بقلم وس واتكنز
“الطريقة الوحيدة لفهم التغيير هي الانغماس فيه والتحرك معه والانضمام إلى موجته.”
– آلان واتس
التغيير ثابت في عالمنا. ومع ذلك، في السنوات القليلة الماضية على وجه الخصوص، يبدو أنّ وتيرة التغيير تتزايد على نحوٍ كبير. أظنّ أنّنا جميعًا نعرف هذا بصورة طبيعية. ولكن، بما أنّ المسيحيين ملتزمون بإرسالية الله لفداء الأمم وردّهم إلى نفسه، فقد لا نعرف بشكل طبيعي كيف نفهم كلّ ذلك ونجعله مفهومًا.
كانت عشرينيات القرن الحادي والعشرين مدمّرة للكنيسة أكثر من أيّ وقت آخر ربما منذ الحرب العالمية الثانية. يبدو الأمر كما لو أنّ العقد بأكمله مهيّأ لاضطرابات هائلة على المسرح العالمي. الأوبئة والحروب والكوارث الطبيعية وحملات التضليل والقوميات المعادية للأجانب كلّها تخلق جوًا مليئًا بالخوف وعدم اليقين.
غير أنّ ليس كل الأخبار سيّئة. منذ تسعينيات القرن العشرين، في خضم الفوضى، حدث تقدّم كبير في الإرساليات حول العالم: اندلاع حركات التلاميذ في عالم الأغلبية. تمّ ذكر هذا التطور بالتفصيل في كتاب حركة الله لتلمذة الأمم. قد حصل الاختراق بنسبة تفوق 1٪ من سكان العالم (والذي يعدّ حاليًا جزءًا من حركة زرع الكنائس).
في عام 1991، قدّم كتاب محوري كتبه ديفيد بوش بالتفصيل كيف تغيّر فهم الكنيسة لإرساليتها عبر التاريخ. يقول بوش أنّ الكنيسة كانت تشهد نقلة نوعية أخرى في ممارسة الإرسالية وفهمها. لم يكن العالم يتغيّر (كان قد تغير)، ولكن الإرساليّة نفسها كانت تتغيّر.
لم يقدّم بوش وحده هذا الجدل. سبقه ليزلي نيوبيجين. نشر داريل جودر “الكنيسة المرسلة” في عام 1998. وقد برّرت كتب أخرى مثل تشكيل الأمور الآتية (2003) من تأليف آلان هيرش ومايكل فروست الحاجة إلى الابتكار الإرسالي. كتب رالف وينتر أيضًا عن ثلاث عصور للإرسالية واقترح حقبة رابعة (ولكن للأسف تم إقناعه بعدم نشره (انظر الصفحة 294)). كان كتاب حركات زرع الكنيسة لديفيد جاريسون (2004) له وقع مزلزل. نشر توم ستيفن عصر الميسّر (2011). وقائمة الأصوات المتنوعة تطول وتطول.
أصبح كلّ من الواقع والأساس المنطقي لهذا التحول النموذجي في فهم الإرساليّة واضحين. منذ أواخر القرن العشرين، وجدت الكنيسة نفسها في عصر جديد من الإرسالية. سواء كنت توافق على أنّه من الدقّة اعتبار هذه “حقبة” جديدة أم لا، فهذا عرضي إلى حدّ ما من وجهة نظري: اليوم يتم فهم أنواع جديدة من الإرسالية واستخدامها. قد نشير إلى هذا على أنّه “منعطف” في الإرساليات.
نحن معجبون بأبطال الإرسالية القدامى مثل ويليام كاري (1782-1834)، وأدونيرام جودسون (1788-1850)، وهدسون تايلور (1832-1905). تساعدنا أمثلتهم في تقليد إيماننا اليوم. ليس الأمر أن نماذج إرساليتهم أو حتّى معظمه كان مضللاً. لكن لا يمكننا أن نتوقع التعامل مع تعقيدات القرن الحادي والعشرين باستخدام نماذج القرن التاسع عشر.
