تطوير المكونات غير الرسمية: معًا نتابع قصّة المنهج
أغسطس 12, 2020
خوض غمار التحديات في سبيل الوصول إلى إطار عملياتي جديد
يوليو 15, 2020

منتدى الشؤون المعاصرة:

مناقشة حول كتاب "المعنى الصحيح لإنجيل المسيح"

الحلقة الأولى: تسييق ترجمات الكتاب المقدس
تاريخ: 14 أيلول 2017

المحتويات

اللقاء، تمّ في كليّة اللاهوت المعمدانية العربية بحضور نخبة من أعضاء الكنيسة المحلية ولاهوتيين وباحثين.
الموضوع، مناقشة حول كتاب "المعنى الصحيح لإنجيل المسيح".
المضمون، يتضمّن عرض لوجهات النظر الداعمة والمعارضة للترجمة.
الخلاصة، الموقف البنّاء تجاه هذه الأعمال.

مقدمة الجلسة

انطلاقًا من رسالتها الهادفة لدعم الكنيسة المحليّة ومساعدتها في السعي للعثور على أجوبة في مواجهة التحدّيات المعاصرة في مجال الفكر والثقافة واللاهوت والمجتمع والسياسة، بادرت كلية اللاهوت المعمدانية العربية إلى إنشاء "منتدى الشؤون المعاصرة" لكي يكون منبرًا جديدًا لعرض هذه القضايا حيث يتم التحاور بشأنها ومناقشتها. وحيث أنّنا في عصر الحريّة والتطّور، نشهد مؤخرًا، وفي ضوء الأحداث العربية الأخيرة، انفتاحًا ثقافيًّا واجتماعيًّا ودينيًّا واسعًا في العالم العربي، ناقضًا المعتقدات القديمة التي لا تحاكي العصر، وساعيًا إلى إيجاد أجوبة عمليّة تحاكي الظروف المر بِكة التي نعيشها. وفي محاولة للاستجابة إلى هذا الانفتاح، طوّر الباحثون واللاهوتيون خطابهم الديني، وأثمر ذلك في أعمال أدبية ولاهوتية تخاطب الإنسان العربي في لسان ثقافته وبيئته.

محور الجلسة

في اللقاء الأول لهذا المنتدى، تمّ عرض موضوع "التسييق في ترجمة الكتاب المقدس" الذي ناقش كتاب "المعنى الصحيح لإنجيل المسيح". وجرى عرض الموضوع في إطار التقدير والإحترام للقيّمين على هذا العمل والمشاركين والحضور، مع التمسّك بمحورية الدراسة والبحث ضمن إطار "كلمة الله" الأساسية التي توجّه أهدافنا ومساعينا. أثار هذا الكتاب بعض الجدل في السنوات الأخيرة، نظرًا لجرأته بتخطّي المألوف وإعطاء دلالات جديدة لبعض المعاني الكتابية الأساسية، مستعينًا بفيضٍ من مخزون اللّغة العربيّة. فكيف نبني موقفًا تجاه هذه الأعمال التي بدأت تظهر في عالمنا؟ وهل للمتلقّي دور في تحديد نوع الأدب ونمط التفسير والترجمة المتّبعة وتوجيهها؟

المناقشة

بادئ ذي بدء، تم الاستماع الى الآراء حول مفهوم التسييق، التي تفيد بأن ترجمات الكتاب المقدس تنوّعت عبر الأزمنة والثقافات، بتنوع الأساليب الأدبية والمقاربات العلمية الهادفة إلى إيصال المعنى الصحيح لكلمة الله في سياق المتلقّي، كما كان الحال مع الكاتب الأول للإنجيل، مع الحرص الشديد على التمسّك بالمبادئ الكتابية والأُسس اللاهوتية لكلمة الله. تَقدم رعاة هذا العمل بشرح الخلفية والهدف من الكتاب والتي تفيد بالتالي:

    1. ترجمة الكتاب المقدس هي فنّ، والفن يتحمّل عدة أشكالٍ لوجهٍ واحد. بالتالي، الترجمة لها عدّة أجوبة، كما أن الترجمة تعتمد على أسلوب المترجم، وهي علم يُوجب على المترجم الممتهن أن يكون ملمًّا بعلوم الترجمة والدراسات الكتابية والنقد والتاريخ وحضاراته.
    2. مفهوم التسييق في ترجمة الكتاب هو أن نأخذ النصّ من سياق حضاري وزماني معيّن إلى سياق آخر، ونلجأ له من أجل ردم الهوّة الزمنية والثقافية والأدبية، حيث ينقل المترجم دلالات العبارات التي قصدها الكاتب وفهمها القارئ الاول، إلى دلالات العصر الحاضر التي تفيد نفس المعنى المقصود. فالمعنى الأخير هو المعنى السياقي، مع الأخذ بعين الاعتبار تطوّر اللغات وعلومها وعلوم التفسير والاكتشافات الجديدة في حقل الدراسات الكتابية والمخطوطات.
    3. الهدف من هذه الترجمة هو إيصال كلمة الله للقارئ المسلم ضمن إطار بيئته وثقافته وفي قالب موضوعي، حيث يصعب على الترجمات الأخرى أن تنقل المعنى الهدف.
    4. الإجابة على الأسئلة التي شكلت على مدى التاريخ عثرة أمام المسلم من حيث وحدانية الله، مفهوم الثالوث، وخاصيّة العلاقة التي تميز الآب والابن والروح القدس.
    5. هذا العمل لا يدعّي شرح الكتاب المقدس أو تقديم تفسير مفصّل وشامل أو لاهوت نظامي، فهو مجرد ترجمة، والترجمة قد تتضمن تفسيرات مختلفة.

