هدف الإيمان المسيحي ومعناه في مرحلة الرّأسماليّة الأخيرة
يوليو 6, 2023
هل التّسامح هو العامل الفصل الوحيد؟
أغسطس 3, 2023

لبنان، القادة الفاشلون، والقادة الوكلاء كنموذج تقدّمه الكنيسة

 بقلم للوة المعلوف

لطالما أظهر القادة السّياسيون في بلدي لبنان أنّهم الأفضل في العديد من المجالات! الأفضل في الهروب من المساءلة، والأفضل في إيجاد طرق إبداعيّة للفساد، والأفضل في جذب الأتباع العمي.

لقد قرأت مؤخّرًا الكثير حول نظريات القيادة وأساليبها ونماذجها كجزء من دراساتي لدرجة الدّكتوراه في القيادة التّنظيميّة بجامعة كولومبيا الدّولية. في كلّ مرّة أدرس فيها نظريّة أو أسلوبًا ما، يتبادر إلى ذهني العديد من القادة من جميع أنحاء العالم العربي، وبخاصّة من السّياق اللبناني. إحدى هذه النّظريات تدور حول القادة الكاريزميين. يتبع النّاس القائد الكاريزمي بسهولة بسبب الطّريقة التي يقدّمون بها أنفسهم ويتواصلون بها مع الأتباع على المستوى العاطفي.

عانى لبنان على مدى العقود القليلة الماضية تحت وطأة حكم زعماء فاشلين. هؤلاء هم القادة الذين يسعون إلى رفاههم الشّخصي ولديهم أجنداتهم الخاصّة التي تتناسب مع مصالح الكيانات الخارجيّة. إنّهم يجذبون الأتباع والخدّام من خلال قوى الزبائنيّة الشنيعة. ويعطون لأتباعهم صورة مفادها أنّ الأمر كلّه يتعلّق بهم ويحميهم من الآخر. إنّهم “يتحدثون لغة الشّعب”، كما قالها لي زميلي عماد بطرس. معظمهم قادة كاريزميين ولديهم أتباع يعبّرون بدورهم عن استعدادهم للموت من أجلهم. ومن المفارقات، أنّه نتيجة للأزمة الاقتصاديّة والصّراعات الدّاخلية والانفجار الأخير في مرفأ بيروت، يموت النّاس بالفعل ويعانون بشدّة بسبب هؤلاء القادة نفسهم الذين يتبعوهم.

لست مندهشة من أنّ مثل هؤلاء الزعماء السّياسيين غير مؤهّلين لرعاية شعوبهم. ففي نهاية المطاف، عندما طلب شعب الله منه ملكًا يحكمهم، كانت إجابته أنّ هذا الملك سيسعى إلى مجده وصلاحه على حسابهم.

وَقَالَ: “هَذَا يَكُونُ قَضَاءُ الْمَلِكِ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْكُمْ: يَأْخُذُ بَنِيكُمْ وَيَجْعَلُهُمْ لِنَفْسِهِ, لِمَرَاكِبِهِ وَفُرْسَانِهِ, فَيَرْكُضُونَ أَمَامَ مَرَاكِبِهِ…وَيَأْخُذُ حُقُولَكُمْ وَكُرُومَكُمْ وَزَيْتُونَكُمْ أَجْوَدَهَا وَيُعْطِيهَا لِعَبِيدِهِ. وَيُعَشِّرُ زُرُوعَكُمْ وَكُرُومَكُمْ …. وَيَأْخُذُ عَبِيدَكُمْ وَجَوَارِيَكُمْ وَشُبَّانَكُمُ الْحِسَانَ وَحَمِيرَكُمْ وَيَسْتَعْمِلُهُمْ لِشُغْلِهِ. وَيُعَشِّرُ غَنَمَكُمْ وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لَهُ عَبِيداً.” 1 صموئيل 11:8-17

هذا مشابه لما يحدث في لبنان. استخدم القادة أتباعهم واستعبدوهم من خلال الزبائنيّة بينما سرقوا في الوقت نفسه مدّخرات جنى عمر النّاس من المصارف. ومع ذلك، فأنا لا أتخلّى عن جميع القادة السّياسيّين، ولا أعطيهم أيّ عذر للتّصرّف بهذه الطّرق. آمل أن نصل يومًا ما إلى مكان يصوّت فيه النّاس في الواقع للرجال والنّساء الأتقياء لتولّي السّلطة. غير أنّ اهتمامي الأوّل هو الكنيسة. ففي الواقع، نحن ملح العالم ونوره. يبدأ الإصلاح معنا.

عندما كان تلاميذ المسيح يتجادلون بشأن من هو الأعظم،

دَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: “أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هَكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً. كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ . وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ مِنْ أَرِيحَا تَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ” متّى 25:20-29

نتذكّر أنّه كأتباع المسيح، يُتوقع منّا أن نكون قادة على صورته. قادة مستعدّون للخدمة ولا يسعون لمجدهم الشّخصي. توفّر القيادة الخادمة الأساس الجيّد للقائد الذي يخدم الآخرين أوّلاً، لكن كونك قائد خادم لا يكفي. لتغيير الوضع الرّاهن، نحتاج أيضًا إلى الترّكيز على النتائج. نحن بحاجة إلى نموذج يشمل القيادة الخادمة ويتجاوزها.

