الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام في تفاقم حدّة النّزاع… وتأمّلات لاهوتيّة أخرى
سبتمبر 28, 2023
مأزق المواجهة
نوفمبر 9, 2023

مستويات السلام: أبرز ما ورد في مؤتمر الشرق الأوسط لعام 2023 في كلية اللاهوت المعمدانيّة العربيّة

بقلم شيري إلينغتون

 إنّ مؤتمر الشرق الأوسط هذا العام ـ والذي يُصادف أنّها المرّة الأولى التي أحضر فيها هذا المؤتمر، وقد تأثرت به وأعجبني وألهمني ـ كان تحت عنوان “سلامي أعطيكم: ممارسات صنع السلام في الشرق الأوسط”. كان هذا هو العام الثاني على التوالي الذي يركّز فيه مؤتمر الشرق الأوسط على صنع السلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ تمحور المؤتمر العام الماضي على نظريات ومفاهيم لاهوتية مختلفة حول هويتنا كصانعي سلام، في حين كان مؤتمر هذا العام متمحور أكثر حول “كيفية التطبيق”.

توسّط المؤتمرين اجتماع مصغّر في فبراير/شباط 2023 حيث حضر تسعة قادة من خمسة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان) إلى كلية اللاهوت المعمدانية العربية لتلقي تدريب حول كيفية تنفيذ عملية صنع السلام على أرض الواقع في السياقات الخاصّة بكلّ منهم. وتمّ تقديم التقارير الصادرة عنهم في الحالات الدراسيّة التي استمعنا إليها خلال مؤتمر الشرق الأوسط المُنعقد من 25 إلى 27 سبتمبر/أيلول 2023.

تم تناول عدة مستويات أو طبقات مختلفة من السلام في مؤتمر الشرق الأوسط، مع التركيز بصورة خاصّة على:

السلام الوطني،

السلام بين المجموعات،

السلام بين الأشخاص،

السلام الداخلي،

 ومن منظور مختلف قليلاً عن المستويات المذكورة أعلاه – السلام من الهامش. إنّ التعبير الأكمل والمحكم عن شلوم/السلام هو سلام يعالج جميع طبقات المجتمع بصورة شاملة. وفي الوقت نفسه، فإنّ صنع السلام وبناء السلام الذي يبدأ عند أي طبقة يمكن أن يؤثر على الطبقات الأخرى أيضًا، لأنّ الشعوب والمجموعات تتكوّن من أشخاص لديهم حياة داخلية وعلاقات شخصيّة. يمكن أن يتسرّب افتقار الكمال على أيّ مستوى، ما يوفّر أيضًا فرصًا للسعي للمصالحة من خلال نعمة الله، وبالتالي تحقيق شفاء وسلام متجدّد.

 احتلت كلّ مستوى من المستويات المذكورة أعلاه مركز الصدارة لبضع ساعات من المؤتمر المدمج، حيث حظي أكثر من 120 مشاركًا شخصيًا بالإضافة إلى أكثر من 20 مشاركًا عبر الإنترنت من 16 بلدًا بفرص متعدّدة للتعلّم والنمو حول كلّ مستوى من مستويات السلام: تعليم الكتاب المقدّس، والحالات الدراسيّة من جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحلقات النقاش، وورش العمل الجماعية الصغيرة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة.

كنموذج لصنع السلام المتكامل في الحياة الواقعيّة، لم نبدأ على المستوى “الأعلى”، ولا على المستوى “الأدنى”، ولكن في مكان ما في الوسط، مع السلام بين المجموعات. وأعقب ذلك السلام بين الأشخاص، والسلام الداخلي، والسلام من الهامش، ومن ثمّ السلام الوطني.

