بقلم عماد بطرس
في منشور سابق على مدوّنة كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة، قدّمت حجة مفادها أنّ يونان الكتاب المقدس ويونس القرآن هما الشخصيّة نفسها. واختتمت المنشور بالأسئلة: هل يمكن التعلّم من القرآن؟ هل يمكن أن يساعدنا القرآن في تطوير اللاهوت في سياق شرق أوسطي؟
عندما سمعت لأوّل مرّة هذه العبارة “التعلّم من القرآن” أثناء دراستي لنيل شهادة الدكتوراه، قاومت الفكرة وأجبت بحزم بـ “لا!” كإنجيلي ملتزم، فإنّ الكتاب المقدّس هو الكتاب الوحيد الموثوق الذي يمكن التعلّم منه. فكيف أتعلّم إذًا من كتاب ديني آخر غير الكتاب المقدس؟ ماذا يمكنني أن أتعلّم من القرآن؟ إذا تعلّمت من كتاب ديني آخر، القرآن مثلًا، ألن أعطي هذا الكتاب سلطة على حياتي وأسمح له بالتأثير فيّ روحيًا؟
عندما بدأت بالردّ على هذه الأسئلة، اعتقدت أنّه سيكون من الأفضل وضع الفكرة موضع التنفيذ من خلال قراءة صلاة يونس في القرآن وكتب الأدب الإسلامي الأخرى. تعلّمت من هذا الأمر ما يلي:
ما لا يثير الدهشة، أنّ هذا قادني إلى تحويل تركيزي من هذا الجزء “الرائع” من القصّة إلى أحداث مهمّة أخرى لم أكن قد أوليها اهتمامًا كافيًا من قبل. هنا، بدأت أفهم كيف يتعامل أصدقائي وجيراني المسلمون مع قصّة يونس يوميًا، وربما كيف يجب علينا ذلك أيضًا. تصبح أسئلة مثل ما إذا كان الفصل الثاني من يونس عبارة عن إقحام متأخّر دخل على القصّة، كما يقترح بعض العلماء الغربيين، غير ملائم في سياقي. لقد ساعدني هذا أيضًا في أن أكون حريصًا جدًا بشأن نوع الأسئلة التي أحتاج إلى معالجتها أثناء العمل على تحضير الموارد والتفاسير في السياقات الإسلاميّة. يمكننا أن نستنتج أنّه من الأكثر فاعلية التركيز على الأسئلة الملائمة بسياقي والتعرّف على كيفية معالجة المسلمين للنص الخاص بي.
[قرر أفراد الأسرة] إقامة مخيّم، والجلوس حول الموقدة، والبدء في علاج الشرخ الذي دام قرونًا والذي قسّم العائلة لفترة طويلة. لا شيء يجمع العائلة معًا مثل ذكريات الأيّام الماضية. إنّ الرائع في هذه التجمّعات هو أنّه لا يتفق اثنان من أفراد الأسرة على تذكّر الحدث نفسه بالصورة نفسها تمامًا، وبما أنّ كلّ شخص يشارك ذكرياته الخاصة، فإن تعقيدات تاريخ العائلة وغناه ينكشفان للجميع. يُعتبر الكتاب المقدّس والقرآن، إلى حدّ ما، السجل المكتوب لتاريخ عائلي واحد يتم سرده من وجهات نظر مختلفة. تخيّل مصالحة بين إسماعيل وإسحاق حيث يجلسان حول النار ويتبادلان القصص العائلية ويخبران روايتهما الخاصّة لما حدث. كم سيتعلّم كلّ واحد عن نفسه وعن الآخر. [1]
باعتباري شخصًا يحاول تفسير الكتاب المقدس في سياق الإسلام، فقد تعلّمت أنّ قراءتي للقرآن يمكن أن تساعد في توصيل قصّتي من خلال مراعاة نوع الأسئلة التي قد يطرحها المسلمون أثناء قراءتهم للكتاب المقدّس. وبالتالي، فإنّ الأدب الإسلامي عامّة، والقرآن خاصّة، يمكن أن يكون مصدرًا رائعًا في محاولتي تفسير صلاة يونس في سياق الإسلام.
أفهم المقاومة التي قد يواجهها البعض لفكرة أنّه يمكن للمرء أن يستفيد من قراءة القرآن لتفسير الكتاب المقدّس. يمكنني أن أتماهى مع هذا الأمر كشخص، مثل العديد من المسيحيين الآخرين في الشرق الأوسط – وربّما في جميع أنحاء العالم – لا يستطيع أن يرى كيف يمكن لقراءة القرآن أن تساعدني في تفسير النص الكتابي بصورة أفضل في السياق الخاص بي. لذلك قرّرنا تجنب الانخراط مع القرآن. حان الوقت لإعادة التفكير في مواقفنا تجاه القرآن إذا كنّا نرغب في تفسير نصوصنا الكتابيّة بطرق مفهومة للغالبية من حولنا.
في الواقع، يمكنني أن أتعلّم الكثير من قراءة القرآن! أستطيع أن أتعلّم عن الدين الآخر الذي أعيش معه وأتفاعل معه يوميًا؛ يمكنني تعلّم أشياء عن نصّي الكتابي والتي فاتتني لأنّ تركيزي كان في مكان آخر؛ يمكنني التعرف على علاقة الآخرين مع قصصي الكتابيّة بطريقة عمليّة جدًا. كلّ هذه الأفكار مفيدة للغاية لأنّني أحاول تفسير الكتاب المقدّس في سياق الإسلام.
عماد بطرس هو أستاذ مساعد في العهد القديم في كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة وهو حاليًا جزء من مشروع كتابة نافذة على النص الكتابي: قراءة الكتاب المقدس في سياق الإسلام.