انتهت الانتخابات النيابيّة. وهلأ لوين؟
مايو 26, 2022
التوق للرحمة: ردّة فعل مسيحية على موت غير المؤمنين
يونيو 9, 2022

أبو عاقلة و الآخر الديني

بقلم عبد زين الدين

في 11 أيار/ مايو، قُتلت الصحافية والمراسلة التلفزيونية لقناة الجزيرة العربية في فلسطين، شيرين أبو عاقلة، برصاص القوّات الإسرائيليّة أثناء تغطيتها لمداهمات الجيش في مدينة جنين شمال الضفّة الغربيّة المحتلّة. موتها مأساة أذهلت العالم، لكنّها تسببت أيضًا في محادثة شغوفة حول الطريقة التي ندير بها الاختلافات الدينيّة.

غضب العرب من هذه الجريمة، وسمّى كثير من المسلمين أبو عاقلة شهيدةً ودعوا إلى الله أن يرحم نفسها. لم يكن الكثيرون على دراية بخلفية أبي عاقلة الدينيّة، ولكن عندما تبيّن أنّها مسيحيّة، ادّعى بعض المسلمين أن رحمتها من الله خطأ لأنها ليست مسلمة ومصيرها نار الجحيم! من المعيب لهؤلاء المسلمين أن تعتبر الأمّة غير المسلم حتّى لو كان شهيدًا لقضية نبيلة جديرًا برضا الله. واعتبر مسلمون آخرون أنّ جميع الناس، بغض النظر عن خلفيتهم الدينية، يستحقون رحمة الله. حاشا أن تكون شهيدة أكرمت العرب جميعًا بموتها. ننحني لها بكل احترام! انتشرت هذه التعليقات على نطاق واسع حيث ناقش الناس لماذا نعم أو لماذا لا يجب على المسلم أن يرغب في الرحمة لغير المسلم. ربّما تتعلّق القضيّة الأساسيّة بمواقف المتدينين تجّاه الآخر الديني. تشمل مسألة “المشمولين” و”المستبعدين” المسيحيين بشكلٍ عام، أعتقد، الإنجيليين بخاصّة!

لطالما كانت الأسئلة حول المصير الأبدي لغير المؤمن جزءًا من المحادثات. كلبناني تابع للمسيح من خلفية إسلامية في بيئة إنجيليّة، أسمع أحيانًا شعب الكنيسة يقولون إنّ جميع غير الإنجيليين – مسيحيين وغير مسيحيين على حد سواء – مقدّرون إلى الجحيم. لذلك لا داعي لرحمة الله على أرواحهم أو حتّى حضور جنازاتهم. أنا لا أحاول أن أجادل في نقاط الخلاص حول من يذهب إلى الجنّة أو إلى الجحيم، ولكنّي أنظر بصيغة بديلة: كأتباع للمسيح في سياق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بثقافة الشرف والعار، يجب أن يتسم تفاعلنا مع “الآخر” بالاحترام.

في دراسات الدكتوراه الخاصة بي، درست العلاقات التي تربط المؤمنين اللبنانيين من خلفيات مسلمة مع عائلاتهم المسلمة وكنائسهم، وكيف تؤثر آراءهم عن محمد والقرآن على انتمائهم للعائلة المسلمة والكنائس المسيحية. شرع بحثي في ​​اقتراح بعض الأساليب لرؤية محمد والقرآن التي قد تمكّن اللبنانيين المؤمنين من خلفية إسلامية من الاحتفاظ بعلاقات صحيّة مع كلّ من المجتمع المسلم والكنيسة مع البقاء بأمانة “في المسيح”.

لقد فوجئت بأن أكتشف في نتائج البحث أنّ العامل الرئيس للاحتفاظ بالانتماء الصحي للمؤمنين من خلفية إسلاميّة لم يكن وجهات نظرهم حول محمد والقرآن ولكن احترامهم لعائلاتهم والكنائس من ناحية والطريقة الحكيمة التي يشاركون بها وجهات نظرهم وينقلونها من جهة أخرى. يبدو أنّ الطريقة التي ننقل بها ما نؤمن به لا تقل أهمية عن محتوى هذا الإيمان. الشكل والمعنى يتواصلان ويشكلّان الرسالة النهائية. على سبيل المثال، إذا كانت مؤمنة من خلفية إسلاميّة تتمنى لعائلتها رمضان مباركًا أو تحضر فعاليات اجتماعية دينية، فإنّها تُظهر الاحترام والشرف للعائلة على الرغم من أنّها قد يكون لديها وجهة نظر معاكسة حول محمد والقرآن. مرة أخرى، الطريقة التي نتواصل بها هي المفتاح!

علاوة على ذلك، نظرًا لأنّ الإنجيليين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيشون في مجتمع جماعي، حيث لا يزال المبدأ القائل “نحن موجودون، إذًا أنا موجود” رائجًا إلى حدّ كبير، فقد نرغب في إيلاء اهتمام خاص لحالة (حالات) الانتماء المتعددة الطبقات. من أجل بناء علاقات صحيّة مع جيراننا الذين يشكلّون الآخر الديني. حتى مع وجود خطر التقسيم، أستعير هنا إطار عمل تيم غرين وهو يتحدّث عن طبقات الهويّة الثلاث: (1) الهويّة الأساسيّة التي تبحث في السؤال، “من أنا في داخلي؟” (2) الهويّة الاجتماعيّة التي تطرح السؤال “من أنا في علاقتي بالمجموعات التي أنا جزء منها؟”، و(3) الهويّة الجماعيّة التي تطرح السؤال، “من نحن كمجموعة في نظر المجموعات الأخرى؟” قد يكون من المفيد القول أنّه لا يوجد ترتيب مفترض للأهمية لمستويات الهويّة الثلاثة. قد يعتبر البعض أنّ “نحن (أي الهوية الاجتماعية)” تأتي قبل “أنا (أي الهوية الأساسية)”.

