بقلم برنت حمود
ليس هناك من ينكر أنّ للعنف مكان في تاريخ المسلمين والمسيحيين، ولكن غالبًا ما تكون سرديتنا التاريخية مليئة بالإنكار. غالبًا ما تصف الافتراضات الشائعة لإسلام على أنّه القوّة المعادية للمسيحيّة، ويجمعون الأمثلة الصاخبة للعنف (الjي يوجد الكثير منها) التي يرتكبها المسلمون ضدّ المسيحيين لسرد قصص كبيرة عن الاضطهاد الأحادي الجانب. غير أنّ تفكيرًا اختزاليًا كهذا يتسم بغضّ الطرف عن فكرة صارخة: للمسيحية تاريخ من العنف ضدّ المسلمين.
التاريخ ساحة معركة للعقول والقلوب. إنّ التصالح الصادق مع ماضينا الديني هو أمر أساسي للانخراط مع “الآخرين” من دين مختلف بأمانة. في سياق العلاقات المسيحيّة الإسلاميّة، هذا يعني إعادة التفكير في الافتراضات المسيحية حول الضحايا التاريخيين ومرتكبي العنف الديني. ليس بالأمر اللطيف على الإطلاق سرد أعمال العنف المسيحي، لكن من المفيد القيام بذلك.
فيما يلي ثلاثة أمثلة على العدوان المسيحي العلني ضد المسلمين لننظر فيها.
من المسلّم به أنّ هذه الحالات قديمة، لكن التاريخ الحديث يجعلنا نشعر بالكثير من اليأس أيضًا. شهدنا في حياتنا حماسة مناضلين مسيحيين يرتكبون فظائع ضدّ المسلمين الأبرياء في العديد من الأحداث.
كمسيحيين، قد نميل إلى الردّ على هذا الدرس التاريخي ببعض الانتقادات: إنّ ارتكاب المسيحيين للعنف لا يمثّل التعاليم المسيحيّة الحقيقيّة؛ لا يمكن لأفعالهم أن تدين نظامًا دينيًا بأكمله. لقد ارتكب المسلمون أيضًا فضائع بحقّ المسيحيين، اضطهاد المسيحيين هو مشكلة رئيسة اليوم.
جوابي هو هذا: أوافق. دائمًا ما تكون حالات العنف المسيحي ضد المسلمين متشابكة في عقدة سياسات الهوية والأيديولوجيات؛ الدين ليس ببساطة المحرّك الوحيد للأفعال (ونحن بحاجة إلى مؤرّخين مفكّرين لمساعدتنا في فرز التعقيدات). يجب أن يُنظر إلى التاريخ في سياقه، ولا يمكننا أن ندع الماضي يملي علينا فهمنا للحاضر. ليس هناك شكّ في أنّ المسيحية القمعية تتعارض مع التعاليم المسيحية، ولا يمكننا التغاضي عن كيفية تمتع المسيحيين بتراث غني من مشاركة العالم بسلام مع الإسلام. أخيرًا، لا يمكن لأيّ شرّ في المسيحية أن يقلّل من قيمة الأخطاء المؤسفة التي يعاني منها المسيحيون والجماعات الأخرى على أيدي العنف الإسلامي. يجب ألا يقلّ اهتمامنا بالمظلومين.
ومع ذلك، لا يمكننا ببساطة تبييض أجزاء من التاريخ المسيحي الملطخة بدماء المسلمين.
يجب على المسيحيين اليوم أن يتعاملوا مع الأحداث المخزية التي ترتكبها المسيحيّة. هذا ما نتوقّعه من المسلمين، أليس كذلك؟ نتحدّى المسلمين لمواجهة تاريخهم الدموي والتفكير في سجل العنف الديني في الإسلام. يمكننا القيام بهذا التمرين المشترك معًا لمصارعة التاريخ الشنيع؟
أعتقد أنّ المسيحيين يهتمون بالتاريخ ومهتمّون بربط أحداث الماضي بتحليل الحاضر، لكنّني أشك في أنّ العيب المزمن هو أنّنا لا نهتم بمعرفة تاريخنا المقلق. أنا قلق من ميلنا إلى مقاومة الفحص النقدي للماضي الإسلامي المسيحي مع الإصرار على التركيز على الروايات التاريخيّة المصممة لتجعلنا نشعر بالرضا عن أنفسنا وديننا. إنّها ليست مشكلة تتعلّق بالجهل بقدر ما تتعلق بالإنكار، والإنكار هو في الواقع شكل من أشكال العنف.
ثمة طرق أفضل للتعامل مع تاريخنا، وهي تتطلّب فحص قلوبنا ووضع الدين في مكانته الصحيحة.
إذا درسنا التاريخ والكتاب المقدّس معًا، ستتضح حقائق مهمّة: الدين مسعى بشري معيب إلى حدّ مأساوي. لا يمكن للقناعة الشخصيّة والمشاعر التقية أن تغيّر حقيقة أنّه ليس هناك دين صالح – ولا حتّى دين واحد. أي ميل مسيحي لإظهار التفوّق الديني يحتاج إلى إلقاء نظرة على التاريخ لرؤية سجّلنا المؤسف من الإفلاس الأخلاقي المتكرّر.
قد يكون التصالح مع الماضي أكثر من مجرّد تمرين أكاديمي ولكنّه نوع من أنواع الانضباط الروحي. قد يساعدنا التذكّر المتواضع للانتهاكات التي ارتكبتها المسيحيّة بروح المزمور 78 في تحويل قولنا من “لم أكن أنا المرتكب، لم أكن هناك” إلى “كيف لا يمكن أن نكون نحن المرتكبين من جديد، كيف لا يمكننا إعادة هذه التجربة مرّة أخرى؟” لا أعتقد أنّ الحلّ هو عالم بلا دين، لكنّنا بالتأكيد سنحسّن طريقة تطويرنا لدين أكثر صدقًا وتأملًا للممارسات الذاتيّة.
إنّ موقفنا الذي يتسم بالصدق المتواضع حيال العنف المسيحي التاريخي ضدّ المسلمين يحرِّرنا عندما نعترف بأنّ الدين لم يكن قط رئيس إيماننا ومكمّله. هذا عمل ربّنا يسوع المسيح، ويمكن للمسيح أن يلهمنا للعمل من أجل روايات تاريخيّة فدائية تثير أسفًا صحيًا ورجاءً. الماضي بداخلنا اليوم، وتذكر التاريخ جيدًا هو جزء من محبّتنا للرّب بكلّ فكرنا – وربما قلوبنا وأرواحنا أيضًا. في خضم تاريخ حزين من العنف المسيحي الإسلامي، دعونا نستغل اللحظة الآن لاحتضان التاريخ الذي يثير تفكيرنا، ويصنع السلام مع الماضي، ويعمّق حبنا لجيراننا المسلمين. قد نكتشف طرقًا إبداعية حتى يكتب الله معنا تاريخًا جديدًا!
برنت هو المسؤول عن برنامح الماجستير في العلوم الدينيّة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة ويتأمّل دائمًا بالماضي لفهم الحاضر (والتمتع برجاء للمستقبل).