بقلم كالب هاتشرسون
بعد ظهر أحد أيام الأحاد، في طريق عودتنا أنا وأولادي إلى المنزل من الكنيسة عبر شوارع الحمرا المكتظة، كنّا نناقش أنا وابني الأكبر اقتراب بدء شهر رمضان وكيف سنمتنع كعائلة عن تناول الطعام في الأماكن العامة في الحي خلال النهار تضامنًا مع أصدقائنا وجيراننا المسلمين. ثم تحدّثنا عن دوافع مختلفة لسبب صيام المسلمين، ولماذا قررت عائلتنا هذه الممارسة، وكيف نحسب ما نفعله باسم يسوع المسيح.
عندما فعلنا هذا، فكّرت مرّة أخرى في معضلة لاهوتية كامنة في حديثنا. إنّه السؤال: ما الذي يأتي أولاً، العقيدة أم الممارسة؟ هل هناك آية من الكتاب المقدس أو موقف عقائدي يخبرنا بما يجب أو لا يجب أن نفعله كعائلة مسيحية تعيش بين أصدقاء مسلمين خلال شهر رمضان؟ أم أنّ ممارستنا كعائلة تشكّل قراءتنا للكتاب المقدس وللاهوت لشرح ماذا ولماذا نفعل ما نفعله؟
هذه المعضلة ليست جديدة. لا بل يظهر التوتر بين هاتين الطريقتين في ممارسة اللاهوت في العديد من الأسئلة العمليّة التي يطرحها طلابي للمناقشة في منتديات الفصل عبر الإنترنت:
“أستاذ، ما رأيك في المعمودية عبر مكالمة فيديو على واتساب؟”
“ماذا أقول لصديقي غير المسيحي الذي طلب مني تفسير حلمه حيث ملأه يسوع بنوره وأنقذه؟”
“لقد تحداني شخص متحول جنسيًا مؤخرًا بشأن الطريقة التي تعاملت بها كنيستنا معهم، فماذا أفعل؟”
“لقد كنّا نعمل مع جيراننا المسلمين لتقديم تدريب مهني لبعض الشباب في الحي، ولكن الآن يريد بعض الناس أن يجعلوا الحضور إلى دراسة الكتاب المقدس شرطًا مطلوبًا للمشاركة في التدريب … ماذا أفعل؟”
عندما يواجه بعض أتباع المسيح هذه الأنواع من الأسئلة العمليّة، يفضّلون أن ينظروا أولاً إلى تقاليد طائفتهم، والعقيدة أولاً إذا صحّ التعبير، فيما يتعلق بالمعموديّة، أو تفسير الأحلام / التجربة الوجدانيّة، أو تغيير الجنس، أو لاهوت الصالح العام. ثمّ من العقيدة السليمة يمكن اشتقاق المبادئ لتوجيه الممارسة السليمة. بالنسبة لبعض الأسئلة المذكورة آنفًا، يمكن أن تكون العقيدة بالفعل بمثابة دليل للربط بين اللاهوت والممارسة. لكن ربما ليس لجميع الأسئلة.
غير أنّ أتباع المسيح الآخرين يتخذون نهجًا مختلفًا لربط العقيدة بالممارسة. يعطي هذا النهج الأولوية لعمل روح المسيح في المواقف التي تمثّلها الأسئلة أعلاه. فالاختبار يسبق العقيدة، وبذلك يتشكّل اللاهوت من خلال عملية التأمّل في عمل الروح في ضوء ممارسة يسوع، وبالتالي (من المحتمل) السماح لهذا الاختبار بإعادة تشكيل قراءتهم للكتاب المقدّس والتقليد المسيحي، فيما يفكّرون في طرق جديدة لتشكيل ممارساتهم في المستقبل.
إذًا، أي منهما هي الطريقة الصحيحة لمزاولة اللاهوت؟
ربما يكون من المفيد أن ندرك أنّ هناك سوابق تاريخية لكلّ من هاتين الطريقتين في مزاولة اللاهوت (“العقيدة أولاً” أو “الممارسة أولاً”) تعود إلى الكنيسة الأولى. يوضح اللاهوتي الإنجيلي العملي راي أندرسون في كتابه شكل اللاهوت العملي أنّ كلا النموذجين كانا موجودين في حياة الكنيسة في سفر أعمال الرسل.
يمثّل بطرس ويعقوب ويوحنا، “أعمدة” الكنيسة في أورشليم، نموذجًا لمزاولة اللاهوت الذي يسعى إلى الصمود، واستمرار التقليد، والحفاظ على استمرارية ممارسة المجتمع اليهودي لأتباع المسيح وتفكيره. على الرغم من أنّ بطرس أدرك أنّه رسول الله ليكرز للأمم (أعمال الرسل 10)، إلّا أنّه كافح أيضًا للخروج من تقاليد أورشليم (غلاطية 2 :12). كان ميلهم نحو نموذج “هرمي تقليدي” للإرسالية، كما يعرِّفه أندرسون، سلطته قائمة على الشعور بالاستمرارية مع ما حدث بالماضي، سواء في التقاليد اليهودية أو في الكتب المقدّسة.