الموقف المختلف

ثم جرى استطلاع للآراء المعاكسة والمخاوف لدى بعض الدارسين واللاهوتيّين المتمثلة بالتالي:

    1. تحديد نوعية ومنهجية العمل، هل يعتبر ترجمة أم تفسير؟
    2. التخوّف من وجود إضافات عديدة، بهدف تحسين المعنى والتسييق، قد تُحوّل الإيمان من الكلمة الحرفية الى الإيمان بوجهة نظر المفسّر.
    3. عدم الإلتزام بالأمانة العلمية التي تقتضي وجود دقة في الترجمة وليس تقرّباً من البيئة. بالتالي وجود الترجمات التي لا تتمسك بالمعاني التقليدية، تؤكد مزاعم تحريف الكتاب المقدس.
    4. الابتعاد عن المعاني الدقيقة لمفهوم الثالوث ووحدانية الله.
    5. عدم وجود إشارة واضحة وصريحة لحقيقة ألوهية المسيح ومساواته مع الآب في الجوهر والطبيعة والقيمة والذي يعتبر أساسًا في العقيدة المسيحية.
    6. التخوّف من أن الترجمات السياقية قد تبعد المسلم عن المتوارث الكنسي الذي حافظ على أصولية الايمان المسيحي.
    7. والسؤال الأهّم الذي يجب أن نبحث فيه: هل علينا أن نُنتج تفسيرًا أو ترجمةً لكل جماعة دينية أو اجتماعية أو عرقية نراعي فيها مفاهيمهم وعباراتهم وثقافتهم، مساومةً على وحدة الكنيسة الجامعة؟
    8. وهل مشكلة المسلم هي مع البيئة والثقافة أم هي مشكلة دينية؟ وهل نعالجها بالإلتفاف حول المعاني الدقيقة أو بتقديم الحق والحقيقة؟

أما بعد،

وبعد عرض لوجهات النظر التي تناولها المعنيون، ومن هذا المنطلق نتَفكّر بما يجب أن يكون الموقف السليم والبنّاء الذي يشجّع الأقلام العربية على تطوير مفهوم يراعي ثقافة الإسلام والثقافة العربية بشكل خاص، مع الحرص على الإلتزام بالمبادئ الأساسية للعقيدة المسيحية.
لا بد لنا من تقدير الآراء الجديدة والمختلفة، التي تُغني مفاهيمنا، وتعطينا أبعادًا جديدة لكلمة الله، وإن تعارضت مع بعض الأفكار التقليدية التي تعوّدنا عليها.
فهل نتمسّك بالتقليد المتوارث بغض النظر عن تأثير ذلك على فعاليّة انتشار كلمة الله، فندعو الآخرين أن يحترموا تقليدنا وينضموا إليه ويكونوا جزءًا منه وامتدادًا له؟ أم أنّ علينا أن نعطي الأولويّة للفعاليّة في الخدمة على حساب التقليد الكنسي؟
وكما أن الله تجسد في عالمنا الحسّي لكي يكلّمنا بسياق مفهوميتنا، هل يمكننا أن نعتبر هذه الترجمات تُجسد كلمة الله في الثقافة والمفاهيم الإسلامية؟ أم أن مشكلة المسلم ليست مع الثقافة والبيئة بل هي دينيّة في الأصل، ومعالجتها تكمن في تقديم الحق بعباراته التقليديّة وبغضّ النظر عن مقبوليّتها في مَسمَع المسلم؟
كيف يمكننا أن نتجاوز حدود ربط مفهومنا عن الله في أطر التسميات إلى اختبار العلاقة الفعلية مع الله الآب؟ وهل الترجمات والأعمال الأدبية تخدم هذا الهدف؟
هل نسعى إلى حماية معتقداتنا وقوانين الإيمان والمسلّمات الموجودة، خوفًا من فقدان الهوية المسيحية ودفاعًا عن العقيدة التاريخيّة، أو أنّ هناك دور للسماح للآخر في النمو بالكلمة حسب إرشاد الروح القدس؟ وإلى أي مدى يستند النمو الصحيح على الترجمة الصحيحة للمعاني؟ وما هي الصلة بين "الدقّة" و"الحرفيّة" و"الصحّة" في الترجمة، وكيف يساهم ذلك في تأسيس لإنشاء المفهوم الصحيح للثالوث ووحدانية الله؟
بناءً على ما سبق، يبقى الحوار والتشاور الوسيلة الأنجح لتطوير مفاهيمنا بحسب كلمة الله الحيّة التي تتفاعل مع تطّور الحياة والمجتمعات والثقافات

