هل “آيات شيطانيّة” لسلمان رشدي أكثر “شيطانيّة” من محاولة اغتياله؟ إعادة النظر في قضية رشدي
سبتمبر 8, 2022
عزيزتي المرأة، لديك مشكلة. مع خالص التقدير، الرجل
سبتمبر 22, 2022

الغمامات الثقافيّة للتلمذة

بقلم مايك كون

في متى 16، أعلن بطرس أنّ يسوع هو “المسيح ابن الله الحي”. أجاب يسوع مؤكدًا، وقلّما نسمع تأكيدًا كهذا من شفتيه.

“وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ.” (متى 16: 18-19)

في المشهد التالي لإنجيل متى، يتنبّأ يسوع بآلامه في أورشليم ما استدعى انتهار بطرس له، “حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هذَا!”. انقلب ردّ يسوع عندها 180 درجة!

“اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ”. (متى 16: 23)

في الفقرة السابقة، بطرس كان الصخرة التي ستُبنى عليها الكنيسة. كيف أصبح بين لحظة وضحاها “الشيطان”؟ مُنِح بطرس سلطانًا هائلًا ليحلّ ويربط على الأرض وفي السماء. فكره الآن مركّز على اهتمامات الإنسان لا الله. أعطي مفاتيح ملكوت السماوات. وهو الآن هو يدفع يسوع للتراجع – يعيقه!

يرتّب متّى القصّتين في تتابع واحد تلو الآخر وكأنّه يحثّنا على طرح السؤال “لماذا؟” ما هو الشيء الذي أفسد تلمذة بطرس لدرجة أنّ يسوع نفسه أشار إليه على أنّه شيطان؟

قد تبدو الإجابة واضحة. لم يكن بطرس مستعدًا لمسيح متألّم. لا بأس، لكنّني أرغب في المضي قدمًا في ذلك.

لم يكن انتهار بطرس ليسوع مجرّد رغبة خاطئة لتجنب الألم. بل كان أكثر من ذلك بكثير. لقد كان نتاجًا للسردية الثقافية التي تشرّبها بطرس منذ طفولته – جلسات المجمع، ومناقشات معلّمي الشريعة وذلك التوقّع العام بأنّ المسيح سوف يحرّر إسرائيل ويعيد تأسيس مملكة داود. أرست هذه السرديّة حدود الواقع المتوقّع، وحصرت توقعات بطرس في نصّ ثقافي مبتذل. لا يمكن أن يكون المسيّا متألمًا. شعر بطرس أنّ من واجبه أن ينتهر يسوع أنّه كان في مرتبة العظمة، والشهرة، والنصر وهو ماضٍ ليحرّر إسرائيل. ما نراه بوضوح شديد في إدراكنا الحاضر بعد حدوث القصّة لم يكن في مخيلة بطرس – أنّ موت يسوع الكفّاري سيؤسس مملكة كونيّة تضمّ الشعوب من جميع الأعراق، وأن قيامته ستضمن النصر، ليس على الظلم الروماني، بل على الهيمنة القمعية للخطيئة والموت على البشريّة، لا بل على كلّ الخليقة.

ببساطة، استطاع يسوع أن يرى ما لم يستطع بطرس رؤيته لأن ثقافة بطرس (نشأته وشبكته الاجتماعية وتعليمه) جعلته يرى شيئًا آخر.

ما الذي حتّمت علينا ثقافتنا رؤيته؟

لم يكن بطرس وحده هو الذي اضطر إلى إزالة غماماته الثقافية بواسطة يسوع. بل نحن أيضًا. على الرغم من أنّ ثقافاتنا تقدّم لنا الكثير من الأمور الجيّدة، إلا أنّها ترسي أيضًا حدود المعقولية لدينا، ما يحدّ من أفق توقعاتنا. كما حدث مع بطرس، يكاد يكون من المستحيل أن ما وراء حدود الثقافة. ومع ذلك، يجب علينا جميعًا كأتباع ليسوع أن نزيل الغمامات.

توبيخ يسوع الشديد لبطرس يعني أنّ الجدل بات جديًّا. لا بدّ من أن يزيل بطرس الغمامات الثقافية. يجب أن يتعلّم كيف يرى الأمور بعيني يسوع، متجاوزًا الحدود التي رسمتها ثقافته. إن اتباع يسوع يعيد تشكيل هوية بطرس الثقافية. نعم، سيبقى عبري العرق واللغة، لكنّه سيكون عبرانيًا مختلفًا. سوف تتحوّل شخصيّته الجوهريّة ليصبح لديه “هويّة في المسيح”. ستكون توقعاته متجذرة في ملكوت مختلف. سيتم إعادة رسم حدود معقولية الواقع بالكامل. سيتعلّم في نهاية المطاف أنّ السامريين والرومان هم إخوته وأخواته، وأنّ جميع الأطعمة طاهرة، وأنّ ملكوت يسوع شمولي.