من ناحية أخرى، يمكن أن يكون نمط بولس في ممارسة اللاهوت مثالًا على نمط الممارسة أولُا، حيث يبدأ في العمل الجديد للروح في حياة الناس. في طريقة مزاولة اللاهوت هذه، يتم تحديد إرسالية الكنيسة وخدمتها بشكل أساسي من خلال الممارسة العملية لحلول الروح القدس – أي التأمل في العمل المحوّل الذي يكسر الحدود لروح المسيح في حياة الناس ومن خلالهم. ربّما بسبب تحوّله المعجزي على طريق دمشق (أعمال الرسل 9)، غالبًا ما يبدو أن طريقة بولس في ممارسة اللاهوت تنطلق من أفعال تعكس المسيح (أعمال الرسل 16، 17).
يشير أندرسون إلى كيف أن هذا العمل في حياة بولس يؤدي بعد ذلك إلى تفكير أعمق في الأفكار اللاهوتية مثل طبيعة الكنيسة، ومعنى القيامة، والمسيح الله المتجسّد، متبوعًا بالمزيد من الأفكار للممارسات التجديدية. لذلك، يُمكن فهم ممارسة بولس للإرسالية على أنّها “ريادية-ظرفية” لأنّه يفسّر ما يحدث من خلال ممارسة يسوع. تأملات بولس حول عمل الروح المحرّر والذي شهده في توسع الكنيسة شكّلت فيما بعد رسالته الرئيسيّة في رسائله الراعويّة أنّ سبب ما كان يحدث بالفعل هو باسم يسوع المسيح.
أنا لا أضع هذين التقليدين في مزاولة اللاهوت ضد بعضهما البعض على الرغم من أنّه قد يبدو كذلك. ليس بالضرورة أنّ أحدهما حصري مقابل الآخر. بل أعتقد أنّه من المفيد أن ندرك أنّهما، بطريقة ما، وجهان لعملة واحدة – عملية دورية لإقامة روابط بين الممارسة والعقيدة … ما نسمّيه مزاولة اللاهوت.
أنا ملتزم بشدة بربط العقيدة بالممارسة.
لكن العمليات التي نستخدمها لمزاولة اللاهوت تشكّل طبيعة نتيجة عملنا اللاهوتي. ووجدت أنّ هناك خطرًا عندما تصبح مقاربات العقيدة هي الطريقة الأساسية والنموذج الأساسي لمزاولة اللاهوت.
يكمن الخطر في أنّنا نهمّش العمل التحريري لممارسة الروح في سياقات وتجارب ورؤى طلابي (وأطفالي). بدلاً من التطبيق العملي لحلول الروح القدس، يتم نقل اللاهوت المؤسسي إليهم لتكراره ونقله إلى الآخرين. تصبح ممارسة اللاهوت في الأساس ممارسة للسلطة.
عندما نرى مشاكل السلطة والنفوذ في الكنيسة، ربّما نحتاج إلى إعادة فحص كيف يمكن لعمليّات ممارسة اللاهوت أن تساهم في فهم منحرف للسلطة. بينما أقدّر اللاهوت التاريخي والتقاليد، وأعترف بدور لمقاربات العقيدة أولاً، أجد نهج الممارسة أولًا طريقة مهمّة وضروريّة لمزاولة اللاهوت استجابةً لشتّى القضايا التي تواجه أتباع يسوع اليوم، لا سيّما بسبب الطريقة التي يقلب بها هذا النهج طاولة السلطة والقوّة في ممارسة اللاهوت.
إنّ نهج الممارسة أولاً يزيح المعلّم من المحور ومن اعتباره السلطة النهائية في الحديث عن الله. ويخلق بدلًا من ذلك مساحة لطلابي (وأولادي) للصراع حول كيفية إقامة روابط بين العمل والعقيدة بأنفسهم. إنّه يجعل العقيدة والتقاليد أمرًا يشاركون فيه ويشكّلونه، بدلاً من أن يتلقّوه فقط، لأنّهم يتأمّلون في محبّة يسوع في العمل من خلال روح المسيح من حولهم ومن خلالهم.
ممارسة بسيطة اعتمدتها أنا وزوجتي منذ سنوات للتعبير عن صيام جيراننا خلال شهر رمضان، فتحت جميع أنواع المناقشات العقائدية واللاهوتية في عائلتنا. وعلى المنوال نفسه فإنّ رؤية طلابي يقومون بأعمالٍ تغيّر الناس والمجتمع في سياقاتهم، ثم يتأملون في ذلك في ضوء محبّة الله، كشهود للمسيح. إنّ الحديث عن الله الذي يعبّرون عنه في التأمّل في تلك الأفعال سيشكّل لاهوتنا عن التكنولوجيا والجنس والسلطة (على سبيل المثال) في السنوات القادمة. صلاتي هي ألا أطفئ عمل الروح عند هؤلاء اللاهوتيين الشباب. بل بالحري عندما نقوم معًا بأعمالٍ تشهد عن محبة يسوع المغيِّرة في الممارسة العمليّة، سنتعرف عليه بصورة أكثر كمالًا.
كالب هتشرسون يعلّم في مجال الدراسات اللاهوتيّة والتاريخيّة في كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة.