إعادة النّظر في صلاح الأخبار السارّة
يونيو 8, 2023
هدف الإيمان المسيحي ومعناه في مرحلة الرّأسماليّة الأخيرة
يوليو 6, 2023

تحرير الإنجيليّة العربيّة من النّظام الأبوي من خلال مجتمع حاضن

بقلم كالب هاتشرسون

النّظام الأبوي هو وسيلة لتنظيم العلاقات الاجتماعية التي تعطي امتيازًا لسلطة الرجل على المرأة. وتتغلغل الأنماط الاجتماعيّة الأبويّة في أوساط الإنجيليّين النّاطقين باللّغة العربيّة. غير أنّ هناك أيضًا موارد ملحوظة ضمن الإنجيليّة العربيّة يمكنها تحريرها.

انتجت بعض الأبحاث التي أجريتها قبل عدّة سنوات مع طلّاب اللّاهوت في كليّة اللّاهوت المعمدانيّة العربيّة العديد من الموضوعات المهمّة التي تساعد في شرح المنظور الإنجيلي العربي لعلم اللّاهوت التطبيقي. غير أنّ إحدى الملاحظات اللّافتة للنظر في هذا المشروع كانت الفرق بين كيفية مقاربة الرجال والنساء وفهمهم للغرض الشّامل للتفكير اللّاهوتي. أنا مقتنع أنّ هذا الاختلاف يشير إلى مفتاح لتغيير الأنماط الاجتماعيّة الأبويّة التي تفضي إلى إساءة معاملة النّاس وقمعهم.

غير أنّني قبل أن أشارك عن هذا الاختلاف أتخيّل أنّكم قد تستجيبون بإحدى الطريقتين لعبارة “اللّاهوت التطبيقي”. قد تفكّرون، “ها! هذا تناقض لفظي”. أو قد تفكّرون، “لكن أليس من المفترض أن يكون كلّ اللّاهوت عمليًّا؟” في كلّتا الحالتين، ما أعنيه عندما أتحدّث عن اللّاهوت التطبيقي هو أنّه، كما تعرّفه بوني ميلر-ماكليمور، “طريقة لممارسة اللّاهوت تُعنى بتجسيد الإيمان الدّيني في الحياة اليوميّة للأفراد والمجتمعات.” أثرّت طريقة فهم اللّاهوت هذه بعمق في تصميم برنامج البكالوريوس في اللّاهوت والماجستير في العلوم الدّينيّة في كليّة اللّاهوت المعمدانيّة العربيّة. ونتيجة لذلك، فإنّ هذين البرنامجين يوجّهان الطّلاب في طرق التّفكير اللّاهوتي التي تهدف إلى التّحوّل الاجتماعي.

الآن، حول ذلك الاختلاف. في بحثي، أظهرت المشاركات من النّساء ميولًا أكثر تحرّرًا في تفكيرهن اللّاهوتي التطبيقي، بينما كان الرّجال يميلون إلى استخدام التّفكير اللّاهوتي لتعزيز سلطتهم لتنظيم الكنيسة والمجتمع. بعبارة أخرى، واجه التّفكير اللّاهوتي للمشاركات العربيات بصورة فريدة الأنماط الاجتماعيّة الأبويّة السّائدة في الكنيسة والمجتمع وسعى إلى تغيير هذه الأنماط في حين لم يحصل هذا لدى المشاركين الرجال في طريقة فهمهم وممارستهم للاهوت بكلّ بساطة.

