بقلم برنت حمود
عزيزتي المرأة،
أنا الرجل. أكتب إليكن لإبلاغكن بمشكلة خطيرة للغاية. سواء اعترفتت بذلك أم لا، فأنتن الجاني الرئيس في أزمة حادة تعقّد مفهوم الشخص وشعوره بالمكان والانتماء في هذا العالم. يا امرأة، أنتِ سبب مشكلة الجنسية.
هذه الرسالة ليست خفيفة وسهلة، ولكن هل يمكن تقديم الحقائق القاسية بهدوء؟ من فضلكن انتبهن جيّدًا. ثمة فوضى نعانيها أكبر من تزعجن أنفسكن لإدراكها حتّى، وأصلّي بأمانة أن أستخدم الحكمة التي لي من الله لفضح ظلام جهلكن ورفع مستوى الإدراك حول مأزق إنساني.
في بلدان مثل لبنان وسوريا والأردن والكويت والعديد من البلدان القومية الأخرى، أنتم النساء لا تعطون الجنسيّة لأطفالكن. هذا أمر مقلق للغاية. لا يتفق إطلاقًا مع طبيعتكن! تبذل الأمهات الكثير من الجهد من أجل حمل الأطفال لأشهر متعبة جدًا، وتتحملن آلام المخاض، وإرضاع الأطفال برفق طوال ساعات اليوم. يجب الإشادة بهذه البطولة الإنجابية – فهي في الواقع ضرورية لتقوى المرأة – ولكن كل شيء يقوضه عدم رغبتكن في إنجاب الجنسية.
هل تدركين يا أختي ماذا تفعلين في كلّ مرّة لا تعطين فيها الجنسية لأولادك؟ ألا ترين كيف يمكن لإهمالك أن يترك أطفالنا ضحية في حياة مليئة بالتعقيدات والإحراج وحتّى القهر؟
الجنسية ضروريّة للغاية. إنّها تُخبر العالم من نحن وأين ننتمي. تؤثّر مشاكل الجنسية على جميع مجالات الحياة وتضرب في صميم ما يعنيه أن تكون إنسانًا.
ويرجى عدم محاولة الادعاء بأنّ هذه مشكلة فقط لبعض النساء في بعض البلدان. يجب ألا يُستهان بقيمة التضامن أبدًا! أليس نقص المرأة في مكان ما نقصًا في المرأة في كلّ مكان؟
سيدتي، ركّزي جيدًا لأنّ ما سأقوم بتوصيله في هذه الرسالة تقني للغاية. لا أقصد إثقال كاهلك، لكن يجب أن أنقل خطورة الموقف الذي نحن بصدده. نحن نتعامل مع مسألة تبعية، وأي جهد إضافي يمكنك حشده لزيادة فهمك لهذا الموقف هو أمر أساسي.
كما ترون، نحن نعيش في نظام دولة قومية وهذا المشروع العالمي بأكمله يعتمد على التحديد الفعال للدول الإقليمية وتعيين الأفراد في أماكنهم المناسبة. يتم تحقيق ذلك من خلال الجنسيّة، وهي الفئة القانونية التي تحدّد الانتماء الرسمي إلى دولة قومية. إنّها الأمر الرسمي الذي يسمح لأيّ شخص أن يكون شخصًا. عندما تكون مواطنًا، يمكنك الإقامة على نحوٍ دائم، والعمل بحرية، والانخراط في السياسة، والتنقل بحريّة، والعيش بأمان في بلد يمكن حقًا تسميته بالبلد الأم. إذا لم تكن مواطنًا في مكانك، فأنت أجنبي، والأجانب مخلوقات غريبة. إنّهم موجودون لكنّهم لا ينتمون. لهذا فإنّ نقل الجنسية يعدّ مسؤولية أبوية بالغة الأهمية. عندما تفشل في جعل أطفالك مواطنين، فإنك تنجح في جعلهم أجانب فقط.
سيكون الوضع مختلفًا تمامًا إذا تولت الدول القوميّة مسؤولية “تجنيس” أيّ شخص يولد داخل حدودها. للأسف، ثمة بضع عشرات من الدول فقط التي تسنّ قوانين المواطنة بحقّ المولد. عندما يتعلّق الأمر بالجنسيّة، فإنّ العالم يهتّم بالدمّ أكثر من التربة. أناشدكن يا نساء أن تهتمين أكثر بكثير أيضًا!
إن تقصيركن يقودني إلى أن أشكر الله أكثر على الرجال. إنّ فشل المرأة في نقل الجنسية يعني أنّ على الآباء تحمّل عبء تأمين الانتماء القومي لأطفالهم. دعونا نقدّر دائمًا وقوف الرجال في كثير من الأحيان بمفردهم في فجوات الجنسية لضمان الاعتراف الكامل بالأجيال القادمة كأشخاص. عندما تكون سلالات جنسية المرأة ضعيفة، تكون سلالات الرجل أقوى!