 السلام بين المجموعات قد يشمل السلام بين مجموعات عرقيّة مختلفة أو مجموعات دينيّة مختلفة أو طوائف كنسيّة مختلفة، أو حتّى المجموعات داخل الكنيسة نفسها التي قد يكون لديها نوع من الصراع. ذكر اثنان على الأقل من المتحدّثين أنّهما كانا جزءًا من اجتماعات مستمرّة هادفة بين قادة من مختلف الطوائف الإنجيليّة، في مصر ولبنان. هنا وفي جلسات أخرى بدأنا بالتفكير في ما يمكن أن يساعد في تنمية ثقافة السلام في الكنيسة. وخارج نطاق الكنيسة ثمة مبادرة خبز وملح. هي مبادرة لصنع السلام بدأت في لبنان في عام 2016، حيث يتشارك شباب من تقاليد دينية مسيحية وإسلامية لقمة طعامٍ ويجتمعون معًا لعمل اجتماعي هادف، مع وجود مساحة آمنة لمشاركة أفكارهم حول الإيمان والحياة، ومسيرتهم نحو الشفاء الداخلي، والسعي إلى المصالحة مع أشخاص مختلفين عنهم. وعلى المنوال نفسه، سمعنا من نبيلة، عبر الفيديو من السودان، عن “بينتنا عشرة” أي “بيننا تفاهم”، حيث اجتمعت 8 مجموعات مختلفة من 5 مسلمين و5 مسيحيين – ما مجموعه 80 شابة على مدى ثلاث سنوات – مع ميسّر لتدريبهن على صنع السلام من خلال إجراء محادثة سلمية، والتعرّف على أشخاص مختلفين عنهن، والقيام بالعمل اجتماعي معًا من أجل مجتمعهن. تتضمّن المبادئ الكتابية التي أخذناها في الاعتبار للسلام بين المجموعات الاحترام والصدق وأهمية المواجهة المرفقة بالصلاة والحكمة.

للسلام بين الأشخاص، واجهنا تحديًا يتمثّل في عدم السماح للقضايا بأن تتفاقم بين الأفراد في الأسرة أو الكنيسة أو أيّ علاقة أخرى، وتمّ تذكيرنا من بين أمور أخرى أنّه “لا مصالحة بدون مواجهة”. ومن المثير للدهشة إلى حدّ ما بالنسبة لمؤتمر حول السلام أنّ “المواجهة” أضحت موضوعًا متداولًا طوال هذه الأيام، سواء في التعاليم أو في الحالات الدراسيّة المؤثّرة التي تمّت مشاركتها. ولكن ليس من المستغرب حقًا أن يدرك المرء أنّ الغرض من المواجهة الجيّدة ليس الانفجار على الآخرين في الجدال (ولا الاتهام أو إلقاء اللوم على أي شخص)، بل تنمية الشجاعة والمهارات اللازمة لمواجهة القضايا الموجودة بمحبّة وعناية وصلاة، داعين الروح القدس ليسكب النعمة والشفاء من أجل المصالحة الكاملة بين الناس. عرض أحد الحضور من المملكة المتحدة عبارة “أريد أن أقدّم لكم “تحديًا داعمًا”” كإحدى الطرق التي تعلّمها لبدء المواجهة. وقد شارك القس مفيد من لبنان نصيحة كتابية تضمّنت خطوات أساسية قبل المواجهة، مثل طلب المشورة الحكيمة (أمثال 12: 15)، والصلاة من أجل الشخص (أمثال 5: 44)، والتسامح معهم قبل مواجهتهم، وتذكّر “أحبوا أعداءكم وصلّوا لأجل الذين يطردونكم” (متّى 5: 44)، والتأكد من تحمّل المسؤولية الشخصيّة. وفي تعليق لها في اليوم الأخير، أكدّت زوجته جيسي، التي كانت أيضًا واحدة من المتكلّمين، أنّ أولئك منّا الذين لم يعتادوا على ممارسة المواجهة الصحيّة قد يتحوّلون من طرف إلى آخر ويفجّرون جميعًا إحباطاتهم تجاه الشخص الآخر. بدلاً من ذلك، يجب أن نتعلّم مهارة المواجهة الموزونة والحكيمة والمحترمة والمرفقة بالصلاة التّي تتمّ بمحبة وبالاعتماد على الروح القدس.

