فتح آفاق خدمة السلام في الشرق الأوسط: إعلان مؤتمر الشرق الأوسط 2022
سبتمبر 1, 2022
الغمامات الثقافيّة للتلمذة
سبتمبر 15, 2022

هل “آيات شيطانيّة” لسلمان رشدي أكثر “شيطانيّة” من محاولة اغتياله؟ إعادة النظر في قضية رشدي

بقلم مرتان عقّاد

لمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم تولّي قومه عنه وشقّ عليه ما رأى من مباعدتهم عمّا جاءهم به، تمنّى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب به بينه وبين قومه، وذلك لحرصه على إيمانهم، فجلس ذات يوم في نادٍ من أندية قريش كثير أهله، وأحبّ يومئذ أن لا يأتيه من الله تعالى شيء ينفر عنه، وتمنّى ذلك، فأنزل الله تعالى سورة – والنجم إذا هوى – فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى بلغ – أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى – ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه وتمنّاه، تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا.

هذه ليست الأسطر الافتتاحيّة لرواية سلمان رشدي، “آيات شيطانيّة”، التي استدعت فتوى آية الله الخميني التي دعا فيها إلى قتل رشدي وبالتالي محاولة اغتياله الشهر الماضي. إنّها كلمات أبي الحسن علي الواحدي (1075 ه)، الناقل الأكثر احترامًا وموثوقية للأحاديث التي يسميها علماء المسلمين بأسباب النزول، حيث يحاول شرح السياق التاريخي لوحي سورة الحج 22 :52. تنصّ الآية المذكورة على ما يلي:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

تُدخل سورة الحج 22 :52 في القرآن إمكانيّة أنّ الله يمكن أن “ينسخ” (بمعنى: “يغيّر أو يصحّح أو يستبدل) آية نزلت سابقًا – أو في هذه الحالة تُلوت خطأً – بواسطة نبيه. عندما فكّر مفسرو القرآن الأوائل في هذه الظاهرة المثيرة للفضول والمحيّرة إلى حدّ ما التي نشأت في القرآن، توصّلوا إلى تفسيرات مختلفة حول كيفية حدوث تغيير على هذا النحو في الوحي. ومن بين هذه التفسيرات، اقتراح الواحدي بأنّ الله قد يبدّل في وقت لاحق جزءًا من الآية ربّما يكون الشيطان قد أدخله في الوحي بصورة ضارّة.

وفقًا للواحيدي، عندما تلا نبي الإسلام لأوّل مرّة نزول سورة 53، همس له الشيطان بالكلمات التي أكدّت دور ثلاث آلهة عربيّة قديمة كشفاعات عند الله في نهاية الآية 20. وهذا أسعد عشيرة محمد، قريش، لدرجة أنّه ترك الأمر يمر بعد أن زلق لسانه:

وقد سرّ قريش ما سمعوا وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق لكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإن جعل لها محمدا نصيبا فنحن معه” (الواحدي، أسباب النزول).

لكن وفقًا لهذا التقليد، في ذلك المساء نفسه، تدخّل الملاك جبرائيل، ووبخ محمدًا، ونسخ الخطأ، وكشف الآن عن النسخة “الصحيحة” من الآيات التي تلت ذلك، في الآية 23:

إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى.

أثار هذا النسخ غضب قريش فقالوا: “ندم محمد عليه الصلاة والسلام على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله.” ووفقًا “ازدادوا شرًّا عمّا كانوا عليه.”

ما “الشيطاني” إذًا في رواية سلمان رشدي الخيالية الصادرة عام 1988 “آيات شيطانية”، إذا كانت الفكرة نفسها مترسخة آنفًا في أدب الإسلام منذ نشأته؟ ما الذي يبرّر غضب العالم الإسلامي في تفسير رشدي لهذا التقليد الجليل، وهل من داعٍ لفتوى القتل التي أصدرها آية الله الخميني في إيران عام 1989؟ في المقام الأوّل، لا شكّ في أنّ معظمهم لم يقرأوا روايته ويتصرفون فقط كجماعة محتقنة.

بالنسبة لأولئك الذين قرأوا، سيجدون أنّ رشدي يستخدم التهكم، من خلال رؤى خياليّة – وبصراحة تامّة – وعدم وقار عميق للأديان – جميع الأديان، لمعالجة العذابات والتحديات التي يواجهها المهاجرون مثله في عالم ما بعد الاستعمار. تروي إحدى الرؤى شبه السحرية في الرواية قصّة فتاة قروية تقود مجتمعها إلى رحلة حج عبر بحر العرب. على الرغم من أنّ البعض قد أشار إلى أنّ هذه الرواية تمت صياغتها على غرار قضية خليج هوكس عام 1983 للقروي الباكستاني نسيم فاطمة، فإنّها تحمل في طيّاتها أيضًا صدى قوي لخروج موسى عبر البحر الأحمر. تنتهي الرحلة بالغرق الكارثي لشعبها، على الرغم من أنّ بعض الشهادات زعمت أنّهم نجحوا في عبور البحر بأعجوبة. الرواية تربك المؤمنون الدينيون لأنّها تطرح المعجزة في مكان ما بين الواقع والمرض العقلي.

وعلى عكس التعليقات الساخرة التي قرأتها، عقب محاولة اغتيال رشدي، من قبل المدافعين عن الأديان الذين يصفون العمل بأنّه “عمل بهلواني” من قبل روائي يبحث عن الشهرة، يجب أن نتذكّر أنّه في عام 1981، كانت الرواية الثانية لرشدي، أطفال منتصف الليل التي فازت بجائزة بوكر. في عام 1983 انتخب زميلاً للجمعية الملكيّة للآداب. وبالتالي لم يكن رشدي بحاجة إلى هذه الشهرة الإضافية.

أتصارع عندما أقرأ سلمان رشدي، ليس فقط آياته الشيطانية ولكن أيضًا الغضب (2001) شليمار والمهرّج  (2005). رواياته لا تراعي أطر الوقار عامةً، ومتمرّدة ضدّ الاستبداد، وتنتقد ما بعد الاستعمار للدولة القومية. يفكّك رشدي الهياكل الاجتماعية التي تشكّل نقاط مرجعية مطمئنة لنا. كتاباته مزعجة – ويمكنني أن أضيف – أنّها صحيّة لأولئك الذين يميلون إلى مبايعة الانتصار الديني والسياسي.

يجب أن تنضج الأديان! وإلّا فهي ليست أكثر من مجرّد أيديولوجيات سياسيّة أو اجتماعيّة اقتصاديّة. لا علاقة للدين غير الناضج بإله نسمّيه الخالق المبدع لكوننا الزاهي بالألوان. ينطبق مصطلح “غير تقي” على رشدي؛ لكنّه ينطبق بالقدر نفسه – بل وأكثر – على أسقف مسيحي يحظر فيلمًا لتصويره يسوع على أنّه يحبّ النساء أو فرقة موسيقى روك تسخر من أيقونة مريم العذراء. إنّه ينطبق على الهندوس عندما ينتقدون سياسيًا لأنّه يسخر من كريشنا. ألا ينبغي أن ينطبق أيضًا على مسلم ينفّذ فتوى عمرها 33 عامًا في محاولة لإرهاق حياة روائي؟ وكل هذا باسم كاتب الحياة!

مرتان هو أستاذ مشارك في الدراسات الإسلاميّة في كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة وأستاذ في موديول الإسلام في الشرق الأوسط في برنامج الماجستير في العلوم الدينيّة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

اترك رد