بقلم إيلي حدّاد
لطالما أثار اهتمامي تعبير العهد الجديد “في المسيح”، والذي استخدمه الرسول بولس بوفرة. إنّها طريقة تثير فضولي بأن يتم وصف علاقتنا بالمسيح أو بالله على أنّها في المسيح. في هذه الأيام، وأنا أعيش في أزمة طويلة الأمد في لبنان، فإنّ مفهوم “في المسيح” يثير اهتمامي أكثر. العديد من الأسئلة لا تزال تدور في ذهني. كيف يؤثر الوجود في المسيح على طريقة فهمي لعالمي والعيش فيه؟ كيف يغيّر ذلك الأمور التي تدور حولي؟ في هذه المدوّنة، أريد أن أتأمّل بإيجاز في هذا التعبير وكيف ينبغي أن يشكّلني.
تظهر عبارة “في المسيح” وما يشابهها حوالي مائتي مرّة في كتابات بولس. استخدم بولس هذه العبارة بأكثر من معنى. لا بدّ أنّ دارسي الكتاب المقدّس قد كتبوا مئات إن لم يكن آلاف الصفحات حول استخدامه لهذه العبارة وانعكاساتها المختلفة. سوف أسلّط الضوء بإيجاز على بعض هذه المعاني وأستكشف انعكاساتها.
أحد المعاني هو المعنى الخلاصي. يمكن فهم عبارة “في المسيح” على أنّها تعني مسيحي أو مؤمن. يقدّمها بولس على أنّها الأساس الوحيد للتبرير. تصف هذه العبارة أيضًا شركتنا مع المسيح وعلاقتنا الحميمة مع الله من خلال المسيح. بالنسبة لبولس، كينونتنا في المسيح تربطنا بالخلق والقيامة. عندما نصبح في المسيح، نصبح خليقة جديدة. نخلع القديم. لا يرَ بولس الحياة الجديدة على أنّها مجرد تحسين للقديم بل خليقةً جديدة جذريًا. نصبح أموات عن الحياة القديمة ولكن “أحياء لله في المسيح يسوع” (رومية 6 :11).
كانت انعكاسات ذلك واضحة لبولس. لقد أخذ على محمل الجد فكرة أن يكون ميتًا عن العالم وحيًا في المسيح وأن يكون خليقة جديدة. وهذا ما شكّل فهمه للحياة المسيحيّة، وموقفه تجاه الآخرين، ورغباته وتطلّعاته، وخططه وأفعاله، وتوقعاته، ورؤيته واستراتيجيته للحياة. لقد عاش للمسيح. لا شيء آخر يهم. كلّ علاقاته وقرارات حياته شكلّها يسوع، من خلال كونه في المسيح.
ماذا عنّي؟ ما هي انعكاساتها علي؟
لا شكّ أنّ هويّتي في المسيح تشكّل من أنا، وأين أعيش، ولماذا أعيش هنا، وكيف أعيش. إنّها تشكّل قراراتي في خدمتي وحياتي. السؤال بالنسبة لي هو ما إذا كنت أعتنق هذه الهويّة بالتمام أو لا أزال متعلّقًا بهذا العالم، وبالتالي أقيّم دائمًا خياراتي وأزين قراراتي. أعيش في مكان يواجه أزمة تلو الأخرى. هذا يجبرني على إعادة طرح الأسئلة نفسها مرارًا وتكرارًا. هل “في المسيح” ينتصر دائمًا على العيش مع انقطاع التيّار الكهربائي؟ على فقدان القوة الشرائية؟ على عدم العثور على “مستلزمات” الحياة الأساسيّة؟ على نظام رعاية صحيّة متهاوٍ؟ هل سأنجح في كينونتي “في المسيح” فقط ضمن معايير المجازفة المحسوبة التي أنا على استعداد لتحمّلها، أم سأنجح أن أكون “في المسيح” على النحو نفسه في خضم أزمة عميقة؟ هل أنا خليقة جديدة كليًا، متّ عن العالم وحيّ في المسيح ومن أجل المسيح، وبالتالي، لا شيء آخر مهم؟
معنى آخر للتعبير “في المسيح” هو ذو بعدٍ جماعي. إنّها أيضًا هويّة جماعيّة. جميع المؤمنين الذين في المسيح مرتبطون معًا في وحدة. ولهذا انعكاسات جماعيّة وليس فرديّة فقط. كتب جون ستوت قائلَا: “يعني هذا أنّك لست مرتبطً فقط بالمسيّا شخصيًا، المسيح، ولكن أيضًا بالمجتمع المسياني الذي أتى ليبنيه”. ويضيف: “في هذا المجتمع الجديد، ألغى يسوع حواجز العرق والجنسية والطبقة والجنس، والتي عادة ما تقسّم الجنس البشري.” كلّنا واحد في المسيح.
