هل يمكن أن تحافظ البيتزا الرديئة على استمراريتها في عالم قائم على العار؟ فماذا عنّا؟
يوليو 21, 2022
فتح آفاق خدمة السلام في الشرق الأوسط: إعلان مؤتمر الشرق الأوسط 2022
سبتمبر 1, 2022

إعادة التفكير في “مشكلة” عدم الإنجاب

بقلم ربيع الحصباني

القرّاء الأعزّاء،

مدوّنة الكليّة ستتوقف عن النشر لإجازة صيفيّة خلال شهر آب/أغسطس. نعود لنلتقي في أيلول/سبتمبر.

 

في كلّ مرّة تحتفل فيها كنيستي بعيد الأم أو عيد الأب أفكّر تلقائيًا في أولئك الذين ليس لديهم أطفال. أفكّر فيهم أيضًا في كلّ مرّة يُقام نشاط عائلي أو مؤتمر عائلات. في الواقع، في الكثير من الأحيان ننظّم أنشطة الكنيسة لتلائم الوالدين والأولاد من ناحية الوقت والتاريخ والمكان وطبيعة الأنشطة نفسها.

في ثقافتنا الشرق أوسطية، لا يلبث المرء أن يتزوّج حتّى تبدأ العائلة والأصدقاء بالسؤال: متّى سنبدأ بمناداتكما ماما وبابا؟ ويبدأ الجميع بمباركة العروسين بالعديد بالبنين والبنات. فبالنسبة للكثيرين وجود الأطفال هو بركة من الله وعدم إنجاب الأطفال يعني غياب البركة.

ككنيسة لا نختلف في هذا الصدد عن المجتمعات حولنا لأنّنا في الكثير من الأحيان تفتقد للحساسية في التعامل مع أولئك الذين ليس لديهم أطفال. وقد يكون هذا ما يختبره الكثير من المتزوّجين إمّا غير القادرين على إنجاب الأطفال أو الذين فقدوا أطفالهم بسبب الموت. وهذا اختبار يشاركهم فيه أيضًا قد غير المتزوجين.

ما ساعدني في التفكير حول موضوع النسل والإنجاب كتاب باري دانيلاك فداء العزوبيّة Redeeming Singlenessالذي شاركني به بعد أن نشرت آنفًا مقالًا في هذه المدوّنة بعنوان لمَ يعمّ الصمت في الكنيسة حول عطيّة العزوبة؟ يقدّم دانيلاك طريقة كتابيّة للتفكير في الأبوّة والبنين ولفهم عدم الإنجاب.

يستهل العهد القديم قصّة الخليقة بتأسيس علاقة بين النسل والبركة. في تكوين 1: 28، يوصي الله الرجل والمرأة أن يُثمرا ويُكثرا ويملآ الأرض. يتبع هذه الوصيّة مباشرة بركة الله لهما.

ننتقل في سردية العهد القديم بعد ذلك إلى إبراهيم الذي وعده الله ببركة وأقام معه عهدًا. من نسل إبراهيم تظهر أممًا وملوكًا ويباركون أمم الأرض، إلى نسله يذهب ميراث الأرض، وبنسله يكون له اسمًا عظيمًا يتردّد عبر العصور. وبالتالي استمرارية البركة مرتبطة باستمرارية النسل.

يصوّر السياق الكتابي أهميّة الإنجاب في ثقافة الشرف والعار. ثمّة العديد من الأمثلة حول الألم الذي نراه في وجه سارة، ورفقة، وحنّة، وأليصابات، وابنة يفتاح، وأخريات لم يكنّ قادرات على الإنجاب. تخبرنا قصصهن الكثير عن ألم النساء من عدم الإنجاب ومكانتهن في الأسرة والمجتمع. نحن نرى ديناميات علاقاتهن الزوجيّة وكيف أساءت أسرهن معاملتهن. على الرغم من أنّنا عادة ما نرى الله “يفتح الرحم” في هذه القصص، إلّا أنّ أيّام عقمهن تخبرنا كثيرًا عن صعوبة الموقف. إلى أيّ مدى يعاني الرجال والنساء الذين لا أطفال لديهم في مجتمعاتنا وكيف تساهم الكنيسة في معاناتهم؟

لغة النسل هذه تعود للظهور في العهد الجديد. يشرح الرسول بولس في رسائله كيف يرتبط موضوع النسل بالمسيح. يلاحظ بولس في غلاطية أنّ الميراث لا يقوم على الناموس بل على الوعد، وبالتالي كان ينتظر النسل الموعود به (3: 18). لقد أُعطي الناموس، في عهد سيناء، كشرط حتّى يأتي النسل الذي قُطع له الوعد، أي المسيح (٣: ١٩). والآن بعد أن جاء المسيح، أصبحنا في المسيح أبناء الله بالإيمان (3: 25-26). وأي شخص في المسيح هو نسل إبراهيم حسب الوعد (3: 29). وهكذا يستنتج بولس أنّه في المسيح، وهو نسل إبراهيم، فإنّنا بالإيمان نصبح ذريّة لإبراهيم وورثة للمواعيد.

يربط بولس بركة إبراهيم بالنسل. في المسيح يسوع، تحلّ بركة إبراهيم حتّى على الأمم بنوال الروح بالإيمان (غلاطية 3: 14). لا بل على عكس ذلك، إذ لا يعني أنّ جميع اليهود هم ذريّة حقيقيّة لإبراهيم، وذلك ببساطة لكونهم من نسله الجسدي بل أبناء الموعد هم الذين يُحسبون ذرية حقيقيّة. وهكذا يؤكد بولس أن نسل إبراهيم الحقيقي الآن ليسوا ذريّة جسديّة على الإطلاق، بل أولئك الذين هم ذريّته الروحية من خلال الإيمان بالمسيح. شعب الله في العهد الجديد كيان روحي أكثر من كونهم كيانًا ماديًا على عكس المفهوم المادي لأمّة إسرائيل في العهد القديم.

بما أنّ شعب الله في العهد الجديد هو كيان روحي وليس جسدي، فإنّ تكاثر شعب الله في العهد الجديد لا يحدث من خلال الإنجاب الجسدي كما في العهد القديم، بل من خلال التجديد الروحي. يوضح يوحنا 3 هذه النقطة في مناقشة يسوع مع نيقوديموس. قال يسوع لنيقوديموس، “إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ” (يوحنا 3: 3). تحدّى يسوع بذلك مفهوم نيقوديموس الفريسي لفرادة شعب الله اليهودي. وبالتالي، فإنّ عمل تجديد الروح وليس الإنجاب الجسدي البشري هو الوسيلة التي يبني الله بواسطتها شعبه في العهد الجديد.

لا يسعى يسوع إلى إضعاف مكانة القيم العائليّة التقليديّة أو تدميرها. لكنّه يعلن أن شيئًا أعظم ستأتي وهي قيم الملكوت. تعني قيم الملكوت أنّه يوجد الآن رابطة جديدة لعائلة الله الروحية والتي تمتد أعمق حتّى من وحدة الأسرة التقليديّة. تثبت الروابط بيننا وبين عائلة الله من خلال المسيح في النهاية أنّها أكبر حتّى من الرابطة التي تجمعنا بأقاربنا الجسديين.

بولس، الرسول الأعزب الذي ليس لديه أطفال، يقدّم لنا مثالاً كيف نكون آباء وأمهات روحيين. يصف بولس علاقته بأهل تسالونيكي على أنّها علاقة أم حنونة ترعى مولودها الجديد (تسالونيكي الأولى 2: 6). في الآية 11 من الإصحاح نفسه، هو، يصف نفسه كأبٍ، يشجّع أتباعه على التفوق في التقوى، ثمّ مؤازرتهم في ضعفهم.

لقد حان الوقت لأن نعيد النظر في وحدتنا المتنوّعة. في عائلة المسيح، سواء كنت عازبًا أو متزوّجًا لديك أطفال أم لا، كبيرًا أو صغيرًا من خلفية مسيحيّة أو غير مسيحيّة، الكلّ واحد في المسيح. لذلك علينا أن نسعى إلى تعزيز هذه الوحدة التي لنا بالروح القدس الذي يربطنا معًا كعائلة. علينا أن نراعي ونهتم بمشاعر بعضنا البعض وأن نكون متعاطفين في معالجة احتياجات الآخرين. واقع العيش من دون بنين وبنات مؤلم بحدّ ذاته ولا يجب أن نزيده ثقلًا بتعليقاتٍ لا تتسم بالحكمة. يجب على الكنيسة إعادة النظر في تفكيرها بشأن عدم الإنجاب والنظر فيه كتابيًا. أحيانًا، ككنائس، ننشر فكرًا يفتقر للحكمة من خلال الأسئلة والتعليقات والأحكام والنكات المهينة التي تجعل النسل الجسدي أساسًا وتهمل روحانية الإنجاب لتنشئة أعضاء في الملكوت. إنّ مراعاة شعور الأعضاء الآخرين يخلق تجانسًا لنعيش معًا كجسدٍ سليم. لهذا نحن مدعوون أن نكون: عائلة واحدة في المسيح.

بما أنّ عائلة المسيح كيان روحي وليس جسدي تتكاثر من خلال التجديد الروحي وليس الإنجاب الجسدي. فهذا يعني أنّنا جميعًا في الجسد يمكننا أن نكون أباء وأمّهات روحيين لدينا أبناء روحيين. يدعونا يسوع في المأمورية العظمى لأنّ نكرز ونتلمّذ وبذلك تمتد عائلته وتتوسّع. التلمذة ليست دروس كتاب وبرامج بل بالحري الاهتمام بتلاميذنا ومحبتهم كآباء لهم. إنّها رعاية تلاميذنا بمحبّة ونعمة لينمو في تشبّههم به. معًا نبني عائلة المسيح. وبذلك نكون جميعًا نسلًا روحيًا لنا ميراث سماوي.

ربيع هو المسؤول عن برنامج شهادة في الخدمة في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة.

اترك رد