هل يصنع الاسم فرقًا؟ حجّة لاستخدام “عيسى” في الترجمات العربية للكتاب المقدس
مايو 27, 2021
أحب قريبك، كن سياسيًا!: تأمّل من لبنان حول انخراط الإيمان في السيّاسة
يونيو 10, 2021

فلسطين والإنجيلية ومشكلة السلطة

بقلم كالب هاتشرسون

فيما أكتب هذه المدوّنة، تم التفاوض على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية. مرة أخرى. خلال تلك الأيام الأحد عشر، قُتل أكثر من 230 شخصًا في فلسطين، من بينهم 66 طفلاً. أضف إلى ما لا يقل عن 12 شخصًا في إسرائيل، بينهم طفلان. لقد جعلني أحد التقارير أجثو على ركبتي منذ بضع ليالٍ. توفي جميع الأطفال الخمسة لعضو فريق فلسطيني في منظمة دعم الكنيسة الدنماركية حين أقدمت غارة إسرائيليّة جويّة على تفجير السيارة التي كانوا يحاولون الفرار بها. 5 أطفال جميعهم. قلبي لا يتحمّل ..

يا ربّ ارحم.

سألني أحدهم في ذلك اليوم عن رأيي في ذلك الموقف. لا كلمات لدي. فالكلمات التي تأتي ليست سوى هراء ومهزلة، وهي تجريد ملحوظ لتجارب الآخرين الفعليّة. بعض الأمور معقّدة وتحتاج إلى مناقشة دقيقة لفهمها. غير أنّه ثمة أمور أخرى هي خاطئة بكلّ بساطة. وفي بعض الأحيان ثمة حاجة لقول شيء ما.

يا يسوع ارحمنا.

إذا كنت تريد نظرة مفيدة على الوضع في فلسطين، فأنا أفضّل أن تقرأ كلمات المسيحيين الفلسطينيين الذين يعيشون في فلسطين، على بُعد 150 ميل (240 كلم) من حيث مكان سكني في بيروت.

على سبيل المثال، في مدونته الأخيرة، يدعو يوحنا كتناشو إلى الصلاة من أجل السلام، والبكاء مع الباكين، والوقوف مع المظلومين، بينما يتحدّث بصدق أيضًا عن الوقائع الراهنة في غزّة والضفّة الغربيّة. يعلّمني عن الوداعة وأن أكون صانع سلام في خضم الظروف التي تُغضبني. وعلى المنوال نفسه، يتحدّاني منذر إسحاق أن أبحث عن الحقيقة من خلال تسمية الأشياء كما هي، وإعادة التفكير في اللاهوت المسيحي الإشكالي الذي يغذّي هذه الكارثة.

لفت آخرون عدّة الانتباه إلى الجوانب السياسيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة ليس فقط “للمشاكل” الراهنة، ولكن العنصريّة المستمرة والفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني يشكّلان السياق الحقيقي للأسبوعين الماضيين في فلسطين. ربّما هذه الكلمات تجعلك ترتجف. ليسوا لي. استخدمت بتسيلم، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة، هذه الكلمات في كانون الثاني (يناير) لوصف حقيقة الوضع. كما فعلت منظمة هيومان رايتس ووتش المستقلة في تقرير نُشر في أبريل / نيسان. خلاصة القول: القوانين والسياسات والممارسات الحاليّة في إسرائيل تُرسّخ السيادة اليهوديّة باعتبارها سيادة القانون. إنّ وقف إطلاق النار مرحّب به، لكنّه لا يعني سوى العودة إلى الاختناق اليومي للفصل العنصري والاحتلال العسكري. العنف البطيء يبقى عنفًا.

ولكن ماذا عن اللاهوت الإشكالي الذي يشير إليه كتناشو وإسحاق؟ يطلبان برفق أن يعيد المسيحيون الأمريكيون التفكير في كيفية مساهمة معتقداتهم في الكارثة المستمرة. وكما هو الحال أنا مسيحي أمريكي أبيض نشأت في ولاية أريزونا، وحضرت الكنائس الإنجيلية التي تعلّم اللاهوت الحرفي، والحكم الألفي، وتخرّجت من كلية اللاهوت في دالاس (مقر اللاهوت التدبيرى إلى حدّ ما)؛ أنا من أبناء هذا التيار اللاهوتي. قد يقول المرء حتى أنّ لدي مستند شرعي يرهن انتمائي. بسبب خلفيتي، أريد أن أقول بعض الأشياء عن بعض المشاكل الملموسة التي رأيتها في التقاليد التي نشأت فيها والتي أدت إلى هذا التجاهل لحياة الفلسطينيين.

