بقلم نبيل حبيبي
تكلّم زميلي عبد الأسبوع الماضي عن موت الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة والنقاش الذي تبعه بين المسلمين حول حلال الترحّم عليها كونها مسيحيّة. وقد انطلق من أبحاثه حول انعكاسات موقفنا على علاقاتنا، واستنتج أنّنا نحتاج أن نعامل الآخر الديني باحترام.
هذه المدوّنة استكمال لهذه الحجّة. سأبدأ حيث انتهى عبد: “ربما يذكّرنا وفاة أبو عاقلة (وكذلك نتائج دراستي وغيرها الكثير) بأنّ الاحترام المتبادل، المصحوب بالتواصل الحكيم، أمر حيوي لأنّنا نهدف إلى بناء علاقات صحيّة مع جيراننا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.” وفي الجملة الآنفة كان عبد قد أجاب بنعم على السؤال حول أحقيّة الترحّم على من يموت من تقليد مختلف. أودّ أن أسبر غور هذه الفكرة أكثر، وخاصة من الناحية السوتورولوجية (الخلاصية) وتداعيات الأمر على لاهوتنا حول الأموات من تقاليد إيمانيّة مختلفة عنّا.
كلمات المدافع المسلم دانيال حقيقتجو أدناه (وهي مترجمة تلقائيًا على فايسبوك من اللغة الإنكليزية) تمثّل ردّة الفعل المسلمة على الترحّم على أبو عاقلة والنقاش الذي دار على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي المسلم:
لفتني استخدام حقيقتجو لشعور مسيحي في هذا البوست. إذا حوّلنا كلامه ليصبح في سياق مسيحي فقد ينطبق ما كتبه بسهولة على كلام قسيس إنجيلي عادي يحاجج أن الملحد الصالح أو المسلم لن يذهبوا إلى السماء لأنهم لم يقبلوا يسوع كمخلص شخصي. هل مفهومنا للخلاص منعم أكثر من ذاك الذي لمدافع مسلم متصّب؟
أي قراءة لكتبنا المقدّس سترينا أنه بغض النظر عن نظرتك للجحيم يوجد أشخاص داخل وخارج خطة الله النهائية للبشرية. يقول أحد النصوص هذا الأمر بوضوح. في نهاية كتاب الروؤيا، يقول يوحنا: “14طوبَى للّذينَ يَصنَعونَ وصاياهُ لكَيْ يكونَ سُلطانُهُمْ علَى شَجَرَةِ الحياةِ، ويَدخُلوا مِنَ الأبوابِ إلَى المدينةِ، 15لأنَّ خارِجًا الكِلابَ والسَّحَرَةَ والزُّناةَ والقَتَلَةَ وعَبَدَةَ الأوثانِ، وكُلَّ مَنْ يُحِبُّ ويَصنَعُ كذِبًا” (22: 14-15). مجيء المسيح الثاني سيجلب الحياة للبعض والدينونة للبعض الآخر.
زد على ذلك أن أي قراءة لكتبنا المقدسة ترينا أيضا أن الله يعمل لفداء العالم من خلال يسوع المسيا. تجسد وخدمة وصلب وقيامة وصعود يسوع تشكّل اساس الإدّعاء المسيحي بأن يسوع هو الرب. في يسوع يوجد نصرة على الخطية والموت. من جديد، يمكنني أن أقدّم نصّ يمثّل باقي النصوص ويعلن بوضوح هذه الحقيقة الكريستولوجية حول اللاهوت المسيحي للخلاص. هذا ما يقوله الرسول بولس حول انتقال المرء من الموت للحياة: ” 3أم تجهَلونَ أنَّنا كُلَّ مَنِ اعتَمَدَ ليَسوعَ المَسيحِ اعتَمَدنا لموتِهِ، 4فدُفِنّا معهُ بالمَعموديَّةِ للموتِ، حتَّى كما أُقيمَ المَسيحُ مِنَ الأمواتِ، بمَجدِ الآبِ، هكذا نَسلُكُ نَحنُ أيضًا في جِدَّةِ الحياةِ؟” (رومية 6: 3-4).
إذا، نحن بالفعل نؤمن بخلاص حصريّ. الخلاص في المسيح. وبنفس الوقت، شعرت بعدم الإرتياح تجاه ردة الفعل المسلمة التقليدية على موت أبو عاقلة. مثلما أشعر بعدم الإرتياح حول إيماني بأن كل جيراني غير المؤمنين لن ينالوا الخلاص. أفترض أن أشخاص كثر من إيماني يشاركونني هذا الشعور. ماذا نفعل إذا بعدم إرتياحنا؟ كيف نوفّق بين هذا الشعور الإنساني العام بالرحمة والمحبة تجاه أفراد مجتمعنا، خاصة الأبطال منهم الذين رهنوا حياتهم لخدمة الآخرين، وبين تعليم الكتاب المقدّس الواضح بأن الخلاص من الموت والدينونة في المسيح وحده؟
لا أمتلك إجابة مباشرة، ولكنني أعتقد أنه يجب علينا العمل ضمن فرضيّتَين، إطار ما، للتفكير بهذه المسألة.
