صنع السلام يتشكّل ويُشكِّل في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة
فبراير 16, 2021
تشكيل المجتمع عن بُعد: دروس من بولس
نوفمبر 16, 2020

تغييرات وتحدّيات تواجه الكنيسة في الشرق الأوسط

بقلم وسام نصرالله
مدير الشؤون الادارية في الجمعية اللبنانية للإنماء التربوي والاجتماعي
كانون الاوّل ٢٠٢٠
الفصل السابع

منذ عدّة عقود وحتّى يومنا هذا والشرق الأوسط يعاني حالة اضطراب مستمر. ويبدو أنّنا ندخل مرحلة جديدة في تاريخ الشرق الأوسط، حيث تعمل الاضطرابات الأخيرة التي استمرت لعقدٍ من الزمان على تغيير وجه المنطقة لبضع سنواتٍ قادمة.

وبينما تشرع كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة للسير في توجه استراتيجي جديد يهدف إلى "إعادة اكتشاف المهمة التي يعطينا إياها الله لهذا الموسم الجديد" (اقرأ كلّ شيء عن التوجه الجديد هنا)، من المهم أيضًا أن نكون على دراية بالتغييرات الرئيسة التي تحدث من حولنا والتي تشكّل مستقبل المنطقة التي نريد خدمتها.

ونظرًا لأنّ الشرق الأوسط منطقة تعدّدية جامعة تضمّ مجتمعات متنوّعة، يمكن ملاحظة التغيير على العديد من المستويات المختلفة. وبغية الإيجاز وعدم الإطالة، لن تلامس هذه المقالة سوى أربعة محاور رئيسة كلّ منها يحاكي خطابًا سياسيًا منظّمًا حول الشرق الأوسط ويمكن أن تساعدنا هذه المحاور إلى حدّ ما في فهم عملية التغيير التي نشهدها حاليًا. هذه المحاور الأربعة هي: الاضطرابات السياسية الحاليّة في أعقاب الانتفاضات العربيّة، ونهاية السياسات والاقتصادات المتمحورة حول النفط، ومستقبل الإسلام السياسي، والتحوّل في ديناميكيات القوة الإقليمية.

1. الاضطرابات السياسية الحاليّة في أعقاب الانتفاضات العربيّة

- بعد عشر سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية التي اجتاحت المنطقة في عام 2010، يبدو أنّ الشرق الأوسط قد تراجع إلى الوراء ولم يخطو خطوة إلى الأمام نحو التقدّم الديمقراطي والاقتصادي. في الواقع، باتت بلدانٌ مثل لبنان وسوريا وليبيا والعراق واليمن "دولًا فاشلة" بسبب الحروب الأهليّة المميتة والصراعات الداخليّة وأيضًا بسبب فشل الحكومات في إحراز تقدّم كافٍ في الإصلاحات المدنيّة والاقتصاديّة حيث بات الفساد وعدم الكفاءة في الحكم يبدو أنّه المعيار الطبيعي السائد. ونتيجةً لذلك، فإنّ الأسباب نفسها التي أشعلت فتيلة الاحتجاجات، والتي يسمّيها المتخصّصون "سياسة الكرامة"، تبدو أنّها مازالت بارزة في المنطقة.

- ومع ذلك، فإنّ نظام الشرق الأوسط للدول والحدود المتوارث بعد الحرب العالمية الأولى سيظلّ على الأرجح على ما هو عليه إلىّ حدّ كبير ومن دون المساس به وإن كان مع دول مركزية أضعف وفراغ في السلطة المركزيّة في العديد من الأماكن. ففي هذه المناطق، من المرجّح أن يصبح صنع القرار السياسي أكثر محليّة وطائفيّة حيث سيحلّ التضامن القبلي و / أو الميليشيات المحليّة ذات الذراع الاجتماعي محلّ خدمات الدولة.

- وفي موازاة ذلك، لا يزال يتعيّن على بلاد الشام أن تتعامل مع أزمات إنسانيّة وأزمات لاجئين غير مسبوقة تضيف أعباءً على موارد الدولة والبنية التحتيّة المرهقة والمتفتتة أحيانًا. علاوةً على ذلك، فإنّ موت مئات الآلاف من المدنيين واختفاءهم نتيجة الحرب الأهليّة في سوريا واليمن وليبيا والعراق سيترك ندوبًا طويلة الأمد. وستواجه هذه البلدان تحديًا كبيرًا في إعادة بناء وتثبيت شكلٍ من أشكال الحكومة يكون شاملاً بما يكفي لتجنّب اندلاع العنف والمظالم التي أدّت إلى الحرب في المقام الأوّل.