على سبيل المثال، وصفت امرأة تُدعى عائشة (اسم مستعار) كيف أنّ استخدام نمط التّفكير اللّاهوتي الذي تعلّمته في كليّة اللّاهوت المعمدانيّة العربيّة يؤدّي إلى تحويل الثّقافة الجماعيّة من خلال علاقات أكثر مساواة:

عائشة: (…) لتحويل هذه الثّقافة الجماعيّة التي لدينا – وهو مفهوم جميل. كمفهوم، إنّ الثّقافة الجماعيّة رائعة. لكن كم سيكون أفضل عندما نغطّيها بفداء المسيح. افتدى المسيح هذا المجتمع. كيف نمارس هذا الفداء؟ عندما نكون جسدًا واحدًا نتبع الرّأس. وكلّ الأعضاء مهمّون. لا توجد يد أهم من رجل. كلّهم مهمّون. (موقع 24)

بدلاً من مجرّد تطوير الاستقلاليّة الشّخصيّة، أصبحت ممارسة التفكير اللّاهوتي بالنسبة لها طريقة لإعادة التّوازن إلى الفاعليّة في المجتمع باحترام. في قصّة عائشة، فإنّ نتيجة التّفكير اللّاهوتي تتّعلق ببناء المجتمع، ولكنّ بطريقة تحترم جميع الأفراد في المجتمع.

في كثير من الأحيان، عبّرت النّساء في بحثي عن هذا التحوّل بالإشارة إلى اختبارات التقييد والقمع الشديدين من قبل مجتمعاتهن، كما فعلت طالبة كليّة اللّاهوت المعمدانيّة العربيّة التي تُدعى مريم (اسم مستعار):

مريم: (…) اللذان كانا يتمتعان بالحريّة في المسيح، هما والداي، كانا يملكان القدرة على اتخاذ القرارات بدلًا منّي ولديهما مسؤوليّة اتجاهي. كان عليّ أن أعيش حياتي كلّها كشخص مقيّد. لكنّني عرفت في المسيح أنّني أستطيع التّفكير؛ كنت إنسانة. كان لدي إرادة حرّة. (…) أظهر لي التّفكير اللّاهوتي أنّني ابنة [الله]. من حقّي أن أتكلّم، حتّى في صيغة الأمر. من حقّي أن أغضب. من حقّي أن أضحك. من حقّي أن أفعل كلّ شيء! لديّ الحريّة، كلّ الحريّة في المسيح. (موقع 212، امرأة مصريّة)

على غرار مريم، عبّرت نساء أخريات في بحثي هذا التّحول – من الاعتماد على تفكير الآخرين إلى التفكير المستقّل – كنتيجة إيجابيّة لممارسة التّفكير اللّاهوتي.

عبر بياناتي، اختلف الهدف الشّامل للتّحول الاجتماعي بناءً على الجنس: فقد دعت قصص الرّجال بصورة مميّزة إلى الحفاظ على التّقاليد ونقلها بطرق تكرِّر الأنماط الاجتماعيّة الأبويّة، بدلاً من انتقادها وتحويلها. من ناحية أخرى، أكدّت قصص النّساء صراحةً على التّحرر والاستقلاليّة التّفسيريّة كنتيجة لتفكيرهن اللّاهوتي.

إنّ وجهات نظر هؤلاء النّساء اللاهوتيّة لهي هبّة عظيمة للكنائس العربيّة والمجتمع المدني!

أعتقد أنّ هذا الاختلاف بين التّفكير اللّاهوتي للرّجال والنّساء يسلّط الضّوء على سبّب الأهميّة الحيويّة للكنيسة أن ترقى للعيش وفق دعوتها لتكون مجتمعًا حاضنًا بصورة جذريّة، مجتمع يضّم النّساء في كلّ مستويات القيادة.

في كتابه الإيمان في وجه الإمبراطورية / Faith in the Face of Empire، يشرح اللّاهوتي الفلسطيني متري راهب هذا المبدأ اللّاهوتي في سبره غور نهج يسوع في مقاومة الإمبراطوريّة:

كان يسوع يعلم جيدًا أنّ السّياسة الواحدة التي تتبعها كلّ إمبراطورية هي “فرّق تسد”. لقد كان يشير إلى هذه الاستراتيجية الإمبراطوريّة عندما قال،”كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تَخْرَبُ وَبَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى بَيْتٍ يَسْقُطُ” (لوقا 11: 17). كانت وحدة شعبه (أي الذين في ملكوت الله) تعنيه. كانت حقيقة أنّه دعا اثني عشر تلميذًا – ليشابهوا اثني عشر سبطًا من إسرائيل – مؤشّرًا واضحًا على أنّ إرساليته كانت استعادة الشّعب والتّأكيد على وحدتهم. إنّ النظر إلى الاثني عشر يكشف أنّهم شعب ذو أيديولوجيّات متنوّعة: الغيوريون (وهي واحدة من الطّوائف اليهوديّة)، سمعان (متّى 10 : 4)، وجابي الضرائب متّى (متّى 9: 9)؛ الأشخاص الذين ما لم يتم تجميعهم على هذا النحو لن يتّم تجميعهم معًا. وكان من بين الاثني عشر أشخاصًا من مناطق مختلفة من فلسطين: الجليل، والإسخريوطي، واليهوديّة. تجديد الشّعور بالمجتمع عبر الاختلافات الأيديولوجيّة والحواجز الجغرافيّة أمر ذو أهميّة لأي مجتمع يعيش تحت وطأة الاحتلال. غالبًا ما يبدأ الأشخاص المحتَّلون في التقاتل فيما بينهم بشأن أفضل طريقة لمقاومة الإمبراطوريّة، وبالتّالي ينتهي بهم الأمر بمحاربة بعضهم البعض بدلاً من محاربة الإمبراطوريّة. كذلك، عندما تكون الإمبراطوريّات محصورة بالنّاس في مناطق جغرافيّة صغيرة، فإنّهم يبدأون في تطوير هويّات فرعيّة، وبالتّالي يفقدون الإحساس بالهويّة المجتمعيّة. لهذا استثمر يسوع وقته في إنشاء مجتمع حاضن.

نحن نجازف بفقدان أفكار حيوية يمكن أن تُحدثها وجهات نظر المرأة اللّاهوتيّة عندما نضع الرّجال والنّساء في مواجهة بعضهم البعض. إنّ عقلية الصّراع الجندري هذه تسري بعمق في الأنماط الاجتماعيّة الأبويّة. ما نواصل رؤيته مرارًا وتكرارًا هو أنّ الإصرار على الحفاظ على أهرامات السّلطة الهرميّة – بناءً على الجنس والعرق، إلخ – يؤدّي هذا في النّهاية إلى تعرّض الناّس للإساءة والقمع. حتّى عندما لا تكون هذه رغبة أولئك الذين يتمسّكون باللّاهوت الذي يدعم التّسلسل الهرمي. ومع ذلك، تُمنح الإساءات مجالًا للتّفاقم عندما تصبح القيادة منغلقة على تقيّيم رؤى أولئك الذين يرزحون تحتها، مثل وجهات نظر النّساء في بحثي.

أنا مقتنع بأنّ تعزيز شهادة الإنجيليّة العربيّة لأخبار المسيح السارّة من خلال مشاركتها في تحوّل المجتمعات العربيّة يتطلّب إدراج وجهات نظر النّساء اللّاهوتية بصورة جذريّة إلى جانب منظور الرّجال.

كان هناك العديد من الأنماط الأخرى التي ولّدها بحثي. إذا كنت لا تزال مهتّمًا، ويمكنك أن تتّقبل المزيد من النّقاش الأكاديمي، فانقر على الرّابط التّالي لقراءة مقالٍ مماثل باللغة الإنجليزيّة “اللّاهوت التطبيقي في المنظور الإنجيلي العربي: النّظر في ممارسة محدّدة للتّفكير اللّاهوتي”.

 

كالب هاتشرسون أستاذ مساعد في الدّراسات التّاريخية واللّاهوتيّة في كليّة اللّاهوت المعمدانيّة العربيّة. يعيش في بيروت منذ عام 2008، في شراكة مع المعمدانيّين اللبنانيّين في مختلف المشاريع الاجتماعيّة والإنسانيّة.

اترك رد