بالنسبة لبولس، الحياة معًا كأعضاء في جسد المسيح ليست اختيارية. لا ينتمي كلّ منّا إلى مسيح مختلف. نحن في المسيح معًا. حتّى أنّ فهم بولس للمجتمع راديكالي. في حديثه عن الحياة المجتمعية، استخدم بولس الضمير المتبادل المترجم “بعضنا بعضًا” أكثر من خمسين مرة. نحبّ بعضنا بعضًا، نكرم بعضنا بعضًا، نقبل بعضنا بعضًا، نخدم بعضنا بعضًا، نحمل بعضنا بعضًا، نسامح بعضنا بعضًا، نقدّر بعضنا بعضًا، ونحفّز بعضنا بعضًا، إلخ. هذا المجتمع الراديكالي، بحكم وجوده، هو شهادة عظيمة لعمل الله.
يجب ألا تختلف انعكاسات ذلك على جماعة “في المسيح” اليوم. لا ينبغي أن تكون الجماعة التي جعلنا الله أعضاء فيها، من خلال المسيح، أقلّ راديكالية اليوم. نميل إلى رؤية العالم من منظور فردي. نحن ننظر إلى المجتمع على أنّه مجموعة من الأفراد بدلاً من النظر إلى الأفراد على أنّهم أعضاء متّحدون ومترابطون في مجتمع مقدّس أنشأه ورعاه المسيح نفسه. أتساءل ما الذي يمكن أن يكون مختلفًا في سياقي الخاص في لبنان لو أنّ جماعة الله تعيش بالكامل وفقًا لهوية “في المسيح” الجماعيّة. أتساءل ما معنى أن تعيش الكنيسة كمجتمع رائد في بلد محطّم مثل لبنان.
المعنى الثالث لهذه العبارة “في المسيح” واسطي. “في المسيح” هي القناة الرئيسة التي من خلالها يحقّق الله مشيئته في العالم. الكنيسة “في المسيح” هي الوسيلة التي يختار الله بواسطتها إتمام إرساليّته في العالم.
بالنسبة لبولس، مهمة الكنيسة المرسَلة واضحة جدًا. الكنيسة هي “رسالةُ المسيحِ… مكتوبَةً لا بحبرٍ بل بروحِ الله الحيِّ، لا في ألواحٍ حجريَّةٍ بل في ألواحِ قلبٍ لحميَّةٍ.” إنّها رسالة “معروفة ومقرُوءَة من جميعِ النَّاس” (2 كورنثوس 3: 2-3). إنّ الطريقة التي تعيش بها جماعة الله في سياقها هي نتيجة لإرسالية الله.
بالنسبة لكنيسة لبنان اليوم، نحن الأداة الرئيسة التي من خلالها يختار الله إتمام إرساليّته. عندما تكون في أزمة تلو الأخرى، فإنّ جماعة “في المسيح” هي من ترعا مجتمعها، وتهتم بالمحتاجين، وتحمي المستضعفين، وتجلب الرجاء إلى اليائسين، وتصلّي من أجل من هم في السلطة، وتصنع السلام، وتقدّم نموذج طريقة عيش وسلوك بديلة، إلخ. وبعبارة أخرى، فإنّ جماعة “في المسيح” هي الجماعة التي تواصل بجرأة إعلان الإنجيل قولًا وفعلًا. كلّما ازدادت الأزمة، ازدادت الحاجة إلى الملح والنور لجماعة “في المسيح”.
لبنان في حالة سيئة والوضع يزداد سوءًا. أين سينتهي ألأمر؟ متى سينتهي؟ هل هو وضع ميؤوس منه؟ بالطبع لا! لأنّ هناك مجتمعًا قويًا وحيويًا في المسيح يرغب في أن يتعلّم يومًا بعد يوم كيف يكون “في المسيح” ويكون راديكاليًا في خضم الأزمة، مجتمع يرغب الله من خلاله أن ينجز إرساليّته في بلدنا.
إيلي هو رئيس كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة وإنّه لبركة بالنسبة له أن يكون عضوًا في هذا المجتمع المستعد دائمًا لاستكشاف أعماق هويّته في المسيح.