دعونا نواصل الحديث: الكتاب المقدّس العربي بترجمة البستاني – فان ديك والحوار حول عقيدة العصمة
فبراير 16, 2023
دور الأمثال في إعادة سرد قصّة الكتاب المقدّس
مارس 16, 2023

تفكيك النهج الإعلاني؟

بقلم مارتن عقّاد

يصادف هذا العام مرور حوالي عشرين عامًا منذ أن بدأت التفكير لأوّل مرّة في طيف وعاده كنهجٍ للتفاعل بين المسيحيين والمسلمين. لقد دافعت عن موقف معتدل على سلسلة متّصلة من خمسة مستويات بين الموقف التوفيقي (ح1: “كلّ الطرق تؤدّي إلى مكّة”) والموقف الهجومي (ح5: “عدواني واستقصائي”)، بينما يمثّل ح2 وح4 الموقف التعايشي (“حوار الحياة”) والموقف الدفاعي – ومن هنا جاء اختصار وعاده. وضمن هذا الإطار، ومن خلال الموقف والنهج الإعلاني (ح3)، سعيت إلى تحديد موقف أمين كتابيًا للانخراط الإنجيلي في حوار الأديان. ومنذ ذلك الحين أصف الموقف الإعلاني بأنّه نهج يتمحور حول المسيح ويسمو فوق الدّين، ويتجذّر في موقف من المحبّة والاحترام، وهو أيضًا نقد نبوي وفكري، لكلّ من المسيحية والإسلام كتقاليد دينيّة.

لقد نُشر فصل بارز يعكس نسخة أكثر تطورًا ونضجًا من إطار العمل هذا، لأوّل مرّة في مجلّد حرّرته إيفلين ريساشر تكريمًا للبروفيسور دودلي وودبيري، حمل عنوان “نحو التفاهم المتسم بالإحترام والشهادة المؤثّرة بين المسلمين” (2012). الفصل الخاص بي (الفصل الأوّل من المجلّد) بعنوان “المواقف والمقاربات المسيحيّة تجاه الإسلام والمسلمين: المقاربة الإعلانيّة”. في عام 2019، نشرت نسخة محدّثة من إطار العمل هذا كمقدّمة لدراستي، سوء الفهم بنوايا حسنة: مواجهة خمسة مفاهيم خاطئة في العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة.

يكشف بحث جوجل أنّ طيف “وعاده” والنهج الإعلاني قد تمّ تلقيهما من أطراف متنوّعة من المسيحيين والمسلمين وغيرهم من مختلف الجوانب والمواقف اللاهوتيّة. وفي الآونة الأخيرة، منحني اللاهوتي السوري وزميلي السابق في كلية اللاهوت للشرق الأدنى في بيروت، نجيب عوض، نقدًا سلبيًا قويًا إلى حدّ ما، وأنا ممتن له، لأنّي أنا ما أنا عليه بفضل جميع الانتقادات سواء كانت إيجابيّة أو سلبيّة.

وفيما تتضح الأمور، آمل أن يوازن نقد عوض النقد المعاكس الذي تلقيته من دوائر أخرى، حيث ادّعى البعض أنّ مقاربتي الإعلانيّة تخفّف من قيمة الإنجيل وقوّته وتساوم على فرادة المسيح.

في كتاب بعنوان “الجوهرة الباقيّة: القصّة الثابتة للمسيحيّة في الشرق الأوسط”، حرّره متري الراهب ومارك لامبورت (Cascade Books ، 2022)، كتب عوض الفصل 14: “العلاقات ما بين الأديان والمسيحية في الشرق الأوسط”. يقدّم فيه نهجي الإعلاني كمثال إنجيلي للحوار المسيحي الإسلامي المعاصر في لبنان، إلى جانب ثلاثة قادة من قدامى الحوار: السنّي رضوان السيّد، والشيعي محمود أيّوب، ومطران الروم الأرثوذكس جورج خضر. فيما يلي تلخيصي الموجز لعرض عوض لكلّ موقف من مواقفهم.

يحدّد رضوان السيّد المشكلة الرئيسة للحوار المسيحي الإسلامي في لبنان اليوم على أنّها عدم اعتراف المسيحيين بالإسلام كدين أصيل موحى به. وهو يرى أنّ هذا شوكة في جسد المسلمين، يدفعهم إلى اتخاذ موقف دفاعي ويؤدّي إلى ثقافة تفتقر إلى “المساواة” و”الحريّة” بصورة متبادلة. الطريق إلى الأمام، في رأيه، هو أن يتعرّف المسيحيون والمسلمون على بعضهم البعض، كشرط مسبق لحوار مثمر.

مثال عوض الثاني، محمود أيّوب، بناءً على تفسيره للمصطلح القرآني “أهل الكتاب” على أنّه يعني “عائلة الكتاب”، يجادل أنّ الحوار يجب أن يؤدّي إلى “شركة إيمانيّة”، حيث يعمل المسيحيون والمسلمون معًا من أجل العدالة الاجتماعية والسياسيّة والوئام الروحي. يقترح أيّوب أنّ الحوار الديني الحقيقي يمكن أن يحدث فقط في سياق “علاقة القربة والمشاركة”.

يُعزى تشخيص كلّ من السيّد وأيّوب – ويبدو عوض أيضًا – لمرض الإقصاء الثقافي في الشرق الأوسط إلى تأثير الإرساليّات الغربيّة وجهودهم في التحوّل الديني. ويجادلان بأنّه بدلاً من التحوّل أو الإقصاء، فإنّ المطلوب هو التبادليّة الكاملة والاعتراف الكامل بالآخر من خلال الحوار.

ثالثًا، يبني جورج خضر، وفقًا لعوض، حجّته للعلاقات المسيحيّة الإسلاميّة على نموذج “حوار الحياة”. إنّ التبادليّة الإيجابيّة في الحياة اليوميّة بين المسيحيين والمسلمين هي التي يجب أن تثري حوارنا الديني. لكن عوضًا عن ذلك، غالبًا ما نبني صورة سلبيّة عن الآخر ردًّا على تجارب حياتنا السلبيّة.

بعد تقديم النماذج الثلاثة كنماذج إيجابيّة لفهمه المفضّل لحوار ما بين الأديان على أنّه علاقات متبادلة، يقدّم عوض نقدًا لنهجي. يدّعي أنّ نهجي الإعلاني يظلّ “مثالاً على لقاء”عمل واستقبال” و”ردّ على دعوة”. يقترح أنّه بعد دراسة متأنيّة، فإنّ النهج الإعلاني هو مجرّد إحياء لنهج التحوّل المألوف. باختصار، إنّه النهج الإرسالي الأمريكي الكلاسيكي، مرتدٍ زيّ الحوار.

على الرغم من أنني آمل أن يستمع إلى مخاوفه الإنجيليون الأمريكيون الذين ينتقدونني، إلّا أنّني أجادل أيضًا بأنّ عوض قد فاته المنطلق الأساسي لأطروحتي. وبالتحديد، كانت رسالة يسوع تتمحوّر حول العلاقة وليس الدين. لم يدعُ النّاس إلى دين أفضل بل إلى علاقة مع الله كأبٍ. يتمثّل طرحي أنّ إعلان المسيح يسمو فوق الدين، وأنّه يفصل رسالة إنجيله عن بعض الحروب الكونيّة بين الأديان.

إن نقدي لكلّ من المسيحيّة والإسلام كمؤسّسات دينيّة يتمّ في ضوء نهج يسوع الحاضن، ولكن المتمركز حول المسيح. دعا يسوع إلى تغيير الموقف والنهج تجاه الله والدّين، وهو نموذج يتغلغل في كافة أرجاء العهد الجديد. يبدو أنّ عوض يودّ من شركاء الحوار المسيحيين والمسلمين التخلّي عن الجوانب المميزّة في تقاليدهم، لصالح ما يودّ أن يراه على أنّه اعتراف متبادل في العلاقات المتبادلة. كيف يجب أن ينبثق هذا الإحسان البشري فجأة من تاريخ طويل من العنف والصراع بين الأديان إنّه أمر محيّر بالنسبة لي. يبدو أنّ تفسير عوض لآراء السيّد وأيّوب وخضر مبني على رغبة خياليّة في أن يتمكّن المسلمون والمسيحيون بطريقة ما من الانسجام، مع تجاهل تاريخ طويل من الصراع الفكري والاجتماعي السياسي، والتوصّل بطريقة ما إلى البناء التعاوني لـ ثقافة سلمية غارقة في “المساواة” و”الحريّة”.

يقترح طرحي أنّ هذه النتيجة المرغوبة يجب أن تتحقّق من خلال الإصغاء بعمق لبعضنا البعض ومن خلال التفكيك الصبور والدؤوب لمشاريع الهيمنة التي فرضناها آنفًا والتي سعت إلى إضفاء صبغة محدّدة على الآخر والمبالغة في تصويره. للقيام بذلك، نحتاج إلى الاستفادة من المياه التي تمنح الحياة في تقاليدنا. بالنسبة لأتباع المسيح، فإنّ مصدر الماء الحي هو يسوع، جوهر البشارة. يلخّص بعض المسلمين رسالة القرآن على أنّها “كمال الأخلاق”، بناءً على حديث منسوب إلى نبي الإسلام: “بُعِثْتُ لأتمّم مكارم الأخلاق”. غير أنّ الأمر متروك لكلّ مجتمع للتحدّث عن نفسه، وللآخر للاستماع بعناية.

ويختتم عوض فصله بنقد أخير لدعوتي إلى أولويّة الحوار اللاهوتي، مشيرًا إلى أنّ الحوار المسيحي الإسلامي يجب أن يكون “دعوة لا تجعل اللاهوت محدِّدًا بصورة حاسمة للتواصل بين الأديان. بل يعتبره واحدًا من بين العديد من المستويات التأسيسيّة الأخرى للتفكير التي يتم إنتاجها عن طريق العلاقات المتبادلة”.

كان عوض ليرى أنّني أتفق مع الخلاصة التي توصّل إليها، ولكن يبدو أنّه فاتته دعوتي لممارسة الموقف الإعلاني كواحد – حتّى لو كان مركزيًا – من بين احتمالات غير محدودة لمقاربات أخرى على طيف التفاعل ما بين الأديان. هذا هو الغرض الفعلي من استخدام “طيف” عند الحديث عن حوار ما بين الأديان. بصفتي تابع للمسيح لا يزال يؤمن بالبشارة الفريدة التي قدّمها لنا، وهي أخبار سارة تستحق المشاركة لتميّزها في قدرتها الواهبة للحياة، ما زلت أستمع إلى ما يقوله المسلمون عن الإعلان الإسلامي. أفعل ذلك بحب واحترام. أنا أفعل ذلك بصورة نقديّة ونبويّة. وسأستمر في دعوة جميع أتباع المسيح الحيّ إلى فصل أنفسهم عن معركة الأديان من خلال الانخراط مع الآخرين على أساس واهب الحياة وهو المسيح، بدلاً من المسيحيّة، كجوهر إعلاننا.

مارتن هو أستاذ مساعد في الدراسات الإسلاميّة في كليّة اللاهوت المعمدانيّة وهو مؤسّس ومدير مجموعة بحث تحمل اسم شركاء في الأبحاث الإجرائيّة.

اترك رد