إذًا ما هي الغمامات في ثقافتي؟

من وجهة نظري الحاليّة في الولايات المتّحدة، غالبًا ما أدهشني حقيقة أن مسيحيي الأجيال السابقة لم يتمكنوا من رؤية الشر الواضح للعبوديّة، على سبيل المثال، أو تهجير السكان الأصليين. تتحوّل دهشتي إلى صدمة عندما أعلم أنهم غالبًا ما يجدون مبررًا لمواقفهم في صفحات الكتاب المقدس، يقرؤون الكتاب من خلال عدسات سردهم الثقافي وتفضيلاتهم.

ليس هناك شك في أنّ الأجيال القادمة سوف تنظر إلى جيلي، مصدومة من عدم رغبتنا في مواجهة ميولنا الهادف لإرضاء أنفسنا. أفكّر في رأسمالية المستهلك الجامحة التي تدفع محرّكنا الاقتصادي، وموقفنا السياسي للتهرب من تحمّل مسؤولية العنف في شوارعنا، وعبادتنا الموجّهة للترفيه مع فشلنا في خدمة فقراء مجتمعاتنا، وتحيزنا السياسي الذي يتنكّر في شكل إنجيل أخلاقي. أفكّر بالآلاف الذين يفرّون من العنف والفقر المدقع بينما نصّر نحن على عدم التنازل عن حقوقنا. أفكّر في إدماننا على وسائل التواصل الاجتماعي ضد عدم رغبتنا في تهدئة أرواحنا في اعتماد متواضع على الله. ومع ذلك، فإنّ الحقيقة المؤلمة هي أنّني قد لا أكون أكثر وعيًا بغماماتي الثقافية من شخص آخر.

ماذا الذي يمكن فعله؟ كيف نبدأ في تنحية غماماتنا الثقافيّة؟

فيما يلي خطوتان ساعدتاني. ثمة المزيد، لكن هاتين هما الخطوتان الأساسيتان. 1) الإصغاء للكلمة و2) الإصغاء لمن حولنا.

أولاً، الإصغاء للكلمة. ابدأ بقصة بطرس. هل صحيح أنّ ثقافة بطرس أعمته عن دعوة المسيح؟ تم تقديم هذه القصة إلينا، ليس لتفاجئنا بتغيير نبرة يسوع، ولكن لتغيير حياتنا بينما نلاحظ تلمذة يسوع لبطرس. لم يكن بطرس مختلفًا تمامًا عنا. قصته لفائدتنا. إذا حجبت ثقافة بطرس تلمذته، فلا ينبغي أن نتوقّع أقل من ذلك من ثقافتنا. لذا فإن فتح قلبي على كلمة الله، ودعوة الروح القدس ليعلمّني ويغيّرني هي الخطوة الأولى.

ثانيًا، الإصغاء لمن حولنا. من الضروري أن نستمع إلى التلاميذ الذين لديهم وجهة نظر مختلفة عنّا. من خلال التقوقع مع مجموعة الأشخاص الذين يشبهوننا، نقوم بإنشاء غرفة صدى حيث نسمع بالضبط ما نتوقّع سماعه بحيث يتم إثبات افتراضاتنا المسبقة إلى ما لا نهاية. إنّ رؤية القضايا من منظور الإخوة والأخوات من ثقافة أو طبقة اجتماعية مختلفة أمر حيوي. إنّها الطريقة الوحيدة التي أعرفها للخروج من ثقافتي والنظر إليها من منظور آخر. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، أعتقد أنّه من الهم بمكان ما أن يستمع المسيحيّون البيض بعناية إلى المسيحيين الأمريكيين من أصل أفريقي والأمريكيين الأصليين والمهاجرين. وينطبق الأمر نفسه على الشرق الأوسط. يمكن للبنانيين والأردنيين والمصريين أن يتعلّموا الكثير من خلال الاستماع بعناية إلى مؤمنين من خارج حدودهم. يسمح لنا النزوح الأخير بسبب الحرب والمعاناة بالاستماع بتعاطف إلى الإخوة والأخوات من سوريا والسودان وفلسطين والعراق والعديد من القبائل واللغات الأخرى. يجب أن نستمع أيضًا إلى أولئك الذين لا يُعرّفون أنفسهم كمسيحيين لفهم وجهة نظرهم وكيف يُنظر إلينا من خارج المجموعة التي تشبهنا.

قد يكون التخلص من الغمامات الثقافية عملية طويلة ومؤلمة. تتطلّب التواضع … الشرط الأساسي لكلّ تغيير شخصي. يمكن أن يكون بطرس مثالنا. سمح لنفسه برؤية العالم بصورة مختلفة ووجد نفسه يستخدم هذه المفاتيح لفتح ملكوت يسوع أمام الناس من جميع الثقافات والخلفيات.

مايك هو كاتب ومعلّم مسيحي قضى معظم حياته في سن الرشد في الشرق الأوسط ويعيش الآن في الولايات المتّحدة. يستكشف كتابه الأخير،In Quest of the Rock: Peter’s Transformative Journey with Jesus، العديد من أبعاد تلمذة يسوع لبطرس.

اترك رد