كليّة بلا حدود: نتكئ على إرث ونسير نحو المستقبل
مارس 16, 2021
تغييرات وتحدّيات تواجه الكنيسة في الشرق الأوسط
ديسمبر 16, 2020

صنع السلام يتشكّل ويُشكِّل في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة

بقلم باسم ملكي
شباط/ فبراير ٢٠٢١
الفصل الثامن

عندما أفكّر في كلمات إشعياء، " وَيُدْعَى... رَئِيسَ السَّلاَمِ. 7 لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ." (إشعياء 9: 6-7)، أتساءل ما مدى وجود هذا السلام حقًا في كنائسنا والمجتمعات المحيطة بها اليوم.

عندما أفكر في كلمات بولس "وسلام الله الذي يفوق كلّ عقل" (فيلبي 4: 7)، أفكّر في نفسي، أين السلام الذي يفوق الفهم الدنيوي؟

كيف نتعامل مع صراعات القوّة السلطوية ونغيّرها؟ هل يجب أن نعيد النظر في لاهوت الاستشهاد وتعبيراته؟ ما نوع القوّة التي لنا من الله كأتباع للمسيح؟ هذه بعض الأسئلة التي يجب أن تطرحها كنائسنا اليوم.
في الفصول القليلة الماضية، وصفنا كيفية قيادة توجهنا الجديد في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة لنهجنا في تشكيل القادة على نحوٍ يخدم الاحتياجات المتزايدة للكنيسة العربية. في هذا الفصل، أودّ التركيز على كيفية تغيير نهجنا في صنع السلام وتحويله ليبيت في جوهر كليّتنا.

لقد أثّرت مبادرات السلام التي قادها معهد دراسات الشرق الأوسط في المجتمع اللبناني على مدار السنوات العديدة الماضية، لا سيّما فيما يتعلق بالعلاقات المسيحية الإسلاميّة، ومنها تعلّمنا العديد من الدروس في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة. اليوم، كجزء من توجّهنا الجديد، نحمل صنع السلام إلى مكانين آخرين؛ أولاً، مجتمع كليّتنا، وثانيًا، الكنائس الإنجيليّة المحليّة، وذلك تحضيرًا منّا للتأثير في العالم العربي في السنوات المقبلة.

وقبل شرح هاتين النقطتين، أود أن أُسهِب في الحديث عن المفهوم الأوسع لصنع السلام في الكتاب المقدّس.

إنّ صنع السلام بحسب الكتاب المقدس بطبيعته يتعارض مع الثقافة السائدة والطبيعة البشريّة. لا أحد منّا، نحن البشر، لديه ميل طبيعي لإطاعة وصايا المسيح، ومحبّة الأعداء، والاعتراف بالأخطاء، ومواجهة الآخرين بمحبّة، والسعي وراء منفعة الآخرين، ومسامحة أولئك الذين يسيئون إلينا. إنّ غريزتنا الطبيعية في وقت الصراع هي أن نفعل عكس ما يدعونا الله للقيام به.

الحلّ هو بشرى الإنجيل، والخبر السار هو أنّ يسوع المسيح جاء إلى العالم ليخلّص الخطأة، ويجعلنا أبناء نعكس صورته، وذلك لأنّه دفع ثمن خطايانا بموته على الصليب وقيامته من الموت. لقد جاء ليحيينا بالروح القدس وبقوة كلمته (وطاعتها) التي هي قوّة الله للخلاص. عندما نؤمن بهذا، نضع ثقتنا في المسيح يسوع وقدرته على إتمام عمله إلى الكمال. نتعلّم كيفية الاستجابة للتوتر والصراع على نحوٍ بنّاء ونتغلّب على نقاط ضعفنا الفطرية.

يمكن لهذه الأخبار الرائعة أن تغيّر جذريًا الطريقة التي نستجيب بها للنزاع. يمكّننا الرّب من خلال الإنجيل من أن نصبح صانعي سلام على غرار المسيح. عندما نقف في دهشة من نعمته التي لا مثيل لها، نجد فرحًا في تمجيد الله وطاعته أكثر من سعينا وراء غاياتنا الأنانية.

ولمن الضروري أيضًا أن نلاحظ أنّ مفهوم الكتاب المقدس حول السلام يلامس ويحتضن وينشّط كلّ علاقة ممكنة. لقد خُلِقنا لنعيش في سلام مع الله، ومع كلّ إنسان، ومع العالم الطبيعي بأسره (الحي والجامد) ومع أنفسنا.