قد ينكر البعض حتّى أنّنا في عصر جديد ونسعى للحفاظ على الوضع الراهن. اشتهر أندرو وولز بالقول أنّ واحدة من أكثر المشاكل الإرساليّة إلحاحًا على مرّ القرون يمكن إرجاعها إلى الكنيسة الأولى (أي أعمال الرسل 15: 1)؛ “نزعة التهويد” هي “الإصرار على فرض ثقافتنا الدينيّة والتوراة والختان”.
بالطبع لا نتفق جميعًا على كيفية وصف العصر الجديد الذي نجد أنفسنا فيه. لكن صعوبة وصف هذا العصر الجديد، سواء في ما قد تحوّل فعلًا أو ما زال بحاجة إلى تغيير، لا ينبغي أن يزعجنا. في هذا الجانب من الأبديّة، نرى فقط “وميضًا” ونعرف “بعض المعرفة” (1 كورنثوس 13 :12). نحن بحاجة إلى وجهات نظر متعدّدة ونحتاج أيضًا لإلى التواضع في مقترحاتنا.
مع أخذ ذلك في الاعتبار، أود أن أرسم بإيجاز وجهة نظري الشخصيّة لهذا العصر الجديد؛ أي أنّ التحوّلات التكتونية حدثت في تاريخ الإرساليّة الحديث، ولا تزال تتكشف حتّى اليوم.
من الغرب إلى السكّان الأصلّيين
كان هناك ميل لدى الطوائف الإنجيليّة الغنيّة والمتعلّمة في الغرب للادعاء بأنّها اكتشفت كيفية القيام بـ “الكنيسة”. إنّ ممارستهم للإرساليّة نتيجة لذلك تتمثّل في تجميع نموذجهم للكنيسة وتصديره إلى العالم. للأسف، فشل العديد من هذه الطوائف نفسها في تفسير التراجع السريع للإنجيليّة الأمينة في الغرب. وهذا يستدعي وقفة وتأملًا: إلى أيّ مدى ينبغي مشاركة اللاهوت الكنسي الغربي مع الأمم؟ يمكن لروح الله أن يقود غالبية مسيحيي العالم إلى تطبيقات كتابية تناسب سياقهم بصورة أفضل من اللاهوت والممارسات المستوردة من الغرب.
تم استبدال البناء الاستعماري للإرسالية، “من الغرب إلى باقي العالم” بظهور بنى الإرسالية وعلم اللاهوت المحلي. لا تسيئوا فهمي: لا يزال إرسال المبشرين الغربيين وغير الغربيين أمرًا حيويًا اليوم، لا سيّما للأشخاص الذين لم يتم الوصول إليهم وغير المحرومين (بغض النظر عن الجغرافيا)، لكن الوضع يختلف كثيرًا عن افتراضات العصر السابق. قد يكون الغربيون محفّز ومشجّع، لكنّهم ليسوا محور القصة.
من الإدارة الخطيّة المباشرة إلى التعقيد الشمولي
يرتبط بهذا النقاش مغالطة التنوير القائلة بإمكانية حلّ جميع المشكلات، بما في ذلك الإرساليّة. في العصور السابقة كان الهدف هندسة كنيسة ناضجة، وبعد ذلك فقط كان الهدف هو محاولة زيادة قدرتها على التكاثر. بعبارة أخرى، كان الهدف هو التلمذة من خلال زرع كنيسة واحدة سليمة أولاً.
صاغ يسوع مقاربة مختلفة: أقل خطية وأكثر شمولية. قضى وقتًا مع المهمشين، وشفى المرضى واهتم بالفقراء، وطرح الكثير من الأسئلة الثاقبة، وأعلن للحشود نفسه، وأرشد أصدقاءه. باختصار، قام يسوع بتلمذة تلاميذ. لم “يزرع كنيسة” باستخدام المنهجيات التي قد ينادي بها البعض اليوم.
في عملية التلمذة التي قام بها يسوع، نما تلاميذه فكريًا وعاطفيًا وسلوكيًا، كلّ ذلك في الوقت نفسه. بدأوا الخدمة على الفور، وبالتالي نموا نحو النضج. نتج “زرع الكنيسة” بشكل طبيعي من التلمذة غير الخطية والشمولية من خلال الكثير من التضحيات والالتزام.