السلام الداخلي من الواضح أنّه يمكن أن يكون أساسًا مفيدًا لكلّ مستوى من مستويات السلام المذكورة أعلاه. وهو أيضًا أمر يمكن أن يمنحنا إيّاه الله حتّى في خضم التجارب الخارجية. في حديثنا الكتابي عن السلام الداخلي، قرأ باسم ملكي فيلبي 4: 7 وطلب منّا أن نفكّر كيف ولماذا ومتى نميل إلى اختبار “سلام الله الذي يفوق كلّ عقل”. كما أوصى بقراءة سفر حبقوق القصير كمثال ممتاز للصدق العاطفي مع الله، ثمّ المضي قُدمًا نحو الشفاء والنصر والسلام الداخلي الذي يسمح لنا بالابتهاج حتّى لو لم نشهد بعد تغيّر الواقع – لأنّنا تقابلنا مع الله. وشملت الحالات الدراسيّة التي أجريناها حول السلام الداخلي مجموعات في السودان وسوريا – وهي الأماكن التي لم يكن فيها السلام الخارجي وفيرًا. في الواقع، عندما سمعنا من هابيل في السودان، علمنا أنّ مجموعات سفراء السلام التي كان يقودها اضطرت إلى التوقف فجأة عندما اندلعت الحرب. وعندما شارك هذا (عبر الفيديو، لأنّه لم يتمكّن من السفر بسبب النزاع)، كان القصف مسموعًا في خلفية تسجيله. ومع ذلك فقد أعرب عن أنّه اختبر شخصيًا السلام الداخلي من الله خلال هذه الأوقات الصعبة. في هذه الأثناء، تحدّث القس مازن من سوريا عن مستويات الصعوبات التي واجهها الناس في مجتمعه بالفعل – الحرب والأوبئة والمحن الاقتصادية – قبل أن تهز زلازل شباط/فبراير أمنهم وسلامهم بصورة أكبر. لكنّه رأى الله يلتقي بالناس عندما وصل فريق كنيسته للاطمئنان عليهم، حيث “أرسل يسوع شخصًا ليهتّم بهم”. هذه والعديد من الحالات الدراسيّة الأخرى لم تلتزم فقط بمستوى السلام “الرسمي” في جدول ذلك اليوم، ولكنّها سلطت الضوء على الخيوط المتشابكة للشفاء الداخلي والشخصي والجماعي.

كانت هناك حصّة حول السلام من الهامش، والتي لم تكن من الناحية الفنيّة واحدة من مستويات السلام الأربعة، ولكن تفاعل هذا المستوى مع المستويات جميعًا. أعتقد أنّ جزءًا من غرض هذه الحصّة هو التأكيد على أنّ السلام لا يأتي بالضرورة كإعلان من الأعلى إلى الأسفل من أولئك الذين هم في السلطة، ولكن يمكن أن يظهر من خلال الخدمة بين الشباب، وذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن، وغيرهم. لقد تطرّق تعليمنا الكتابي من غريس الزغبي إلى المرأة الشونميّة في ملوك الثاني 4 التي احتفظت بنبلها في وسط المشاكل، وعاشت واثقةً في الله بينما كانت تنتظر تصحيح مسار الأمور؛ وقارنت غريس ذلك برفاقها الفلسطينيين الذين ما زالوا ينتظرون أن يعيد الله لهم بيوتهم وأراضيهم التي فقدوها. إحدى القصص المؤثرة من شانت، من منظمة شبيبة للمسيح في لبنان، كانت قصّة صبي في إحدى مجموعات سفراء السلام، والذي أراد، وهو نفسه لاجئ سوري، أن يجد مشروع عمل اجتماعي من شأنه أن يساعد الأطفال اللبنانيين على وجه التحديد.