لكنّي أحذركِ من المبالغة في الثقة بقدرة الرجل على منح الجنسيّة. ماذا يحدث في تلك الحالات المؤسفة عندما لا يستطيع الآباء، لأيّ سبب كان، منح الجنسية لأولادهم؟ هل فكرتِ في المخاطر الكامنة ضدّ أطفالك الأبرياء عندما ترفضين المساواة في إتمام التزامات الوالدين مع الرجل؟ هذا يعني أنّ بناتك وأبنائك يخاطرون بفقدان الجنسية ومعاناة كابوس كتمان القيد. فقط تخيّلي كم ستكون الحياة بائسة إذا استيقظتِ غدًا بدون أوراق ثبوتية كهويّة أو جواز سفر يعلن أنّ لديك جنسيةّ. أمر هائل جدًا، أليس كذلك؟ هل تريدين أن يستيقظ طفلك في يوم ولادته بدون جنسيّة؟
أعلم أنّ هذه المحادثة ثقيلة فعلًا، لكن لا يمكنني التغاضي عن عدم شعورك بالفخر الوطني ما يتسبّب في محنة الهويّة هذه. وطنيتك يا عزيزتي ميؤوس منها. إذا كنت لا تعطين بلدك لأطفالك، فكيف يمكنك حتّى أن تدّعي أنّك تحبين بلدك – أو أطفالك؟ هل دستُ على الوتر الحسّاس الآن؟ قد أعتذر عن قساوتي ولكن هذا سيتطلّب الاعتراف بأنّني لست على صواب، وهذا ببساطة ليس صحيحًا.
قبل أن تغضبي منّي، يرجى العلم أنّ حقوق الإنسان الدوليّة تؤكّد تمامًا قلقي بشأن حق كلّ شخص في الحصول على جنسيّة وإصراري على أنّه يجب عليكِ نقل الجنسية إلى أطفالك، تمامًا مثل الرجال. نحن نتعامل هنا مع مسائل دنيوية ذات مستوى عالٍ من الحقوق والقوانين، وأبعادها أعلى من ذلك بكثير.
دعونا نرى كيف يتعامل الكتاب المقدس مع إهمال الجنسيّة. (أنتِ تهتمين بما يقوله الكتاب المقدّس، أليس كذلك؟) من بدايته في جنّة عدن حتّى نهايته في الخليقة الجديدة، يعلن الكتاب المقدّس أنّ من الجيّد للناس ينتموا إلى أماكنهم ومجتمعاتهم. وأي اختبار خارج هذا الإطار يعني أن تصبح غريبًا، أجنبيًا، لا وطنيًا. كما تعلمين، يا ابنة حوّاء، فإنّ هذه الاستثناءات هي نتيجة مباشرة للخطيئة.
اسمحوا لي أن أتعمّق أكثر لأنّ الكتاب المقدّس مهدّف بشكل مثير للفضول بشأن استخدام النساء لإظهار مدى خطورة أزمتنا في عدم الانتماء. من المؤكّد أنّكِ فكرتِ في الطرق التي شهدت بها هاجر، وراعوث، وأستير، وأخريات القلق الناتج عنم وجودهن في ظروف “خارج أماكنهن”. اقرأن قصصهن مرّة أخرى وانظرن إلى صراعهن الشديد على هامش “أنظمتهن” وإلى أي مدى يعمل الله في حيلتهن لإيصالهن إلى أمان الانتماء. كيف يمكنكِ أن تنظري إلى هؤلاء المؤمنات ثم تتساهلين مع عالم يمكنك فيه، كامرأة ، أن تلقي بالأطفال في البرية والنفي عن طريق حرمانهم من جنسيتك؟ هذه ليست مجرد معضلة للأطفال والدول القوميّة، إنّها مسألة إيمان!
إنّها أزمة مزعجة. أخشى أن تكون هناك لحظات أنزلق إلى نوع من الضعف العقلي حيث يقودني الازدراء الصالح إلى التساؤل عمّا إذا كان هناك شيء آخر يحدث هنا، شيء أكثر … شيء شرير. قد لا يكون إهمالك الجنسيّة هو القصّة الكاملة. هل المشكلة أقرب بكثير إلينا ممّا نعتقد؟ هل الرجال في الواقع هم المذنبون الذين يُخضعون النساء لجنسية من الدرجة الثانية من خلال إنكار حقوقهن الإنسانية وارتكاب التمييز العنصر بحقهن كنساء؟ هل يمكن أن تكون هيكليات الجنسية متجذرة في محاولات الذكور لانتهاك حقوق النساء مؤسسياً، وإخفاء اضطراباتهم النفسية، ودعم بعض مظاهر النظام الأبوي؟ هل الدولة القومية والجنسية مجرد محاولة أخرى للتأكد من أنّ الأرض ستظلّ عالم الرجل؟ يا امرأة، هل يمكن أن تكون مشكلة جنسيتك هي في الواقع … أنا؟
يا عزيزتي، لماذا أسمح لنفسي حتّى بالتمتع بمثل هذه الأفكار السخيفة! بالتأكيد، إنّه أحد أعراض التوتّر الذي يجب أن أتحمله أثناء مواجهة إخفاقاتك الجنسية الفادحة. لا يهدأ قلبي وعقلي إلّا بتذكّر وفاء الرجل النبيل بالتزامات الجنسيّة تجاه نسلنا الغالي. عسى أن تقوّي مشكلة جنسيتك، يا امرأة، تكاثر سلالات حاملي الجنسية القومية عن طريق المجهود الذي يبذله الرجال ومن أجل مجد الله!
أتوق ليوم تكون فيه هذه الرسالة مجرد قطعة أثرية من حقبة ماضية. هل أنتِ كذلك؟ كم سيكون رائعًا أن نشارك عالمنا كبشر يقفون على أرضية متساوية من ناحية الجنسيّة! سارعي حلول هذا اليوم يا أختي! الرجل ينتظرك على قمم جبال الجنسية! انضمي إلينا قبل فوات الأوان.
تفضلوا بقبول فائق احترامي،
الرجل، مواطن كامل
برنت هو المسؤول عن برنامج الماجستير في الأديان. زوجته الرائعة لبنانيّة ولكن أولادهم ليسوا لبنانيين.