الصورة الكتابيّة واضحة تمامًا: ملكوت الله هو ملكوت السلام. ووجود السلام هو خير دليل على الملكوت، وهذا السلام يظهر بكلّ جوانبه وصفاته. السلام هو التعبير الأرضي لجميع صفات مسكن الله السماوي. "لأنّ ملكوت الله... هو برّ وسلام وفرح في الرّوح القدس..." (رومية 14 :17)

الله إله محبّ للسلام وإله صانع سلام. وإنّ كلّ تاريخ الفداء، الذي بلغ ذروته في موت يسوع وقيامته، هو استراتيجية الله لتحقيق سلام عادل ودائم بين الناس وبينه، ثمّ بين الناس فيما بينهم.

يجب أن يتمتّع أبناء الله بشخصية أبيهم. يحبّون ما يحبّه. ويسعون إلى ما يسعى إليه. يرغبون بما يرغب به. ويجب أن يطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه.

لهذا السبب، في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة، نريد حثّ طلابنا وأعضاء هيئة التدريس والموظّفين ومجلس القيادة ومجلس الأمناء والشركاء أن يحيَوا هذا السلام تطبيقيًا. وبذلك يصبح كلّ عضو في الكليّة صانع سلام. نحن بحاجة إلى العمل لاستعادة ثقافة المحبّة وثقافة الوحدة وثقافة السلام. "صنع" السلام هو أفضل ما يفعله أبناء الله أو ينبغي عليهم فعله. صانعو السلام يغيّرون العالم، يصلحون العلاقات، يقيمون مصالحات، يدمّرون العداء والعنصرية، يشفون الجروح، ويرّممون الأسر والمجتمعات والأمم. صانعو السلام يقفون في الصفوف الأماميّة في مواجهة العدو، الشيطان، عندما يدمّر هذا الأخير العلاقات ويبني جدران الكراهية والخوف والعداوة. نطلب من الله أن يستخدمنا كسلاح في يده لتحقيق الشفاء والتجديد والمصالحة.

لذا، نصلّي، ونتخذ أيّ مبادرات عمليّة ممكنة لصنع السلام، بدءًا بأمرٍ بسيط مثل محبة الآخر. على الرغم من أنّنا قد لا ننجح دائمًا، نتوق إلى السلام، والعمل من أجل السلام، والتضحية من أجل السلام. غير أنّنا نعلم أنّ تحقيق السلام الكامل قد لا يتحقّق. نحن نصنع السلام بسبب ماهيتنا في المسيح، وبسبب هويتنا، وليس بدافع ما إذا كان الآخر يستحق ذلك أم لا، ولا اعتمادًا على ما إذا كان سينجح أم لا. نحن نجلب صنع السلام إلى صميم كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة؛ صنع السلام وبشارة الإنجيل يسيران يدًّا بيد.

الشيء الثاني الذي نقوم به في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة هو البحث لنرى أين أخفقنا، ككنائس محليّة عربيّة، في تمجيد الله ونحن نواجه جميع أنواع الصراع. والغرض من ذلك هو التوعية والانخراط في ورش عمل طالبين من الروح القدس مساعدتنا على الفهم والتصرّف وفقًا لإرادة الآب السماوي للبشريّة.

سنقتنص هذه التجربة لنخدم كنائسنا المحلية ونسير معها جنبًا إلى جنب. لا يتعلق صنع السلام بالمصالحة فحسب، بل أيضًا بتعزيز صحّة المجتمع وسلامته. وبذلك يصبح صنع السلام أيّ عمل أو تدريب أو تعليم يطلق العنان لإمكانات شخص أو مجتمع ليتصرّف ويكون أكثر شبهًا بالمسيح. وتصبح الكنيسة نموذجًا لصنع السلام ودافعًا للتغيير بقوّة الروح القدس، في التعامل مع القضايا الثقافيّة والوطنيّة الوبائيّة. سنوثّق وننقل قصصًا ونحدّد الثغرات التي تحتاج إلى إعادة تشكيل، وسنختبر النماذج المعدّلة لمبادرات صنع السلام. وبينما نتعلّم، ستؤثّر هذه البيانات باستمرار على مناهجنا الدراسية من أجل تشكيل طلاب صانعي سلام يؤثّرون في بقيّة العالم من خلال مجتمعاتهم المحليّة.

قال لي أحدهم أنّ المسيحيين هم سلالة تحتضر في الشرق الأوسط. وفكّرت أنّه إذا كانت المسيحيّة، كمؤسّسة، تحتضر بالفعل في الشرق الأوسط، فإنّ أتباع المسيح بالتأكيد ليسوا سلالة على وشك الموت. فاليوم أكثر من أيّ وقت مضى يصل الإنجيل إلى مستويات جديدة من المشاركة في العالم العربي، وتقوم الكنيسة بدورها كصانعة سلام. نصلّي أن ننمو ونُظهر محبّتنا وإيماننا بقوة.

* هذا هو الجزء الثامن من سلسلة مقالات حول اتجاهنا الجديد.