يتحدّث ر. سكوت رودن في كتابه القائد الوكيل: تحويل النّاس والمنظّمات والمجتمعات The Steward Leader: Transforming People, Organizations and Communities, عن نوع مختلف من القادة، وهو القائد الوكيل شخص متمركّز حول الله ويسعى إلى طاعة دعوة الله للقيادة بفرح من خلال تمكين الأشخاص المناسبين لإدارة الموارد بأمانة لهدف الاهتمام بعمل الله وتنميته.

أملي أن أرى قادة وكلاء في كنائسنا ومؤسّساتنا المسيحيّة أكثر ممّا نرى قادة كاريزميين. ليس هناك شكّ في أنّ القائد الوكيل قد يكون كاريزميًا، ولكن الهدف الرّئيس للقائد الوكيل هو أن يكون أمينًا لله. وفقًا لرودن، يفهم القائد الوكيل أنّ الله هو المالك المطلق، وأنّه مُساءل أمامه. من المتوقّع أن يتصرّف أو يقود وفقًا لمشيئة المالك وأهدافه. يتحدّث رودن عن الكثير من المجالات والمسارات التي تُعتبر مهمّة للقائد الوكيل، بما في ذلك علاقته بالله والآخرين والمجتمع والخليقة. ما جذب انتباهي هو السّمة الأولى للقائد الوكيل: أن ي(ت)كون رجلاً (أو امرأة) بلا سمعة.

في ثقافة تتّسم بالعار والشّرف مثل الثقافة اللّبنانيّة، فإنّ السّمعة في غاية الأهميّة. يهتّم القادة بما يفكّر فيه النّاس ويقولونه عنهم. حتّى اتهام شخص ما بأمر سلبي (حتّى لو كان صحيحًا) يمكن أن يخلق مشكلة كبيرة لأنّنا نعتبر أنّ اسمنا مرتبط بكرامتنا، وكرامتنا مهمّة بالنسبة لنا بمثابة الحياة نفسها. “ما تهِين كرامتي” هي عبارة تُسمع في كثير من الأحيان في الجدلات، وأحيانًا في البرامج الحواريّة على التلفزيون. للأسف، يمكن أن يكون هذا هو الوضع لاسيّما حتّى في كنائسنا وبين قادة كنيستنا.

يؤكّد رودن أنّ المسيح كان رجلاً لا يسعى إلى السمعة. نقرأ في الإصحاح الثّاني من رسالة بولس إلى أهل فيلبي ما رنّمّته الكنيسة الأولى عن تواضع المسيح، وتحديداً في الآية السّابعة التي تؤكّد أنّه لم يحسب نفسه شيئًا؛ تستخدم بعض التّرجمات المصطلح جعل نفسه عديم السّمعة. كان هدفه هو عمل مشيئة الآب. كان يهدف إلى تمجيد اسم الآب وطاعته.

يستخدم الرّسول بولس تلك التّرنيمة ليخبرنا أنّ هذا هو فكر المسيح. إنّه يتوقّع منّا أن يكون لدينا ذلك الفكر فيما يتعلّق ببعضنا البعض وكيف نخدم بعضنا البعض. كقادة أو أتباع للمسيح، هل نحن مستعدّون لأن نكون رجالًا ونساء لا يسعون إلى السّمعة؟ هل نحن مستعدّون حقًا لأن نموت عن أنفسنا حتّى يتمجّد المسيح بدلاً منّا؟

في كليّة اللّاهوت المعمدانيّة العربيّة، نعمل في مجال تدريب القادة وإعدادهم لخدمة الكنيسة. صلاتي هي أن نكون قدوة حسنة لقادة وكلاء لا يسعون إلى مصلحتهم أو ثروتهم أو منصبهم أو نفوذهم أو سمعتهم الذاتيّة ولكن، مثل المسيح، يكون اهتمامنا النّهائي هو عمل مشيئة الآب (يوحنا 38:6).

لبنان يحتاج إلى قادة وكلاء. قادة لا يسعون وراء سمعتهم ورفاهيّتهم؛ بل هم على استعداد لإنكار أنفسهم لخدمة الآخرين وتحقيق النّتائج: الوكالة الجيّدة تقود البلاد إلى الخروج من أزماتها المتعدّدة. آمل أن يكون قادة كنائسنا والمنظّمات المسيحيّة بمثابة نماذج جيّدة لكيفية كوننا قادة أتقياء، وذلك لصالح البلد والمنطقة بأسرها.

 

تعمل للوة المعلوف كمديرة الشّراكات في كليّة اللّاهوت المعمدانيّة العربيّة. تحبّ لبنان وهي مندهشة باستمرار من كيفيّة استخدام الله للمواقف الأليمة ليجعل نفسه معروفًا.

اترك رد