تبدأ الهويّة الأساسيّة في التكوّن أثناء الطفولة مع اكتشاف معايير الوالدين، وهي تمثّل جوهر رؤية الشخص للذات والعالم. في حالتنا، كوننا الآن أتباع المسيح، تصبح هويتنا الأساسيّة لاهوتيّة بطبيعتها. إنّها هويتنا “في المسيح”. بالنسبة للهوية الاجتماعية، فإنّ النمو هو في الأساس تعلّم أنّ الهويّة الشخصيّة للفرد مرتبطة بهويّة الآخرين. العلاقات المفيدة تشكّل من نحن. ومن ثم، فإنّ الهويّة الاجتماعيّة هي مجموع العلاقات الاجتماعيّة للشخص. قد يفضّل بعض المعمدانيين (أو الناصريين، المشيخيين، الخمسينيين …) أن يكونوا مرتبطين اجتماعيًا بالمعمدانيين مثلهم. أخيرًا، الهويّة الجماعيّة هي عنوان للمجموعة بأكملها، أي هوية الأفراد مجتمعين معًا وهوية المجموعة باعتبارها مميّزة عن المجموعات الأخرى. هنا، يتردّد الإنجيليون اللبنانيون في التعامل مع اللبنانيين الكاثوليك أو الأرثوذكس (وبالطبع مع المسلمين!).

ربما يساعدنا إطار هويّة جرين في تصوير صورة أوسع وأعمق لمن نحن كإنجيليين وكيف نتعامل مع غير الإنجيليين. كنتيجة طبيعية، هل يكفي أن يركّز الإنجيليون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على هويّتهم الأساسيّة “في المسيح” على حساب الاهتمام بهوياتهم الاجتماعية والجماعية؟ مثل هذه النظرة إلى الذات ليست اختزالية للهوية فحسب، بل تقف أيضًا كعائق أمام بناء علاقات صحيّة مع المتديّنين الآخرين.

إلهنا الثالوثي هو إله علائقي ونحن مخلوقون على صورته ككائنات علائقيّة. تجسّد الكلمة، مظهرًا لنا من هو الله ومن هو الإنسان. ثمة انعكاسات هائلة لذلك؛ العلائقيّة تتضمن إدراك الاختلاف واحترامه في الآخر، والتجسّد ينطوي على السير جنبًا إلى جنب مع الآخر. كأفراد، فإنّ تقديم التعازي للأصدقاء المسلمين أو التمني لهم رمضانًا كريمًا أو دعوتهم لتناول وجبة منزليّة هو أمر منطقي وتجسدي، وكذلك مشاركة الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية الأحداث المشتركة. مرة أخرى، إيلاء اهتمام خاص لكيفية مشاركة الحياة والإيمان مع “الآخر”؛ يحدث من خلال الاحترام المتبادل في سياقات الشرف والعار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

يصيع زميلي في كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة مرتان عقّاد الأمر جيدًا وهو يتحّدث عن الإسلام والمسلمين، وهذا ينطبق على غير الإنجيليين أيضًا. يقول إنّ “نظرتك إلى الإسلام ستؤثّر على موقفك من المسلمين. وسيؤثّر موقفك بدوره على مقاربتك للتفاعل بين المسيحيين والمسلمين، وسيؤثّر هذا النهج على النتيجة النهائية لوجودك كشاهد بين المسلمين”. ومع ذلك، وفي حالة مدوّنتي، قد أغيّر ترتيب بيان عقاد بالبدء بالموقف بدلاً من وجهة النظر؛ سيؤثّر موقفك تجاه الآخر الديني على وجهة نظرك.

لننهي حديثنا من حيث بدأناه؛ هل نتمنى الرحمة لمن يموت في ديانات أخرى؟ جوابي هو نعم. ربما يذكّرنا وفاة أبو عاقلة (وكذلك نتائج دراستي وغيرها الكثير) بأنّ الاحترام المتبادل، المصحوب بالتواصل الحكيم، أمر حيوي لأنّنا نهدف إلى بناء علاقات صحيّة مع جيراننا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

عبد هو أستاذ مساعد في الخدمة الرعوية في كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة.

2 Comments

  1. يقول Ramy Saroufim:

    رائع دكتور عابد.
    أرى أن مشكلتنا في الشرق الأوسط أن كل فريق يريد باقي الفرق أن تكون مشابهة له بل إن كل الفرق الآخرى تتحلل داخل فريقه. فلم نتعلم في الشرق الأوسط مهارة الاختلاف وقبول الآخر. وعلى الرغم من أننا كمسيحيين يجب أن نتبع المسيح الذي هو مثالنا والذي لم يقم يوماً باي فعل يشير إلى عنصرية أو تحيز، إلا أننا اصطبغنا بصبغة مجتمعاتنا وصرنا مثلما ذكرت نقرر من سيدخل الملكوت ومن لا يستحق.
    أرى أنه يجب أن يكون هناك توعية عامة بإن الاختلاف والتنوع الثقافي والديني والفكري بركة ونعمة وليس نقمة.

  2. يقول Abed:

    شكرًا لتعليقك القيِّم أخي رامي!

    وكما أسلفت، وللأسف؛ “كل فريق يريد باقي الفرق أن تكون مشابهة له.” لا بد أن مواجهة هذه المواقف تتطلّب من الاكثرية المعتدلة في شرقنا أن تعلِّي الصوت في وجه الاقلية المتزمِّتة التي قد تحتفظ بغايات سياسية ودينية وتمتلك وسائل الاعلام وتغزو وسائل التواصل. نعم، إن التنوع نعمة لا نقمة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: