۲۰۲۰ -من التدهور إلى التطوّر، من الرثاء إلى الاحتفال: فصل جديد لخدمة كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة
بقلم ايلي حدّاد
حزيران/ يونيو ٢٠٢٠
الفصل الأوّل
تسبّبَتْ هذه الجائحة في اضطراب عالمي وأرغَمَت العالَم على إعادة التّفكير في الأولويّات والوسائل، وحتّى طرح الأسئلة الأساسيّة والجوهريّة حول هُويّتنا، وعملنا، وكيفيّة القيام به.
والوضع ليس مختلفًا بالنّسبة لكليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة. فلقد تعطّلَتِ الحياة فجأةً بسبب الجائحة، لا سيّما أنّ غالبيّة برامجنا ومبادراتنا تتمحور حول جمع الأشخاص معًا، سواء في الصفوف، أو في فترات العبادة، أو في الاجتماعات والمناسبات. ومع ذلك، لم يتطلّب الأمر الكثير من التّفكير والجهد لتنفيذ تدابير الطّوارىء ونقل كلّ شيء ليصبح متاحًا عبر الإنترنت. لم يكن هذا الأمر هو التّحدي الأساسي. فالعمل في منطقة تعاني من اضطرابات دائمة جعلنا نتحلّى بالمرونة والقدرة على التكيُّف سريعًا في مواجهة الاضطرابات.
إنّ التّحدي الكبير لكليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة هو طويل الأمد. البعض من شركائنا في التعليم اللاهوتي يصفون هذه الفترة بزمن العتبة. زمن الانتقال الحادّ. فَـ "ما كان" لم يعد موجودًا بعد الآن والذي "يليه"، هو مكان لم يطأه أحدٌ منّا قطّ. ما لا شكّ فيه أنّه وقت رثاء وارتباك، لكنّه أيضًا وقتٌ للبحث والاستكشاف. إنّه وقت الجرأة والجسارة. إنّه الوقت لنكون استراتيجيين.
أجرينا خلال الأشهر الماضية محادثات ومناقشات مكثّفة، وأمضينا أوقاتًا في التّفكير والتمييز. وبينما كنّا نتداول مستقبل كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة، طغى مُصطلحان على مناقشاتنا: الابتكار والتّعاون. هذان عنصران حيويّان، لن يكون هناك أُفق لخدمة كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة بدونهما. وسوف نُشارك المزيد في المستقبل القريب حينما تبلغ استكشافاتنا مرحلة النضج. أريد التّركيز هنا على الابتكار، ولا سيّما فيما يتعلّق بجوهر خدمة كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة على مدى الستّين سنة الماضية، ألا وهو برنامجنا التّعليمي داخل حرم الكليّة.
تأسّست كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة في العام 1960 لإعداد قادة للكنيسة في لبنان والعالَم العربي. كانت الوسيلة الرّئيسة لتحقيق ذلك هي التّعليم في حرم الكليّة بدوام كامل. كان المنهج المُستخدَم مُشابهًا للمناهج المُستخدَمة عالميًّا، وإنّما باللّغة العربيّة، وقد تمّ تطويره على مرّ السنين. غير أنّ تطوُّر كبير استُحدِث بين عامي 2009 و2012، عندما تمّ ابتكار منهج جديد حوّل نمط التدريب في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة على نحوٍ ملحوظ. وَسّع هذا المنهج رؤية التّعليم اللاهوتي ليشمل تشكيل القادة. ويمكن تلخيص هذا المنهج على أنّه شمولي، سياقي، ومتكامل.
أوّلًا، الطّبيعة الشموليّة للمنهج تُرجِمت أنّنا لم نكتفِ بتشكيل القادة فكريًّا، وإنّما عاطفيًّا وسلوكيًّا، بتنا مهتمّين بسلوكيات القائد بكافة أبعادها. ثانيًا، صُمِّمَ المنهج الدراسي خصّيصًا للخدمة ضمن سياق عربي إسلامي. وثالثًا، يعكس المنهج مقاربة تعليميّة متكاملة، متعدّدة التخصّصات، وتأمُّلية إلى حدّ كبير، ويتمّ تقديم هذا المنهج على شكل وَحدات أو موديولات. وقد أدّى ذلك إلى تحويل الصف من بيئة للتّدريس إلى بيئة للتعلُّم، وتحويل الأساتذة من مقدّمين للمعرفة إلى ميسّرين للتعلُّم. بتنا معنيّين بتطوير مفكّرين روحيّين نقديّين يمكنهم التّفكير كتابيًّا في قضايا الحياة الواقعيّة، مُشكَّلين ومُشكِّلين، ولديهم المهارات اللازمة لقيادة مجتمعاتهم الكنسيّة وتجهيزها من أجل الخدمة الفعليّة.
تعلّمنا الكثير خلال عملية التّصميم هذه. تعلّمنا كيفيّة بناء برنامج صلب في جوهره، لكنّه مَرِن بما يكفي ليتمّ تعديله وتحديثه استجابةً للتغذية الراجعة والتّقييم اللذين نتلقّاهما واستجابةً للاحتياجات والواقع المتغيّر. تعلّمنا أيضًا أنّ تغييرًا كهذا لا يمكن تفعيله إلّا كجماعة، وفقًا لاستشارة أصحاب الشأن المعنيين في التغيير، وفقط عندما يكون الكادر التعليمي في جوهر عمليّة التّغيير هذه. يتطلّب الأمر قيام مسيرة يقوم بها الجماعة معًا لتحقيق التّغيير الجذري المنشود.
بالعودة إلى العام 2020 والعتبيّة، بات من الواضح أنّه لا يمكننا الحفاظ على هذا البرنامج التّعليمي في حرم الكليّة بدوام كامل، والذي استثمرنا فيه الكثير، وكان ناجحًا لطلّابنا والكنائس التي يخدمونها. لا يمكننا الحفاظ على هذا البرنامج بسبب الواقع الجديد. ما لا شكّ فيه أنّ قواعد التّباعد الاجتماعي والقيود المفروضة على السّفر، ستمنعنا من إحضار الطلّاب إلى لبنان أقلّه للعام الدراسي المقبل. بالإضافة إلى ذلك، إنّ واقع التّمويل الجديد يفرض نفسه بقوّة. لا أحد يعرف ما ستبدو عليه الأمور بعد الجائحة، لكنّنا ندرك حاجتنا إلى تقليص التّكلفة وإدارة الكليّة بانسيابية أكثر بغية البقاء والاستمرارية.
إنّ ردّ الفعل الأوّل هو الرّثاء والارتباك. لقد فعلنا ذلك. في الواقع، لم ننتهِ بعد من رثاء ما خسرناه. لكنّ ردّ الفعل الثاني، هو المضي قدمًا في استراتيجيّة جديدة، ورؤية مُتجدِّدة، وحَلّ مُبتَكَر، يحمل التّعليم اللاهوتي وتشكيل القادة في المنطقة على نحوٍ ملائم للقرن الواحد والعشرين.
تتمثّل استراتيجيّتنا الجديدة لخدمتنا الجوهريّة في تحويل برنامجنا في حرم الكليّة بدوام كامل، إلى ما ندعوه حاليًّا برنامج الكليّة المُعدّل. أضحت صيغة هذا البرنامج الجديد أكثر وضوحًا. إنّ فريقنا الأكاديمي وأعضاء هيئة التّدريس بصدد استكمال تفاصيل هذا التّصميم.
سيتكوَّن البرنامج الجديد على الأغلب من عناصر عبر الإنترنت بالإضافة إلى فترات إقامة سنويّة قصيرة داخل حرم الكليّة. إنّ السبب وراء تسميته برنامج الكليّة المعدّل، هو التأكيد على حقيقة أنّنا ما زلنا نحافظ على صيغة المنهج الدراسي نفسه لبرنامجنا القديم. لن يكون هذا المنهج برنامجًا عبر الإنترنت، فنحن لدينا برنامج دراسي عبر الإنترنت، وإنّما سيكون برنامجًا مُختَلطًا يُحافظ على جميع الميّزات الرّئيسة لِمَا كان ناجحًا في برنامجنا في حرم الكليّة ونحن لا زلنا ملتزمين بالتّدريب ذي الجودة العالية الذي اعتاد طلّابنا عليه. ولا زلنا محافظين على الأبعاد الشموليّة، والسياقيّة، والتكامليّة للمنهج، على شكل وحدات أو موديولات. ونحن ملتزمون أيضًا بعنصر البحث ذي الجودة العالية نفسه الذي لطالما ميَّز برنامجنا في حرم الكليّة. في الواقع، سوف نُقَدِّم منهجنا المميَّز ذاته وإنّما بوسيلة جديدة.
كان برنامجنا في حرم الكليّة يمتدّ على مدار ثلاث سنوات أكاديميّة بدوام كامل كي يتمّ إكماله، لكنّ البرنامج الجديد سيمتدّ على مدى أربع سنوات ونصف، ذلك لأنّ استراتيجيّتنا الجديدة هي خدمة أُناس مختلفين بعض الشّيء. ومع هذا الشّكل الجديد، بتنا الآن قادرين على تجهيز القادة الأساسيّين في المنطقة الذين يتوقون إلى تلقي التدريب، والذين لا يمكنهم المجيء إلى لبنان لقضاء ثلاث سنوات لأنّهم منخرطون في الخدمة، فنحن نرغب أنْ يكون هذا البرنامج متاحًا لهم. بدلًا من البحث عن طلّاب بدوام كامل، تكمن استراتيجيّتنا الجديدة في البحث عن أولئك الذين في الخدمة الفعليّة بدوام كامل والذين بإمكانهم استثمار ساعتَين يوميًّا للدراسة طوال مدّة البرنامج (بالإضافة إلى الإقامة السنويّة القصيرة في لبنان).
مع انتفاء الحاجة إلى الإقامات الطويلة الأمد في لبنان، تحرّرنا من قيود التأشيرة والإقامة الخارجة عن سيطرتنا. بات الآن بإمكان القادة العرب المقيمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها الوصول إلينا.
سنتمكّن من خلال هذا المنهج الجديد من قبول حوالي 30 طالبًا في السّنة. وهذا يعني أنّه في غضون أربع سنوات، سنتمكّن من مضاعفة سعة برنامجنا من 40 طالبًا حاليًّا إلى 120 طالب في المستقبل.
سوف نفقد العديد من العناصر الرّئيسة في هذا النّموذج الجديد، مثل الحياة الاجتماعيّة التي تتشكّل داخل حرم الكليّة، مع جميع العناصر التّحويليّة الناتجة عنها، بالإضافة إلى تجربة مشاطرة الحياة اليوميّة، وتجربة الخدمة في سياق كنسي مختلف وخدمات مختلفة. نحن ندرك أهميّة هذه العناصر ونعمل جاهدين على تصميم وسائل تعليميّة بديلة من أجل بناء المجتمع وتشكيل أفواج من القادة. لكنّ ما سنكسبه في المقابل، هو القدرة على تدريب الطلّاب في سياق خدمتهم الخاصّة، ما سيُساعدهم على التّفكير في خدمتهم وتعزيزها أثناء نموّهم في تعلّمهم. سيمنحنا ذلك أيضًا فرصة الشّراكة مع كنائس الطلّاب المحليّة في معالجة العناصر التّحويليّة.
ثمّة بعض العوامل الرّئيسة لضمان نجاح هذا المنهج الجديد. أحدها هو القدرة على الاستفادة من التكنولوجيا المتاحة لجمع الناس معًا على نحوٍ افتراضي وعن بُعد. ثمّة عامِل رئيس آخر هو توفُّر الموارد الرّقميّة، عندما يكون الوصول إلى المكتبة أمرًا غير متاح. نحن نعمل بجدٍّ، ونتعاون مع آخرين لإيجاد حلول لهذه التحدّيات.
يعمل فريق التّصميم وهيئة التّدريس حاليًّا على تحديد العناصر التي يجب تضمينها في فترات الدراسة القصيرة في حرم الكليّة، ونوع الحياة الاجتماعيّة التي يُمكن تشكيلها في فترات إقامة قصيرة وتنميتها على نحوٍ فعليّ، وكيفيّة معالجة العناصر التّحويليّة، وكيف يمكن دمج العناصر غير الرّسمية للمنهج على أفضل وجه.
نحن متحمّسون لهذا التطوُّر الجديد، وأعضاء هيئة التّدريس متحمّسون أيضًا. كما أنّنا نحظى بدعم مجلس الأمناء. نحن ما زلنا بحاجة لإجراء المزيد من المحادثات مع أصحاب الشأن في المجتمع والشّركاء في التّعليم اللاهوتي والأكاديمي. نحن نعمل بجدٍّ على جميع العناصر، وسوف نُشارك مختلف جوانب تصميمنا عندما يتشكّل وينضج.
نحن نحتفل، هذا صحيح. نحتفل بصلاح اللّه. نحتفل بالفرص الجديدة التي يفتحها اللّه أمامنا في مجال الخدمة. نحن نحتفل بالإرث الطّويل لكليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة، وبالخبرة والتخصُّص اللّذين أعدَّانا لهذه المرحلة القادمة. نحن نحتفل بالكثير من الأفراد المفكّرين، والأتقياء، والمبدعين، في مجتمع هيئة التّدريس، والموظّفين، والطلّاب، ومجلس الإدارة، والمتخرّجين، وقادة الكنائس، والشّركاء الذين يُساعدون في صياغة هذه الاستراتيجيّة الجديدة وتمكين تنفيذها. إذا كنتَ تقرأ هذا، فأنتَ على الأرجح فرد قَيِّم في هذا المجتمع، ونحن ندعوك للإحتفال معنا.
حزيران/ يونيو ٢٠٢٠
الفصل الأوّل
تسبّبَتْ هذه الجائحة في اضطراب عالمي وأرغَمَت العالَم على إعادة التّفكير في الأولويّات والوسائل، وحتّى طرح الأسئلة الأساسيّة والجوهريّة حول هُويّتنا، وعملنا، وكيفيّة القيام به.
والوضع ليس مختلفًا بالنّسبة لكليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة. فلقد تعطّلَتِ الحياة فجأةً بسبب الجائحة، لا سيّما أنّ غالبيّة برامجنا ومبادراتنا تتمحور حول جمع الأشخاص معًا، سواء في الصفوف، أو في فترات العبادة، أو في الاجتماعات والمناسبات. ومع ذلك، لم يتطلّب الأمر الكثير من التّفكير والجهد لتنفيذ تدابير الطّوارىء ونقل كلّ شيء ليصبح متاحًا عبر الإنترنت. لم يكن هذا الأمر هو التّحدي الأساسي. فالعمل في منطقة تعاني من اضطرابات دائمة جعلنا نتحلّى بالمرونة والقدرة على التكيُّف سريعًا في مواجهة الاضطرابات.
إنّ التّحدي الكبير لكليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة هو طويل الأمد. البعض من شركائنا في التعليم اللاهوتي يصفون هذه الفترة بزمن العتبة. زمن الانتقال الحادّ. فَـ "ما كان" لم يعد موجودًا بعد الآن والذي "يليه"، هو مكان لم يطأه أحدٌ منّا قطّ. ما لا شكّ فيه أنّه وقت رثاء وارتباك، لكنّه أيضًا وقتٌ للبحث والاستكشاف. إنّه وقت الجرأة والجسارة. إنّه الوقت لنكون استراتيجيين.
أجرينا خلال الأشهر الماضية محادثات ومناقشات مكثّفة، وأمضينا أوقاتًا في التّفكير والتمييز. وبينما كنّا نتداول مستقبل كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة، طغى مُصطلحان على مناقشاتنا: الابتكار والتّعاون. هذان عنصران حيويّان، لن يكون هناك أُفق لخدمة كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة بدونهما. وسوف نُشارك المزيد في المستقبل القريب حينما تبلغ استكشافاتنا مرحلة النضج. أريد التّركيز هنا على الابتكار، ولا سيّما فيما يتعلّق بجوهر خدمة كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة على مدى الستّين سنة الماضية، ألا وهو برنامجنا التّعليمي داخل حرم الكليّة.
تأسّست كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة في العام 1960 لإعداد قادة للكنيسة في لبنان والعالَم العربي. كانت الوسيلة الرّئيسة لتحقيق ذلك هي التّعليم في حرم الكليّة بدوام كامل. كان المنهج المُستخدَم مُشابهًا للمناهج المُستخدَمة عالميًّا، وإنّما باللّغة العربيّة، وقد تمّ تطويره على مرّ السنين. غير أنّ تطوُّر كبير استُحدِث بين عامي 2009 و2012، عندما تمّ ابتكار منهج جديد حوّل نمط التدريب في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة على نحوٍ ملحوظ. وَسّع هذا المنهج رؤية التّعليم اللاهوتي ليشمل تشكيل القادة. ويمكن تلخيص هذا المنهج على أنّه شمولي، سياقي، ومتكامل.
أوّلًا، الطّبيعة الشموليّة للمنهج تُرجِمت أنّنا لم نكتفِ بتشكيل القادة فكريًّا، وإنّما عاطفيًّا وسلوكيًّا، بتنا مهتمّين بسلوكيات القائد بكافة أبعادها. ثانيًا، صُمِّمَ المنهج الدراسي خصّيصًا للخدمة ضمن سياق عربي إسلامي. وثالثًا، يعكس المنهج مقاربة تعليميّة متكاملة، متعدّدة التخصّصات، وتأمُّلية إلى حدّ كبير، ويتمّ تقديم هذا المنهج على شكل وَحدات أو موديولات. وقد أدّى ذلك إلى تحويل الصف من بيئة للتّدريس إلى بيئة للتعلُّم، وتحويل الأساتذة من مقدّمين للمعرفة إلى ميسّرين للتعلُّم. بتنا معنيّين بتطوير مفكّرين روحيّين نقديّين يمكنهم التّفكير كتابيًّا في قضايا الحياة الواقعيّة، مُشكَّلين ومُشكِّلين، ولديهم المهارات اللازمة لقيادة مجتمعاتهم الكنسيّة وتجهيزها من أجل الخدمة الفعليّة.
تعلّمنا الكثير خلال عملية التّصميم هذه. تعلّمنا كيفيّة بناء برنامج صلب في جوهره، لكنّه مَرِن بما يكفي ليتمّ تعديله وتحديثه استجابةً للتغذية الراجعة والتّقييم اللذين نتلقّاهما واستجابةً للاحتياجات والواقع المتغيّر. تعلّمنا أيضًا أنّ تغييرًا كهذا لا يمكن تفعيله إلّا كجماعة، وفقًا لاستشارة أصحاب الشأن المعنيين في التغيير، وفقط عندما يكون الكادر التعليمي في جوهر عمليّة التّغيير هذه. يتطلّب الأمر قيام مسيرة يقوم بها الجماعة معًا لتحقيق التّغيير الجذري المنشود.
بالعودة إلى العام 2020 والعتبيّة، بات من الواضح أنّه لا يمكننا الحفاظ على هذا البرنامج التّعليمي في حرم الكليّة بدوام كامل، والذي استثمرنا فيه الكثير، وكان ناجحًا لطلّابنا والكنائس التي يخدمونها. لا يمكننا الحفاظ على هذا البرنامج بسبب الواقع الجديد. ما لا شكّ فيه أنّ قواعد التّباعد الاجتماعي والقيود المفروضة على السّفر، ستمنعنا من إحضار الطلّاب إلى لبنان أقلّه للعام الدراسي المقبل. بالإضافة إلى ذلك، إنّ واقع التّمويل الجديد يفرض نفسه بقوّة. لا أحد يعرف ما ستبدو عليه الأمور بعد الجائحة، لكنّنا ندرك حاجتنا إلى تقليص التّكلفة وإدارة الكليّة بانسيابية أكثر بغية البقاء والاستمرارية.
إنّ ردّ الفعل الأوّل هو الرّثاء والارتباك. لقد فعلنا ذلك. في الواقع، لم ننتهِ بعد من رثاء ما خسرناه. لكنّ ردّ الفعل الثاني، هو المضي قدمًا في استراتيجيّة جديدة، ورؤية مُتجدِّدة، وحَلّ مُبتَكَر، يحمل التّعليم اللاهوتي وتشكيل القادة في المنطقة على نحوٍ ملائم للقرن الواحد والعشرين.
تتمثّل استراتيجيّتنا الجديدة لخدمتنا الجوهريّة في تحويل برنامجنا في حرم الكليّة بدوام كامل، إلى ما ندعوه حاليًّا برنامج الكليّة المُعدّل. أضحت صيغة هذا البرنامج الجديد أكثر وضوحًا. إنّ فريقنا الأكاديمي وأعضاء هيئة التّدريس بصدد استكمال تفاصيل هذا التّصميم.
سيتكوَّن البرنامج الجديد على الأغلب من عناصر عبر الإنترنت بالإضافة إلى فترات إقامة سنويّة قصيرة داخل حرم الكليّة. إنّ السبب وراء تسميته برنامج الكليّة المعدّل، هو التأكيد على حقيقة أنّنا ما زلنا نحافظ على صيغة المنهج الدراسي نفسه لبرنامجنا القديم. لن يكون هذا المنهج برنامجًا عبر الإنترنت، فنحن لدينا برنامج دراسي عبر الإنترنت، وإنّما سيكون برنامجًا مُختَلطًا يُحافظ على جميع الميّزات الرّئيسة لِمَا كان ناجحًا في برنامجنا في حرم الكليّة ونحن لا زلنا ملتزمين بالتّدريب ذي الجودة العالية الذي اعتاد طلّابنا عليه. ولا زلنا محافظين على الأبعاد الشموليّة، والسياقيّة، والتكامليّة للمنهج، على شكل وحدات أو موديولات. ونحن ملتزمون أيضًا بعنصر البحث ذي الجودة العالية نفسه الذي لطالما ميَّز برنامجنا في حرم الكليّة. في الواقع، سوف نُقَدِّم منهجنا المميَّز ذاته وإنّما بوسيلة جديدة.
كان برنامجنا في حرم الكليّة يمتدّ على مدار ثلاث سنوات أكاديميّة بدوام كامل كي يتمّ إكماله، لكنّ البرنامج الجديد سيمتدّ على مدى أربع سنوات ونصف، ذلك لأنّ استراتيجيّتنا الجديدة هي خدمة أُناس مختلفين بعض الشّيء. ومع هذا الشّكل الجديد، بتنا الآن قادرين على تجهيز القادة الأساسيّين في المنطقة الذين يتوقون إلى تلقي التدريب، والذين لا يمكنهم المجيء إلى لبنان لقضاء ثلاث سنوات لأنّهم منخرطون في الخدمة، فنحن نرغب أنْ يكون هذا البرنامج متاحًا لهم. بدلًا من البحث عن طلّاب بدوام كامل، تكمن استراتيجيّتنا الجديدة في البحث عن أولئك الذين في الخدمة الفعليّة بدوام كامل والذين بإمكانهم استثمار ساعتَين يوميًّا للدراسة طوال مدّة البرنامج (بالإضافة إلى الإقامة السنويّة القصيرة في لبنان).
