اللاهوت السياسي في عالمٍ مناهضٍ للدين
مارس 24, 2022
ممارسة اللاهوت في رمضان: كيف يمكن لأفعالنا أن تشكّل حديثنا عن الله
أبريل 7, 2022

حتّى الأمّهات الخارقات يحتجن إلى دعم متين

بقلم سميرنا خلف

بينما كنّا نحتفل بعيد الأمّ الأسبوع الماضي، كنت أفكّر في الأمّهات في لبنان خلال هذه الأوقات المضطربة. نعم، نشعر أنّ الناس قد اعتادوا على فيرس كورونا المستجد ولكن لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين الذي يؤثّر على الحياة اليوميّة. حالة من عدم اليقين بشأن الوضع الاقتصادي، وعدم اليقين بشأن الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعدم اليقين بشأن إمكانية استمرار المدارس والتعليم، ومؤخرًا تأثير الحرب بين أوكرانيا وروسيا على لبنان.

تُعتبَر الأمهّات عادةً في الشرق الأوسط “الصمغ اللاصق” للأسرة – تربطن الوحدة الأسريّة معًا. يُقال أنهن “اللواتي تصنعن أو تفككن الأسرة” (يمكننا تشريح هذا القول لاحقًا). من المتوقّع أن تحافظن على توازن البيت، ما يعني امتصاص جميع التوترات وإبعاد النزاعات. من المتوقَّع أن تشغلن عدّة أدوار: الزوجة – الاهتمام بزواجهن؛ الوالدة – تربية الأطفال؛ ومدبّرة المنزل – الطبخ والتأكد من نظافة كلّ شيء وترتيبه. هذا بالإضافة إلى الأدوار المختلفة التي تلعبها الأمّهات في مكان العمل أو مع عائلاتهن الأصلية. للقيام بكلّ هذا، يجب أن يكنّ أمّهات خارقات.

نظرًا لأنّ الأمّهات هنّ بشر فقط، وتوقّعاتهن هائلة، فمن المحتمل أن تتعرضن لضغط شديد. بالإضافة إلى الإدارة اليوميّة لأدوارهن، زاد التوتر قليلاً بالنسبة للأمهات لا سيّما أثناء جائحة كورونا لأنّ بعض الأمّهات كن تعملن عبر الإنترنت، أي كن تعملن من المنزل. وقد جلب العمل من المنزل خلال العامين الماضيين العديد من التحديات. إحدى هذه التحدّيات الاضطرار إلى إدارة العمل والمنزل والأطفال في الوقت نفسه دون الحصول على المساعدة والدعم من أسرهن المباشرة بسبب الوباء. طبقة إضافيّة من التوتر هي الوضع الاقتصادي حيث تتعامل الأمهات مع الصراع الداخلي المتمثل في الرغبة في إعطاء أطفالهن الأفضل بينما هن قادرات فقط على تحمّل أعباء المستلزمات الأساسيّة. إنهن يحاولن باستمرار اكتشاف طرق بديلة لتقديم الاحتياجات، الأمر الذي يستغرق وقتًا وجهدًا إضافيين.

الأمر الرئيس الآخر الذي قد تواجهه الأمهات هو الحرمان من النوم. نرى هذا مع الأمهات الجدد، والأمهات مع الأطفال الصغار، والأمهات مع المراهقين، وربّما جميع الأمهات! الحرمان من النوم مرهق جسديًا وعاطفيًا. يمكن أن يخفض مستويات الطاقة، ويقلّل التركيز، ويؤثّر على الحالة المزاجية حيث يمكن أن يصبح المرء مزاجيًا أو سريع الغضب، ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، ويسبّب العديد من الأعراض الجسديّة الأخرى. يمكن أن يزيد أيضًا من الاكتئاب والقلق والتوتر ونوبات الذعر.

بالإضافة إلى ذلك، قد تتعرّض الأمّهات للتمييز إذا عملن أم لا، التعييب الجسدي، والشعور بالذنب، والشعور بالوحدة، والقلق … على سبيل المثال لا الحصر.

فقط تخيّل كيف تؤثّر كلّ هذه التجارب على شخص يعتني بالآخرين. من أهم الأشياء التي يمكن للأم القيام بها هو الاعتناء بنفسها وبالآخرين من حولها من خلال الحصول على قسط كافٍ من النوم، وأخذ الوقت لنفسها، وقضاء الوقت مع الله.