إنّ قبول التعقيد في عصر الإرساليّة الجديد هذا هو تمرين في التواضع المعرفي. لا يمكننا الادعاء بإدارة الإرسالية كما لا يمكننا إدارة يسوع: إنّه مسيحنا الذي يفاجئنا. نحن، مثله ومع الرسول بولس، نتلمذ من أجل زرع الكنائس، وليس العكس.
من القيادة المتمحورة حول الراعي إلى القيادة متعددة المراكز
نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في لاهوت الكنيسة النموذجي اليوم الذي يتمحور حول الرعاة؛ من المؤكّد أنّ هناك الكثير لنطلبه من شخص واحد. فإنّ القيادة متعددة المراكز ليست هيكلًا هرميًا (ولا هيكلًا مسطحًا) ولكّنها قيادة مع العديد من المراكز التي تترابط مع بعضها البعض. تشمل القادة الذين يتشاركون المسؤولية ويشاركون في كلّ من القيادة والمتابعة في الخضوع المتبادل. لقد استعاد الإصلاح كهنوت جميع المؤمنين نظريًا، لكن العصر الجديد يحاول استعادته عمليًا. إنّ هذا النوع من القيادة اللامركزية هو الأكثر استعدادًا للمضاعفة الصحيّة، ننتقل الآن إلى التحوّل النهائي.
من المؤسّسات إلى الحركات
يمكن تلخيص ما كتبته حتى هذه الفكرة بتحوّل الإرساليّة إلى حركات. أعني بهذا حركات التلمذة. حركات زرع الكنائس. حركات محوّلة شموليًا، بقيادة محليّة، ومعقدة عضويًا، ومتكيفة كنسيًا، ومدفوعة بالإنجيل، وتمجيد الله، وقائمة على الكتاب المقدس، ومعتمّدة على الروح القدس، وتركّز على يسوع.
في العصر السابق، كان من السهل جدًا تصور الإيمان الكتابي وممارسته في شكله المؤسسي. لكننا اليوم نرى الطرق التي تتحرر بها الكنيسة من السبي القسطنطيني. إن لاهوت الكنيسة التكيفية الذي نشهده في الحركات يقدّم دليلاً على ذلك. تتحول “الكنيسة المؤسسة” إلى “الكنيسة الحركة”. تبقى المؤسسات حيوية للإرساليّة، لكن يجب أن تخدم الحركات، وليس العكس.
بطبيعتها، الحركات الصحية هي تكاملية مرسلة ولاهوتية. تجمع الحركات مشاركي نصف الكرة الشمالي مع نصفها الجنوبي في ديناميكية مناسبة. تتجاوز القيادة الأسلوب الاستبدادي والقائد المشهور الذي يعرف جميع الإجابات. بدلاً من ذلك، تجمع محفزات الحركة الأشخاص معًا للتجربة والابتكار وفقًا للفرصة والحاجة.
انضم إلى الموجة
لا ينبغي أن نتفاجأ من أن هذه التحولات الأربعة أقرب بكثير إلى العهد الجديد من ممارسات العصر السابق. نحن في فترة نعيد فيها بفرح اكتشاف مبادئ الحركة الكتابية. في الواقع، ربما يمكننا أن نرى أنّ الحركات هي نهج “عادي” للإرسالية أكثر من كونه استثنائي. وبدلاً من التفكير في عشرينيات القرن الحادي والعشرين على أنّها تخريبية، يمكننا أن ننظر إليها بشكل أفضل على أنها حافز لتحرير الكنيسة للتواصل مع حركة الله.
في شبكة حركة الله، نتعامل مع هذا المنعطف الحركي على أنّه عتيق جديد بزقاق خمر جديدة. ليست الإرساليّة مجرد تقليد أبطال الغرب المسيحيين من الأجيال السابقة. الهدف هو إعادة ضبط الإيمان من جديد لتعاليم الكتاب المقدس وخاصة شخص يسوع المسيح. لا يوجد أحد أفضل ولا شيء أكثر إثارة.