أحمال لا نتركها وراءنا وإن رحلنا: تأمّلات على هجرة الشباب اللبناني
يناير 19, 2023
دعونا نواصل الحديث: الكتاب المقدّس العربي بترجمة البستاني – فان ديك والحوار حول عقيدة العصمة
فبراير 16, 2023

بيتٌ منقسمٌ على بيتٍ يسقط

بقلم إيلي حدّاد

علّم يسوع تلاميذه مبدأً هامًا في لوقا 11 :17: “كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تَخْرَبُ، وَبَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى بَيْتٍ يَسْقُطُ.”. في الآية التالية، طبّق يسوع هذا المبدأ على الشيطان: “فَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا يَنْقَسِمُ عَلَى ذَاتِهِ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ؟” نرى قي سياق هذا المقطع الكتابي ادعاء بعض الناس أنّ يسوع كان يطرد الشياطين على يد بعلزبول، رئيس الشياطين. هل ينطبق هذا المبدأ عينه في حالات أخرى؟ هل ينطبق هذا المبدأ الذي يعلّمه يسوع على الكنيسة أيضًا؟ هل يمكننا التعامل مع هذا البيان كتحذير، أو حتّى كنبوءة، إذا لم نهتم بتعاليم يسوع؟

إنّني منزعج من الانقسامات المتزايدة التي نشهدها عالميًا في الكنيسة اليوم، والانقسامات التي تحرّكها السياسة، والعقيدة، والممارسات، ونظام الحكم الطائفي، وديناميكيات القوة، والتفسير المختلف للكتاب المقدّس، أو وجهات النظر العالميّة المتضاربة. ماذا سنفعل بهذه الاختلافات؟ كيف يمكننا حلّها أو إدارتها؟ أدرك أن هذه ليست مشكلة جديدة وقد قيل وكتب الكثير عن هذا الموضوع. علاوة على ذلك، من المستحيل معالجة هذا الموضوع بالكامل في نطاق منشور مدوّنة. هدفي هنا هو ببساطة التفكير في بعض المبادئ الكتابيّة وتقديم بعض الأفكار للتفكير فيها.

بادئ ذي بدء، فيما أعالج في هذه المدوّنة جانبًا سلبيًا من حياة الكنيسة، لا أريد أن أغفل عن الحقيقة بأنّ يسوع ينمّي كنيسته ويقودها نحو مرحلة النضج في جميع أنحاء العالم. ثمّة أمثلة جميلة للكنيسة كشاهدة أمينة للمسيح في أماكن صعبة في العالم. لقد عدت للتو من رحلةٍ إلى السودان. أعود دائمًا من هذه الرحلات بإلهام وتشجيع. أن نرى كيفية استخدام الله للكنيسة لجذب الناس إليه وتشكيل المجتمعات هو لمشهد رائع دائمًا.

بالإضافة إلى جميع المقاطع المألوفة عن الوحدة، فإنّ العهد الجديد مليء بصور كيفية التصرّف كجسد المسيح. من المؤكد أنّ العهد الجديد يسمح بالخلافات والانقسامات الضروريّة. هذا أمر متوقّع في عالم ساقط. ومع ذلك، فقد بات من السهل جدًا علينا الاختلاف والانقسام على الرغم من الوصيّة الواضحة للوحدة الواردة في الكتاب المقدّس.

في المقام الأوّل، يجب أن نستلهم من الثالوث. تعمل أقانيم الثالوث الثلاثة دائمًا معًا في وئام تام. بما أنّنا خُلقنا على صورة الله المثلّث الأقانيم فإنّ العمل معًا في وئام يجب أن يكون هو المعيار.

هناك صورة جسد المسيح، حيث نحن جميعًا أعضاء مترابطين على الرغم من اختلافاتنا. لا يتحدّث العهد الجديد أبدًا عن أجساد المسيح. إنّه دائمًا بصيغة المفرد، جسد المسيح. يحتاج أعضاء الجسد نفسه، بغضّ النظر عن اختلافاتهم، إلى معرفة كيفية العمل معًا في وئام. كلّ ما هو أقل من ذلك هو علامة على وجود جسم مريض واختلال وظيفي.

يقدّم لنا العهد الجديد مفاتيح حول كيفية عمل أعضاء جسد المسيح معًا. أحد المفاهيم هو مفهوم بعضكم البعض. يستخدم كتّاب العهد الجديد، ولا سيّما بولس، الضمير اليوناني المتبادل allelon، الذي يُترجم بعضكم البعض بصورة متكرّرة، نحو 100 مرّة، على الرغم من أنّ البحث المعجمي عن هذا الضمير في الأدب اليوناني في ذلك الوقت يشير إلى أنّه لم يكن شائع الاستخدام. نحب بعضنا البعض، نكرم بعضنا البعض، نقبل بعضنا البعض، نخدم بعضنا البعض، نحمل بعضنا البعض، نتسامح مع بعضنا البعض، نقدّر بعضنا البعض، نشجّع بعضنا البعض، وما إلى ذلك. هذا المفهوم في حدّ ذاته، عندما يؤخذ على محمل الجد، يمكن أن يغيّر طريقة عملنا في جسد المسيح.