أولا، لا يمكننا الهرب من حصريّ إيماننا. مجرد وجود آلاف الأديان الأخرى لا يعني أن إيماننا خطأ (أو أن كل الأديان على خطأ كما يدّعي الملحدون). الإيمان المسيحي حصريّ. الرسل ألنوا ربوبية يسوع المسيح على كل الكون في مجتمع مليئ بالأديان والآلهة والفلسفات. لا أعتقد أن الهرب صوب مفهوم خلاص كوني (حيث سيخلص كل الناس في النهاية) هو الحل. يجب أن نتمسّك بنواتنا الكريستولوجية. هذه الحياة السريّة التي نتمتع بها تنبع من المسيح!
ثانيا، حصريّة إيماننا لا تعني أنه يمكننا أن نلعب دور الله. الله يقرّر من يُدان ومن يُرحم. أحد أعظم المبشّرين في الجيل الماضي، بيلي غراهام، قال مرّة في مقابلة مع روبرت شولر: “أعتقد أن كل من يحب المسيح أو يعرف المسيح، ولو لم يكن يعي ذلك، هو عضو في جسد المسيح.” وجون ويسلي أجد أبرز اللاهوتيين والمبشرين في القرن الثامن عشر، والذي امتلك رأي صارم جدا تجاه الأديان الأخرى (ورأي مماثل في قساوته تجاه المسيحي غير الأمين)، يقول في عظته حول 1 كورنثوس 13: 1-3 بأن الله “غني في الرحمة لكل من يدعوه وذلك حسب النور الذي يمتلكه الشخص. وفي كل أمة الذي يخاف الله ويعمل لأجل البر هو مقبول منه.” نحن لسنا الله.
ماذا نفعل إذا عندما يموت شخص “صالح” من ديانة أخرى؟ أو حتى عندما يموت أي شخص، ولو كان قد اختار أن يستسلم للرق الشرير في هذا العالم؟ الفرضي الأولى تمنعنا من إعطاء الأمل الزائف حول مصدر خلاصهم. الخلاص في المسيح. ولكن الفرضي الثانية تسمح لنا بأن نتوق للرحمة برجاء كريم.
في مركز وجودنا رغبة إلهية للرحمة. ماذا سيسعدني أكثر، أن أعلم أن الله بحكمته اختار أن يدين جاري الذي لم يعترف بالمسيح ربّا أو أن أعلم أن الله بحكمته اختار أن يرحم جاري غير المؤمن؟ أختار الإجابة الثانية.
إذا، نكمل السعي. هدفنا الأول والوحيد هو أن نحيا حياة القداسة التي تنبع من شخص المسيح. وكما قال ويسلي، “حجر العثرة الأساسي” أمام غير المسيحيين هو “حياة المسيحيين.” ماذا يهمّنا حكم الله النهائي؟ نحن نعلن يسوع ربّا في الكلام والعمل. ونترك الباقي له.
19«مِنْ ثَمَّ أيُّها المَلِكُ أغريباسُ لَمْ أكُنْ مُعانِدًا للرّؤيا السماويَّةِ، 20بل أخبَرتُ أوَّلًا الّذينَ في دِمَشقَ، وفي أورُشَليمَ حتَّى جميعِ كورَةِ اليَهوديَّةِ، ثُمَّ الأُمَمَ، أنْ يتوبوا ويَرجِعوا إلَى اللهِ عامِلينَ أعمالًا تليقُ بالتَّوْبَةِ. 21مِنْ أجلِ ذلكَ أمسَكَني اليَهودُ في الهَيكلِ وشَرَعوا في قَتلي. 22فإذْ حَصَلتُ علَى مَعونَةٍ مِنَ اللهِ، بَقيتُ إلَى هذا اليومِ، شاهِدًا للصَّغيرِ والكَبيرِ. وأنا لا أقولُ شَيئًا غَيرَ ما تكلَّمَ الأنبياءُ وموسَى أنَّهُ عَتيدٌ أنْ يكونَ: 23إنْ يؤَلَّمِ المَسيحُ، يَكُنْ هو أوَّلَ قيامَةِ الأمواتِ، مُزمِعًا أنْ يُناديَ بنورٍ للشَّعبِ ولِلأُمَمِ» (أعمال 26: 19-23)
ليرحمنا الرب جميعنا.
نبيل حبيبي محاضر في دراسات العهد الجديد في كليّة اللاهوت المعمدانية العربية ويحب أن ينخرط في الأحاديث اللاهوتية والثقافية التي تجري في العالم العربي.