مع انتفاء الحاجة إلى الإقامات الطويلة الأمد في لبنان، تحرّرنا من قيود التأشيرة والإقامة الخارجة عن سيطرتنا. بات الآن بإمكان القادة العرب المقيمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها الوصول إلينا.
سنتمكّن من خلال هذا المنهج الجديد من قبول حوالي 30 طالبًا في السّنة. وهذا يعني أنّه في غضون أربع سنوات، سنتمكّن من مضاعفة سعة برنامجنا من 40 طالبًا حاليًّا إلى 120 طالب في المستقبل.
سوف نفقد العديد من العناصر الرّئيسة في هذا النّموذج الجديد، مثل الحياة الاجتماعيّة التي تتشكّل داخل حرم الكليّة، مع جميع العناصر التّحويليّة الناتجة عنها، بالإضافة إلى تجربة مشاطرة الحياة اليوميّة، وتجربة الخدمة في سياق كنسي مختلف وخدمات مختلفة. نحن ندرك أهميّة هذه العناصر ونعمل جاهدين على تصميم وسائل تعليميّة بديلة من أجل بناء المجتمع وتشكيل أفواج من القادة. لكنّ ما سنكسبه في المقابل، هو القدرة على تدريب الطلّاب في سياق خدمتهم الخاصّة، ما سيُساعدهم على التّفكير في خدمتهم وتعزيزها أثناء نموّهم في تعلّمهم. سيمنحنا ذلك أيضًا فرصة الشّراكة مع كنائس الطلّاب المحليّة في معالجة العناصر التّحويليّة.
ثمّة بعض العوامل الرّئيسة لضمان نجاح هذا المنهج الجديد. أحدها هو القدرة على الاستفادة من التكنولوجيا المتاحة لجمع الناس معًا على نحوٍ افتراضي وعن بُعد. ثمّة عامِل رئيس آخر هو توفُّر الموارد الرّقميّة، عندما يكون الوصول إلى المكتبة أمرًا غير متاح. نحن نعمل بجدٍّ، ونتعاون مع آخرين لإيجاد حلول لهذه التحدّيات.
يعمل فريق التّصميم وهيئة التّدريس حاليًّا على تحديد العناصر التي يجب تضمينها في فترات الدراسة القصيرة في حرم الكليّة، ونوع الحياة الاجتماعيّة التي يُمكن تشكيلها في فترات إقامة قصيرة وتنميتها على نحوٍ فعليّ، وكيفيّة معالجة العناصر التّحويليّة، وكيف يمكن دمج العناصر غير الرّسمية للمنهج على أفضل وجه.
نحن متحمّسون لهذا التطوُّر الجديد، وأعضاء هيئة التّدريس متحمّسون أيضًا. كما أنّنا نحظى بدعم مجلس الأمناء. نحن ما زلنا بحاجة لإجراء المزيد من المحادثات مع أصحاب الشأن في المجتمع والشّركاء في التّعليم اللاهوتي والأكاديمي. نحن نعمل بجدٍّ على جميع العناصر، وسوف نُشارك مختلف جوانب تصميمنا عندما يتشكّل وينضج.
نحن نحتفل، هذا صحيح. نحتفل بصلاح اللّه. نحتفل بالفرص الجديدة التي يفتحها اللّه أمامنا في مجال الخدمة. نحن نحتفل بالإرث الطّويل لكليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة، وبالخبرة والتخصُّص اللّذين أعدَّانا لهذه المرحلة القادمة. نحن نحتفل بالكثير من الأفراد المفكّرين، والأتقياء، والمبدعين، في مجتمع هيئة التّدريس، والموظّفين، والطلّاب، ومجلس الإدارة، والمتخرّجين، وقادة الكنائس، والشّركاء الذين يُساعدون في صياغة هذه الاستراتيجيّة الجديدة وتمكين تنفيذها. إذا كنتَ تقرأ هذا، فأنتَ على الأرجح فرد قَيِّم في هذا المجتمع، ونحن ندعوك للإحتفال معنا.