ثمة مفتاح آخر في العهد الجديد لكيفية العيش في وحدة وهو مفهوم الشركة، koinonia في اليونانيّة. نحن معتادون على التفكير في الشركة كأعضاء في كنائسنا، نشبه بعضنا البعض ويصادف أنّنا نحب بعضنا البعض، ونقضي الوقت في الأكل أو الشرب أو نقضي وقتًا ممتعًا معًا .غير أنّ كثيرًا ما يُستخدم هذا المصطلح في العهد الجديد في سياق الخدمة، مثل “لِسَبَبِ مُشَارَكَتِكُمْ فِي الإِنْجِيلِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إِلَى الآنَ” (فيلبي 1: 5). تستخدم بعض الترجمات مصطلح شراكة لـ koinonia. تحقّق Koinonia عندما كأعضاء في جسد المسيح ننخرط في الخدمة معًا.

وعلى المنوال نفسه، فإنّ مفهوم المحبّة يوجّهنا في كيفية عيش الوحدة. كثيرًا ما يُستخدم الفصل الخاص بالمحبّة، كورنثوس الأولى 13، في حفلات الزفاف لتعليم الحب الزوجي. إلّا أنّ هذا الفصل عن المحبّة يتموضع ما بين 1 كورنثوس 12 و1 كورنثوس 14، وكلاهما يناقش مختلف أعضاء جسد المسيح وأدوارهم ومواهبهم. المحبّة التي نقرأ عنها في كورنثوس الأولى 13 مُتوقّع منّا ممارستها تجاه بعضنا البعض في سياق حياة الكنيسة وخدمتها. إنّ أخذ الشركة والمحبّة على محمل الجد كمتطلبين للقيام بالخدمة معًا يمكن أن يغيّر بصورة كبير الطريقة التي نتصرّف بها في جسد المسيح.

أظهرنا آنفًا أنّ جسد المسيح هو دائمًا بصيغة المفرد. كذلك يقوم بولس باختيارات نحويّة دقيقة أخرى لإعطائنا المزيد من المفاتيح حول كيفية العمل معًا ضمن الجسد. أحد الأمثلة على ذلك هو رومية 12: 1-2.

فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ (صيغة الجمع) أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ (صيغة الجمع) ذَبِيحَةً (صيغة المفرد) حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. وَلاَ تُشَاكِلُوا (صيغة الجمع) هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا (صيغة الجمع) عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ الذهن (صيغة المفرد)، لِتَخْتَبِرُوا (صيغة الجمع) مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ (صيغة المفرد) الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.

يخاطب بولس المجتمع هنا غير أنّه يشير إلى ذبيحة واحدة، وذهن واحد، ومشيئة واحدة لله. هذا استخدام رائع لقواعد النحو من قبل بولس. ثمة مثال آخر في كورنثوس الثانية 3: 2-3.

أَنْتُمْ (صيغة الجمع) رِسَالَتُنَا (صيغة المفرد)، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ. ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ (صيغة الجمع) رِسَالَةُ (صيغة المفرد) الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ.

نرى هنا مرّة أخرى، أنّ جماعة الكنسية يقدّمون رسالة واحدة من المسيح. فالقضيّة هي ليست أنّ كلّ مجموعة يمكن أن يكون لها رسالتها الخاصة. ثمّة رسالة واحدة من المسيح والمجتمع الكنسي المتنوّع كلّه مدعو لتقديمها إلى العالم. يا لها من صور قويّة يستخدمها بولس هنا.

ما استنتجته من دراسة هذه المقاطع في العهد الجديد هو أنّ العمل معًا في وحدة ليس أمرًا اختياريًا. العمل معًا هو جوهر إيماننا. إنّها مسألة طاعة. من الواضح أنّها إرادة الله. إنّها أيضًا مسألة استقامة؛ إنّها الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها أن نكون صادقين وحقيقيين مع طبيعة جسد المسيح.

صحيح أنّ هناك حالات استثنائية تتطلب الخلاف والانقسام، ولكن لماذا أصبح الاستثناء قاعدة؟ لماذا أصبح من السهل إدانة أو تخوين أو شيطنة بعضنا البعض؟ لماذا أصبح إطلاق التسميات على بعضنا البعض وتصنيف بعضنا البعض ممارسة نموذجيّة؟ هل ما نقدّره أصبح أكثر أهمية ممّا يقدّره الله؟ ألم نتعلّم بعد أن تصرّفاتنا تقسم جسد المسيح؟ لماذا ما زلنا بعضًا لبولس وبعضنا لأبلوس؟ ستظل إجابة بولس لنا اليوم هي: “هل انقسم المسيح؟” (1 كورنثوس 1: 12-13).

ما أودّ اقتراحه هنا هو أنّنا بحاجة إلى فحص سلوكنا قبل أن نلوم الآخرين، وأن نتوب عن انقساماتنا وتشويهنا لصورة المسيح. أقترح أنّنا بحاجة إلى العودة إلى الكتاب المقدس. لقد زوّدنا الله بالعديد من الأدوات لمواجهة عمل الشيطان المسبّب للانقسام. أقترح أن نبدي الرحمة لبعضنا البعض، وألا نتوقّف أبدًا عن احترام بعضنا البعض والاستماع إلى بعضنا البعض. أقترح أن نصلي بصدق، وأن نثق في الله بإدارة كنيسته. في نهاية المطاف، ثمة طريقة واحدة مقبولة للتواصل مع بعضنا البعض، وهي طريقة الله. الرهانات عالية. “كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تَخْرَبُ.”

إيلي هو رئيس كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة وهو مفتون بعمل الروح القدس ويرفض عمل الجسد في الكنيسة ومن خلالها.

اترك رد