بقلم جاد تابت
في عظة عام 1981 بعنوان “الاختيارات” تحدّث بيلي جراهام عن أهمية أن نختار عبادة الله على الرغم من نقاط ضعفنا، وقد أدلى بملاحظة مناسبة مفادها أنّ “الشباب اليوم يريدون التحدّي”. يقول إن اختيار اتباع المسيح يضع تحديًا يجذب الناس، صغارًا وكبارًا. اليوم ، وأنا أنظر إلى تربيتي المسيحيّة، أتساءل لماذا لم أقم أنا والعديد من أصدقائي من داخل الكنيسة وخارجها بهذا الاختيار. لا أعرف ما إذا كان غراهام يقصد تشخيص نقص انخراط الكنيسة مع الشبيبة في مجتمعها في ذلك الوقت، ولكن اليوم في لبنان، بعد أربعين عامًا، بينما نقترب من انتخابات برلمانيّة صاخبة وعنيفة بالفعل، تبدو هذه الكلمات على أنّها ملائمة أكثر من أيّ وقت مضى. أقول هذا لأنّه في وقت آنف، كمّ من أصدقائي وأنا كنّا نبحث عن هوية لكنّنا لم نجدها في المسيح بل وجدناها في الملذات الدنيويّة وفي السياسة الفاسدة.
يقول المؤلف العلماني إرنست بيكر في كتابه “إنكار الموت” أنّ الفرد المعاصر “وضع نفسه في موقف مستحيل. لا يزال بحاجة أن يعرف أنّ حياته مهمّة في مخطّط الأشياء الكوني … لا يزال يتعيّن عليه دمج نفسه مع معنى أسمى يمتص الأنا … إذا لم يعد لديه الله، فكيف يمكنه أن يفعل ذلك؟ ” يخبرنا هذا التصريح الكثير عن نمط حياة فرد ما بعد الحداثة والسلطة التي نمنحها للأيديولوجيا. إحدى الطرق لملء الفراغ الذي لا يمكن سدّه في غياب العلاقة مع المسيح المحب هي البحث عن شريك رومانسي. الملذّات الزائلة، بما في ذلك الكحول والجنس والمخدرات تلائم سداد الفراغ أيضًا. يقودنا هذا كلّه إلى الاشتراك في أيديولوجية من صنع الإنسان قد تملي علينا قيمنا في الحياة. لكن بالنسبة لنا نحن اللبنانيين الذين ورثوا الصدمة الجماعية لخمسة عشر عامًا من الحرب الأهلية من آبائنا ثم ثلاثين عامًا من الحرب الباردة الداخليّة، فإنّ الأيديولوجية السياسيّة الطائفيّة هي سردية أقوى وأكثر ملاءمة للامتثال بها. كما أنّه يمنحنا سببًا للقتال من أجله ومكانًا لتوجيه طاقاتنا العدوانيّة. من خلال العيش في مجتمع يعتمد ثقافة الشرف والعار، تعبّد الأحزاب السياسيّة الطريق للشباب اللبناني إلى القبول الاجتماعي – وبالتالي المعنى والهوية – بينما تجلس الكنيسة مكتوفة الأيدي، مكتفية بأن تصبح نادٍ اجتماعي.
قضيت معظم سنوات مراهقتي في مجموعات الشبيبة في الكنائس الإنجيلية، ويحزنني أن أقول إنّ وقتي مع هذه المجموعات دفعني بعيدًا عن المجتمع الإنجيلي. في حين أنّ محبّة المسيح الفدائيّة أوصلتني إلى مكان أفضل في الإيمان، إلّا أنّ هناك العديد من الأخطاء التي كان بإمكاني تجنب ارتكابها لو أنّني حصلت على التلمذة والمشاركة المسيحيّة الصحيحة التي يدعونا الكتاب المقدس إليها. لكن هذا لم يكن متاحًا لي وللكثيرين مثلي، لأنّ وزناتنا لم تكن مستثمرة في كنائسنا. معظم ما فعلناه في اجتماعات الشبيبة كان مجرد القيام بالطقوس حتّى نتمكّن من الخروج لتناول الطعام! على الرغم من أهمية الشركة، إلّا أنّها تفشل فشلًا ذريعًا في تحقيق مرادها إذا لم تكن نتيجة لتطوير علاقات شخصيّة قويّة وحميمة مع المسيح. أثناء حديثي مع أصدقائي في المجتمع الإنجيلي، أرى كيف أدّى ذلك إلى تحويل العديد من مجموعات الشبيبة إلى مناطق راحة يعيش فيها الأعضاء حياة منعزلة عن العالم الذي يدعونا المسيح مرارًا وتكرارًا لنخدم فيه. وهكذا، على مدارٍ سنوات، حيث كان التركيز البديهي للعديد من الكنائس على البالغين، أصبح المسيح حارسًا مخيفًا يتمّ التمرّد عليه وليس إلهًا حيًّا ومحبًّا يريد الأفضل لنا. علاوة على ذلك، مع الافتقار إلى إشراك الشباب، كان من الصعب علينا التعامل مع الأمور المفيدة داخليًا. لم نتمكّن من الاشتراك في أيّ سرديّة كانت كنائسنا تحاول خلقها، وبقينا بحاجة إلى إيجاد معنى لحياتنا.