استنتاج وخلاصة

تبقى هذه الأسئلة موضع تفكير وتمعن على المستوى الفردي والجماعي، وخلاصة الموضوع الأوّل لمنتدى الشؤون المعاصرة:
الترجمة موضوع النقاش، "المعنى الصحيح لإنجيل المسيح"، موجهة إلى القارئ المسلم بوجه خاص ولا تهدف بالدرجة الأولى إلى خدمة الكنيسة أو دارسي الإيمان المسيحي بشكل عام. فالمترجم ليس بصدد تقديم عرض من اللاهوت النظامي، بل ترجمة تخدم سياق المتلقي كما يرِد في البند الأول من توصيات اللجنة المنتخبة من قبل الإتحاد الإنجيلي العالمي، الصادر في شهر نيسان2013.(يمكنك تنزيل التّقرير من هنا). لذلك، وبناءً على إيماننا الراسخ برسالة المحبة لكل العالم، الذي وضع المسيح حياته من أجله، وبأهميّة وحدة الكنيسة، علينا أن نعي أهمية إنتاج أعمال أدبية ولاهوتية تواكب الانفتاح الموجود اليوم في أرجاء البلاد العربية المختلفة والمتنوعة ثقافيًا. وبالتوازي مع الإرشاد المقدم من قبل الإتحاد الإنجيلي العالمي، نعرض التوصيات التالية:
- على ترجمة الكتاب المقدس أن تتضمن عبارتَيّ "أب" و"ابن،" كونهما عبارتان لاهوتيّتان وتاريخيّتان، وتمتلكان كل المضامين الكتابية لخاصيّة العلاقة بين الإثنين التي يصعب توصيفها بمرادفات دينامية أخرى، كما ولها مفهوم مشترك في كل الحضارات، حتى بين المسلمين. ولكن علينا أن نعي إمكانية وجود صعوبة في الثقافة الإسلامية من ناحية التمييز بين عبارتَيّ "أب" و"ابن" حين تشيران إلى الله. لذلك يمكن للمترجم في هذه الحال أن يستخدم إضافات توضيحية على العبارتين، على مثال "الأب الروحي" و"الابن الأزلي، أو السماوي" للتمييز بينهما، مع ترك حرية اختيار العبارة الأقرب إلى البيئة منها إلى التمسك بالحرف كي تلبي الترجمة الهدف من إيصال المعنى الكتابي لهذه الجماعة التي علينا مراعاتها. (البند الثاني)

- كما ونظرًا الى صعوبة فهم عبارة "ابن الله" في السياق الإسلامي، على المترجم الذي يعمل على تفسير كلمة الله في سياق المتلقّي، أن يستخدم إضافات وصفية للعبارة تخدم المعنى السياقي. كما ويمكنه أن يقدم شروحًا إضافية على هامش النصّ لكي يشرح ما يرى بأنه يمثّل المعنى المقصود شرط عدم الخروج عن روحية الكتاب المقدس. (البند الثالث)

- كما ذكرنا آنفا، إن هذا العمل هو ترجمة للكتاب المقدس ، وكل ترجمة هي تفسير يختار فيها المترجم العبارات التي تخدم سياق المتلقي وتفسّر المعنى، فالنص الكتابي غنيّ بالفكر اللاهوتي الذي يوصّف خاصية العلاقة بين الآب والابن، لذلك وبالإتفاق مع توصيات اللجنة (في شرح للبند الأول)، فإن النص بذاته يتضمن شرح للعلاقة الخاصة للآب مع ابنه، الذي يساوي الآب في الجوهر والطبيعة والقيمة، لذلك على الكنيسة أن تطّور المفهوم اللاهوتي الذي يشرح معنى الثالوث الأقدس ضمن منهجية منظمة تجاوب هموم العصر، وما على المترجم سوى أن يحافظ على سياق المعنى الكتابي.

- ومن هذا المنطلق يجب علينا ان نأخذ موقفًا موحدًا، وليس مدافعًا أو معارضًا يسبب عداوة، بل متّحدًا من أجل أن تنتج الكنيسة مجتمعة، أعمالاً تكلّم فكر المسلم وقلبه في بيئته وثقافته، مع الحرص على البقاء ضمن الثوابت الأساسية للعقيدة المسيحية من أجل أن تبقى كنيسة الرب يسوع المسيح كنيسة واحدة شاملة عالمية.