كمسيحيين، نعلم أنّ الله خلق الأسرة – ذكراً وأنثى – وخلق العلاقة بينهما لتشبه علاقة الثالوث. لقد خلق الأدوار المختلفة التي يلعبها كلّ جنس، مثل الأم، الأب، الابن، الابنة، إلخ. عبر الكتاب المقدّس، يعرّف الله عن نفسه بهذه الأدوار المختلفة ليبين لنا أهميّة كلّ منها في الأسرة. ومن ثمّ، فإنّ دعوتنا في الخدمة هي التفكير وأخذ “الكلّ” في الاعتبار. الأمهات جزء أساسي من الأسرة بأكملها. إذا تمكّنا من دعمهن – بقدر ما نستطيع على نحوٍ كلي – فستستفيد الأسرة بأكملها أيضًا.

كجزء من المجتمع المسيحي والكنائس المحليّة، كيف يمكننا دعم الأمهات ورفاههن؟ سأقترح هنا بعض الأفكار التي يمكن أن تساعدنا في دعم الأمهات في مجتمعنا.

  1. إنشاء مجموعات لربط الأمّهات معًا

أحد الأشياء الجيدة التي حدثت أثناء جائحة كورونا أنّ الأمهات بدأن في التواصل أكثر مع بعضهن البعض عبر واتساب وإنستخرام وفايسبوك. نمت هذه المجموعات لأنّها كانت تصطاد عصفورين بحجر واحد: أولاً، مجتمع للأمهات حيث يمكنهن التواصل، وثانيًا، مكان يمكنهن فيه الحصول على المشورة بشأن صراعاتهم اليومية. أصبحت مثل هذه المجتمعات شائعة بسبب خبراتهن المشتركة، ما أدّى إلى التعاطف حيث يمكن للأمهات الاستمتاع بأنّ أحدًا ما “يفهمهن”. ثمة العديد من الفوائد لإنشاء مثل هذه المجتمعات سواء شخصيًا وجهًا لوجه أو على وسائل التواصل الاجتماعي.

  1. خلق فرص رعاية الأطفال

إنّ دعم رعاية الأطفال هو أحد أهم الأشياء لدعم الآباء – ولا سيّما الأمهات. ليس من المفروض على الكنائس فتح دار حضانة أو خدمة رعاية أطفال، إلّا أنّها تستطيع تقديم هذه الخدمة على نحوٍ دوري. على سبيل المثال، من خلال تقديم خدمات رعاية الأطفال يومي جمعة في الشهر لعدّة ساعات. مثال آخر هو ربط العازبين أو الأزواج الأكبر سنًا لدعم الأزواج برعاية الأطفال. عند تقديم خدمات رعاية الأطفال، نساعد الوالدين على قضاء بعض الوقت الجيد معًا، والتواصل مع بعضهما البعض، وحتّى القيام بأمرٍ خاص مثل الخروج معًا في موعد غرامي. ذلك يشجّع الأمّهات على الاعتناء بأنفسهن حتّى تتمكن من رعاية أطفالهن بصورة أفضل.

  1. إعداد أمّهات مرشدات

على الرغم من أنّ الشرق الأوسط هو ثقافة جماعيّة حيث تتشارك العائلات بصورة كبيرة في دعم بعضهم البعض، لا يزال هناك العديد من الأمهات اللائي لا يحظين بدعم عائلاتهن المباشرة. كمجتمع مسيحي، يمكننا المساعدة في تشجيع الأمهات الناضجات على توجيه الأمهات الأصغر سنًا. كما أنّ ربط الأمهات معًا في شبكات إرشاد يوفّر دعمًا اجتماعيًا وعاطفيًا وحتّى روحيًا – خاصّة وأنّ بعض الأمهات يواجهن تحديات في مسيراتهن الروحيّة بسبب احتياجات أطفالهن.

إنّ الاستجابة لتجارب الأمّهات السلبيّة من خلال منحهن المحبّة والنعمة واللطف والرحمة يساعدهن على اختبار المشاعر الإيجابيّة مثل الفرح والسعادة والشكر، والتي تؤثّر مباشرةً على رفاههم ورفاه أسرهن ككل .

سميرنا أستاذة مساعدة في المشورة العائليّة والزوجيّة في كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة.

اترك رد