لكن الوضع ليس ميئوسًا منه. خلقت حركة تشرين الاحتجاجيّة في عام 2019 فرصة للكنيسة اللبنانية لإعادة التواصل مع الشباب، وكان لدى العديد من الكنائس محطات أو فرق كرازيّة نشطة في مناطق التجمّع الرئيسة حول بيروت. خلال مرحلة تفشّي الوباء، انتقلت معظم الكنائس إلى الخدمات الافتراضيّة عبر الإنترنت، وسمح هذا التغيير لمزيد من الشباب اللبنانيين بالتعرّف على أخبار الإنجيل السارّة. كما ساعد الدور النشط الذي اضطلعت به الكنائس في دعم المتأثرين بانفجار مرفأ بيروت في 4 آب الشباب على التعرّف على المسيح. علاوة على ذلك، دعت بعض الكنائس إلى اجتماعات شركة لتشجيع الشباب على جلب الأصدقاء والعائلة من خارج الكنيسة. استجابت الخدمات عبر الإنترنت مثل ShiBiFeed للاحتياجات الناشئة بين الشباب اللبناني من خلال إنشاء محتوى يتمحوّر حول المسيح ويلبّي هذه الاحتياجات. حتّى قبل الأزمات المتعدّدة التي شهدها لبنان على مدار العامين الماضيين، كانت خدمات مثل الشبيبة للمسيح وخدمة الأطفال والشباب المعمدانيين تتواصل عن قصد وعلى نحوٍ متكرّر مع الشباب في لبنان عشوائيًا وعبر جميع الأطياف الاجتماعية والاقتصادية. يبحث المراهقون والشباب أكثر فأكثر عن الأمل ويجدون ذلك في يسوع.
عندما نبدأ في رؤية حركة المزيد من الشباب يتوافدون إلى الكنيسة، تقع علينا مسؤولية أمام الله أن نكون أمناء تجاه النفوس الجديدة التي يأتي بها إلى جسده. لا يمكننا السماح باستمرار الأمور على ما هي عليه بإبقاء شبيبة الكنيسة على الهامش إلى أن يتمّ اعتبارهم جاهزين للمشاركة في الخدمة. لا يمكننا السماح للمواهب الشابة بأن تضيع سدًا على مقاعد الكنيسة المتعفنة لأنّنا لا نعتبرها صالحة للخدمة بعد. أكثر من عرفه التاريخ المسيحي تأثيرًا، المسيح نفسه، كان خادمًا للشباب وبدأ خدمته في سن الثلاثين. كان تلاميذه، الذين أرسلهم اثنين اثنين، والذين طردوا الشياطين، وشفوا المرضى، وشاركوا في نشر الإنجيل، جميعهم تحت سن الثلاثين. كان يوحنّا، الذي اعتنى بمريم بعد أن أتم المسيح رسالته، في حوالي العشرين من عمره عندما صُلب المسيح. ويزخر الكتاب بقصص الشباب الذين حققوا دعوته وساهموا في نمو ملكوته. نحن بحاجة لأن نحذو حذوه ونمكّن شبابنا حتى يتمكّنوا من الوصول إلى أصدقائهم الضالين في رذائل العالم، في سرديات الآخر والعنف، وفي البحث غير المجدي عن الهوية التي لا تتمحور حول المسيح، حتّى تتاح لهم الفرصة للتعرّف على محبة المسيح الفدائية.
في 16 نيسان/ أبريل، ذهبت أنا وأختي إلى حفلة عيد الفصح مع مجموعة شبيبة من إحدى الكنائس. أثناء الحفلة الموسيقية، في خضم مجموعات ترانيم العبادة، اندلعت القاعة بأكملها بهتافات “يسوع! يسوع! يسوع!”. لقد جعلتنا قلوبنا البطيئة وإدماننا للوضع الراهن قساة تجاه هذا الحماس للمسيح. لكن أختي بكت في تلك الليلة. وبكيت أنا أيضًا. لقد أمضينا وقتًا طويلًا خارج قاعات عبادته. حان الوقت لدخول قدس الأقداس.
من السهل علينا، بسبب طبيعتنا البشرية، أن نجد الأمان والمتعة في وضع غير مضطرب. لكن هذه ليست طريقة عمل الله. الله ليس آمنًا، وهو يتحدّانا باستمرار للضغط من أجل التغيير، لأنّه هو وحده الأبدي. لذا، فإنّ صلاتي لنفسي – لأنّنا جميعًا يجب أن نبدأ بأنفسنا – هي أن أكون وكيلًا أمينًا على جميع الموارد والمسؤوليات التي شرّفني بها. أصلّي الله أن يعلّمني أن أكون كريمًا ولطيفًا ومتفهمًا في خدمتي. وأدعوه أن يستخدمني لتمكين آخرين، تمامًا مثلما مكّنني آخرون.
جاد هو أصغر عضو في قسم علاقات الشراكة في كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة. وهو حاصل على درجة الماجستير في آداب اللغة الإنجليزية، ولديه شغف بالموسيقى والشركة والخدمة، ويحب أن يعتقد أنّ الناس معقّدون للغاية بحيث لا يمكن تلخيصهم في ملاحظة من ثلاثة أسطر في أسفل منشورات المدوّنة.