2. نهاية نموذج السياسة النفطيّة ونموذج الدولة الريعيّة

- سيطرت السياسة النفطيّة على الخطاب حول الشرق الأوسط منذ صدمة النفط الأولى في عام 1973 عندما فرض الأعضاء العرب في أوبك حظرًا على الولايات المتحدة انتقامًا لقرارها إعادة دعم الجيش الإسرائيلي خلال الحرب العربيّة الإسرائيليّة في العام نفسه. فمع ارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 70٪، أدّى الحظر إلى إجهاد الاقتصاد الأمريكي الذي نما بصورة متزايدة معتمدًا على النفط الأجنبي. غير أنّه مع ثورة الغاز الصخري، أصبحت الولايات المتّحدة أكبر منتج للنفط الخام في العالم. بعبارة أخرى، لم تعد الولايات المتّحدة "بحاجة" إلى الشرق الأوسط بعد الآن للحصول على النفط. وهذا يفسّر جزئيًا الانسحاب من المنطقة الذي أجرته إدارة أوباما.

- علاوة على ذلك، فإنّ هذه الحاجة المتناقصة للنفط عامةً ولنفط الشرق الأوسط خاصةً تضع النموذج الاقتصادي الريعي للعديد من الدول العربية وآليات إعادة التوزيع تحت ضغطٍ كبير. في النظام الريعي، تستخدم الدولة الإيجارات والأرباح لتمويل شبكات واسعة من المحسوبيّة والإعانات والخدمات الاجتماعيّة لشعبها. ونرى أنّه لسنوات حافظت الريعيّة المشتقة من مبيعات النفط أو مصادر أخرى على الوضع السياسي والاقتصادي الراهن في الشرق الأوسط على ما يسمّيه علماء السياسة "الصفقة الاستبدادية" حيث تُقدَّم الخدمات الاجتماعيّة والرعاية الاجتماعيّة مقابل "سكون المواطنين". إنّه نموذج يغيب فيه التمثيل بسبب غياب الضرائب!

- إلّا أنّه مع انخفاض أسعار النفط وتزايد عدد السكّان، لم يعد بإمكان الدول الريعيّة الاستمرار في تقديم المستوى نفسه من الخدمات والرعاية. تحتاج الاقتصادات إلى البدء في التنويع والانتقال إلى نماذج أكثر استدامة. هذا ما كانت المملكة العربية السعودية تحاول فعله مع رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030.

3. هل من مستقبل للإسلام السياسي؟

- منذ إنشاء جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنّا في عام 1928، ونحن نشهد مظاهر مختلفة لفكرة شمولية نظام الإسلام للحياة حيث يجب أن ينظّم جميع الأنشطة البشريّة، بما في ذلك السياسة والمجتمع. غير أنّ الهزيمة العسكرية الساحقة للدول العربية أمام إسرائيل في عام 1967 كانت بمثابة نهاية للقومية العربيّة باعتبارها الأيديولوجية المهيمنة في العالم العربي وبداية إحياء الإسلام السياسي.

- في عام 1979، أدّت الثورة الإسلاميّة في إيران بتطلعاتها العالميّة ونغماتها الاجتماعيّة إلى تفاقم هذا الاتجاه. في الواقع، أدّت المنافسة التي تلت ذلك بين هذه الثيوقراطيّة الثوريّة الجديدة والملكيّة المحافظة لآل سعود التي هي مسقط رأس الإسلام، إلى سباق معادِ لإظهار من هو الأكثر إسلاميّة. وسنرى في نهاية المطاف تأثيرات سباق التسلح الأيديولوجي والمحافظة الاجتماعية على المنطقة والسياسة الدوليّة لا سيّما مع هزيمة الجيش الأحمر على يد المجاهدين في أفغانستان بفضل دولارات النفط السعودي والدعم الأمريكي.

- لفترة طويلة، دعمت السياسة الخارجية للولايات المتّحدة العديد من المستبّدين في العالم العربي الذين قدّموا أنفسهم على أنّهم أفضل ترياق ضد الإسلاميين الراديكاليين المعادين للغرب. شهدت الانتفاضات العربية وما تلاها من عدم استقرار زيادة دور الحركات الإسلاميّة في السياسة المحليّة لأنّها كانت أكثر الجماعات السياسيّة تنظيمًا. إلّا أنّ فشل التجربة السياسيّة للإخوان المسلمين في مصر في أعقاب الانقلاب العسكري عام 2013 دفع الحركات الإسلاميّة في المنطقة إلى تبنّي مناهج أكثر تصالحيّة وشموليّة بغية تجنب القمع. علاوة على ذلك، أدّى صعود الدولة الإسلاميّة وسقوطها إلى دفع الحركات الإسلاميّة في جميع أنحاء العالم العربي إلى النأي بنفسها عن الإسلاميين المتشدّدين. هذا ما وصفه الباحثون بـ "الصدمات المزدوجة للربيع العربي".