أخيرًا، عن السلام الوطني، شارك مرتان عقّاد من إرميا 29: 4-9 حول طلب السلام للمدينة/البلد الذي تعيش فيه، حتّى لو كنت تشعر بأنك عالق هناك – وهو ما ينطبق على اليهود الذين تم إرسالهم إلى السبي البابلي، ولكن أيضًا ينطبق على أيّ شخص قد يشعر بأنّه عالق اليوم. “اطلب [شالوم] المدينة… إذا كان بها [شالوم] فستحصل أيضًا على [شالوم]،” كما جاء في الرسالة، حتّى لو كان بعض أوجه “شالوم” يُترجم عادةً إلى “الازدهار”. وذلك لأنّ كلمة “شالوم” – والمنظور الكامل للكلمة العربيّة المرتبطة بها “سلام” أيضًا – تتضمّن الرفاهية الشاملة والازدهار والكمال، والتي شاركها عنها مرتان في جلسة حول لاهوت السلام في أمسية سابقة. قال مرتان نحن بحاجة إلى التوقّف عن اعتناق عقلية الضحيّة حتّى نتحرّر للصلاة من أجل المدينة/البلد الذي نعيش فيه، وللمشاركة في الشؤون العامة. بعد ذلك، شاركت شادن، من لبنان، حالة دراسيّة من منظمة شركاء في الأبحاث الإجرائيّة حول البحث عن الحقيقة والمصالحة حول حادثة تاريخيّة لا تزال مشحونة عاطفيًا حتّى اليوم – السبت الأسود، في ديسمبر/كانون الأوّل 1975، عندما اتخذت الحرب الأهليّة اللبنانية منعطفًا مؤلمًا. ولطالما تمّ النظر إلى هذه الحادثة على نحوٍ مختلف من قبل جوانب مختلفة من اللبنانيين. قامت شادن وفريقها بجمع سرديات عن الحادثة نفسها من وجهات نظر مختلفة. ولتحقيق هذه الغاية، قاموا بزيارة 50 عضوًا في البرلمان، حيث فتح الرّب لهم الأبواب. لقد رأوا وجوهًا لأشخاص يتألّمون بينما كان كلّ منهم يسرد ذكرياته عن السبت الأسود. ثم قاموا بتسليم السرديات – دون الكشف عن هويّات أصحابها – من مجموعة إلى مجموعة مختلفة لتتفاعل المجموعات مع سرديات “الآخر”، بطريقة مفتوحة لم يكن من الممكن أن تتمكّن المجموعات من إدارتها وجهاً لوجه. لقد رأوا أنّ المواقف المتغيّرة بدأت في الظهور، بما في ذلك التأثير على نائب واحد على الأقل خفّف من حدّة خطابه المخطّط له وتحوّل إلى خطاب أكثر سلمية. شارك أحد المشاركين والمتحدثين في مؤتمر الشرق الأوسط  كيف ألهمه هذا العمل للنظر في مبادرات مماثلة، مستفيدًا من العلاقات التي لديه مع السياسيين في وطنه.

ما هي خطوات السلام الصغيرة التي قد يدفعك الله شخصيًا إلى اتباعها؟ على أي مستويات؟ أصلّي أن يرشدك رئيس شالوم/السلام (إشعياء 9: 6) في المحبّة والإبداع والحكمة، وأنت تتكئ في قلبه بالصلاة من أجل عائلاتنا وكنائسنا ومجتمعاتنا وشعوبنا والعالم.

شيري إلينغتون هي محرّرة اللغة الإنجليزية لمدونة كلية اللاهوت المعمدانية العربية وتحب قضاء بعض الوقت في شرفتها مصلية  وداعيةً المزيد من حضور الله الشافي إلى بيروت، ولبنان، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخارجها.

اترك رد