوبًا روحيًا للقراءة المقدّسة.

لقد بدأت باستخدام هذه الأساليب للقراءة المقدّسة، التي استعارها البودكاست بدوره من التقاليد المسيحية، خلال قراءتي التأمليّة للكتاب المقدّس. أحببت الأمر كثيرًا! أنوي أن أعلّمها للشبيبة والكنيسة.

لقد استخدما حتّى الآن (نحن في منتصف الطريق في مجموعة من سبع كتب) ثلاثة أساليب قراءة مقدّسة من التقليد المسيحي وطبّقاها على قصص هاري بوتر: ليكتيو ديفينا والمخيّلة المقدّسة وفلوراليجيا.

ليكتيو ديفينا، وتعني “القراءة الإلهيّة،” هي أسلوب صلاة من تقليد الأديرة وعادة يُستخدم في قراءة المزامير (مع أنّني أعتقد أن له فائدة كبيرة إذا طُبّق على أيّ نصّ من الكتاب المقدس). ويحتوي على أربع خطوات أو حركات:

            الحركة الأولى هي ليكتيو (القراءة) وفيها تختار مقطعًا قصيرًا من الكتاب المقدس وتقرأه أكثر من مرّة.

            الحركة الثانية هي ميدياتو (التأمّل) وفيها تحاول أن تفهم النص ضمن سياقه وتفكّر بتطبيقاته على حياتك.

            الحركة الثالثة هي أوراتيو (الصلاة) وفيها تصلّي لله من خلال ومن المقطع.

الحركة الرابعة هي كونتمبلاتيو (التفكير التأملي) وفيها تجلس في محضر الله وتسمح للمقطع بروح الصلاة أن يقرّبك من الله.

ستساعدك هذه الممارسة على الانخراط بالنّص والصلاة من خلال آية أو عبارة من الكتاب المقدس، وستسمح لله أن يكلّمك بطريقة محدّدة.

المخيّلة المقدّسة ممارسة مصدرها إغناطيوس دي لويولا (قديس وكاهن ولاهوتي كاثوليكي من إسبانيا عاش في القرن السادس عشر) وفيها تنغمس في قصّة كتابية (ولذا هذه الممارسة مناسبة للتطبيق على الأدب القصصي في الكتاب المقدّس) وتحاول أن تتخايل مشاعر شخصيات القصّة واختباراتهم. تقرأ القصّة أكثر من مرّة وفي كلّ مرّة تضع نفسك بروح الصلاة إلى جانب الشخصيات. ستساعدك هذه الممارسة على التقرّب من شعب الإيمان واختباراتهم في الكتب المقدّسة.

فلوراليجيا هي ممارسة قراءة مقدّسة تعود لآباء الكنيسة وتمّ استخدامها عبر التاريخ. الكلمة من اللاتينية؛ فلوس تعني ورود وليغري تعني مجموعة. إذا معنى الكلمة هو حديقة ورود. بينما تقرأ الكتاب المقدّس تُبقي دفترًا إلى جانبك تكتب فيه أي عبارة أو آية أو كلمات “تلمع” أمامك من النّص. مع الوقت سيصبح لديك مجموعة من “الشرارات”، الورود، ويمكنك أن تقرأها معًا لتجد معنى أعمق للنصوص المقدّسة.

مازالت أمارس فلوراليجيا منذ عدّة أسابيع. وقد أضافت عمقًا كبيرًا لقراءاتي التأمليّة. لقد كنت بدأت أستخدم كتاب القراءات من التقليد الإنجيلي (Revised Common Lectionary) ليقود قراءاتي اليوميّة وعظاتي بحسب الروزنامة الكنسيّة. مع فلوراليجيا أكتب كلّ يوم ثلاث شرارات (عبارات أو آيات) في دفتري (من المزامير والعهد القديم والعهد الجديد). أفرح حين أفتح هذا الدفتر وأقرأ وأتأمل بهذه المجموعة. يساعدني هذا في صلواتي وتأملاتي. أودّ أن أبدأ بدفتر مماثل لقراءاتي في اللاهوت.

من المعيب أنّه مع أنّني تربّيت كعضو نشيط في المجتمع الإنجيلي اللبناني، غير أنّني تعلّمت ورأيت تمثيلًا لممارسات القراءة المقدّسة ضمن بودكاست لاديني. هذه الطقوس المسيحيّة موجودة منذ عدة قرون من العبادة والصلاة المسيحية الأمينة.

أصلّي أن أستمر في الأشهر والسنين المقبلة بالتعلّم كيف حوّل شعب الله الذي سبقني متطلّبات الإيمان (“ماذا”) إلى طرق عمليّة للنمو الروحي (“كيف”). أريد أن أنغمس بصورة أعمق في تقاليد العبادة اليهوديّة-المسيحيّة. وأصلّي أن يكون لهذه الطقوس القديمة حياة جديدة في كنائسنا اليوم وأن يستخدمها الروح القدس لبثّ الحياة في عبادتنا الفرديّة والجماعيّة.

“الكلمات، في رأيي غير المتواضع، هي أكثر مصدر لا ينضب للسحر. وهي قادرة أن تجرح وتشفي في آنٍ معًا.” (ألبوس دامبلدور في الكتاب السابع من سلسلة هاري بوتر)

يحاضر نبيل في دراسات العهد الجديد. يستمتع بقراءة الأدب، خاصة هاري بوتر وما شابه. يخدم مع الشبيبة في كنيسته المحلية ويحب تمضية الوقت مع زوجته الساحرة وطفليه الصغيرين.

اترك رد