- اتسمت الاحتجاجات الأخيرة في الجزائر والسودان والعراق ولبنان بغياب المظالم الإسلاميّة في مطالب المحتّجين الذين كانوا أكثر اهتمامًا بمسائل البطالة وعدم كفاية الخدمات العامّة والفساد والمحسوبيّة وسوء الإدارة. بعبارة أخرى، أرادوا استعادة كرامتهم والسعي إلى حياةٍ أفضل. يعتمد ازدهار الحركات الإسلاميّة في المستقبل على مدى قدرة الحركات السياسيّة البديلة على التنظيم الفعّال والنجاح في نهاية المطاف في ممارسة الحكم وإدارة الاقتصاد بكفاءة وبناء الدولة.

4. ديناميكيات القوى الإقليميّة الجديدة

- أدّى غزو العراق بقيادة الولايات المتّحدة والحروب التي أعقبت الانتفاضات العربيّة إلى ديناميكيات إقليميّة جديدة مع القوى العربيّة التقليديّة المستضعفة مثل مصر والعراق وسوريا.

- غير أنّ قرار الولايات المتّحدة بالابتعاد شرقًا عن الشرق الأوسط باتجاه آسيا قد حوّل ميزان القوى الإقليمي وسمح للاعبين جدد بملء فراغ السلطة. لا تزال إيران ملتزمة بتعزيز "الهلال الشيعي" من طهران إلى بيروت، الأمر الذي سيؤدّي إلى تفاقم التوتّرات بين الشيعة والسنّة حيث تحاول المملكة العربيّة السعوديّة جاهدةً الحدّ من نفوذ إيران من خلال خوض حروب بالوكالة. ولقد وسّعت تركيا من نفوذها وتأثيرها من خلال التدخّلات العسكريّة بأسلوبٍ عثماني جديد، بينما مكّنتها عودة روسيا من أن تصبح وسيطًا إقليميًا.

- من غير المحتمَل أن يستعيد تنظيم داعش الخلافة الإقليميّة، لكنّه على الأرجح سيستمر في الوجود في العالم الرقمي. في غضون ذلك، باتت وبسرعة منطقة الساحل أرض الفرص الجديدة للمتشدّدين الإسلاميين المتطرّفين.

- شكّل الصراع العربي الإسرائيلي الخطاب الشرق أوسطي لعقود. الاتفاقات الثنائية الأخيرة بين إسرائيل والإمارات والبحرين بمباركة المملكة العربيّة السعوديّة تبشّر بمرحلة جديدة لسياسة الشرق الأوسط مع إيران كعدوٍ مشترك. غير أنّ الاتفاقات أخفقت في معالجة الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين الذين ينظرون إلى الاتفاقية على أنّها طعنة في الظهر من قِبل الدول العربية.
في ظلّ هذه الخلفيّة، تحتاج الكنيسة إلى التكيّف، ليس فقط من أجل البقاء ولكن أيضًا للتقدّم. لا يمكن أن تبقى في عزلة عمّا يحدث حولها بينما تعتمد على الحماية من قِبل المستبدين المحليين. يعهد الله لكنيسة الشرق الأوسط أن تكون النور الذي تحتاجه المنطقة بشدّة. يجب أن تكون الكنيسة ماهرة في فهم سياقها حتّى ترى ما يفعله الله في خضم الصراع، وما يدعوها أن تفعله استجابةً لذلك. يتمثّل دورنا في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة في إعداد قادة الكنيسة لفهم هذه الوقائع وتجييش مجتمعاتهم الكنسية لإعلان الإنجيل بفعاليّة في خضم هذا الارتباك الإقليمي. لهذا السبب، بينما نعيد تصميم برامجنا لعالم ما بعد الوباء، نريد أن نظلّ واعين بالوقائع الجديدة التي تحدّد مجتمعاتنا والتحدّيات الجديدة التي تقدّمها لخدمة الكنيسة. يُرجى إبقاء أعضاء هيئة التدريس لدينا في صلواتكم فيما يشرفون على الانتهاء من إعادة تصميم المناهج الدراسيّة.
Embed from Getty Images
 
Embed from Getty Images
 
Embed from Getty Images
 
Embed from Getty Images
 
Embed from Getty Images
 

* هذا هو الجزء السابع من سلسلة مقالات حول اتجاهنا الجديد.