الهدف السهل والواضح للنقد هو التيار المسيحي الصهيوني الشعبي للمسيحية الإنجيلية الذي يدعم مباشرةً الفصل العنصري والعنصرية، وبالتالي يمنع أي احتمال لقيام دولة فلسطينية في المستقبل. يدمج هذا الشكل الشائع من الوثنية القوميّة الأمريكيّة المسيحيّة مع المشروع الصهيوني لاستعادة كامل الأراضي الفلسطينية من أجل دولة إسرائيل الحديثة، متوقعين بفارغ الصبر أن تحلّ هذه الكارثة في نهاية الأزمنة. غير أنّ هذا التنبؤ السخيف والمثير للحروب مرفوض إلى حدّ كبير من قبل العديد من عائلتي وأصدقائي الذين لديهم قناعات تدبيرية، وحتى معظم أساتذة التدبيرية الذين درست تحت إشرافهم. غير أنّه لا يزال الكثير منهم يدعم سياسات إسرائيل أولاً. وبالتالي، كما هو واضح، لا أعتقد أنّ هذه الصهيونية المسيحية التي يتم تبنيها شعبياً هي الجذر الحقيقي للمشكلة.

أنا مقتنع جدًّا بأنّ مصدر التجاهل المسيحي الإنجيلي لأوضاع الشعب الفلسطيني هو أساسي ومبسّط أكثر من كونه نظريّة تفسيريّة. المشكلة التي أراها هي علاقتنا الإشكاليّة بالسلطة. هذه العلاقة متأصلة في ممارساتنا، ما يعني أنّها تعلو وتعلّم كيفية قراءتنا للكتاب المقدس والعالم. تلخّص بيث أليسون بار في كتابها الأخير الذي يحللّ استعباد النساء داخل الإنجيلية، مشكلة القوة الإنجيلية في هذه الكلمات: ” أعظم حيلة قام بها إبليس على الإطلاق هي إقناع المسيحيين بأنّ القمع هو تقوى إلهيّة”.

أعتقد أنّ هذا هو لبّ مشكلتنا. نحن الإنجيليون الأمريكيون تمّ تشكيلنا روحياً لممارسة إيماننا بطرق منغمسة في القمع. لقد افترضنا تفوق البشرة البيضاء، والقيم “الغربية”، والسياسة النيوليبرالية، والذكور على الإناث، ودمجنا هذه التسلسلات الهرمية الثقافية في ممارساتنا الدينية. نتيجة لذلك، نتسابق في البكاء عندما تنحرف معتقداتنا وأخلاقنا عن كسب الامتياز المجتمعي، لكنّنا في كثير من الأحيان نخفق في الاعتراف كيف أنّ هذه المعتقدات تؤدي إلى ظلم الآخرين، سواء عن طريق الإهمال أو عمدًا.

لقد تعلّمنا أن نقبل الأجندة السياسية من حزب سياسي معيّن لكونه “مسيحي” بينما ننتقد الآخر على أنّه شيطاني. لقد تعمّدنا في سياسات السلطة المحافظة التي تحرّكها الرغبة في الحفاظ على الوضع الراهن. وقد نشأنا روحياً بدافع سلطوي يأخذ جانب القوي، بينما يلوم الضحية.

باختصار، لقد تم ترويضنا لحماية سلطتنا من خلال تجاهل مسؤوليتنا الأخلاقية أو السياسية تجاه الإنسانية وتحرير جميع المظلومين، إلّا إذا كانوا أطفالًا لم يولدوا بعد.

نتيجة لذلك، نسمع في الأخبار الصادرة من غزّة عن عواقب “عادلة” ضرورية لإقامة النظام، بدلاً من القمع والفصل العنصري. يمكننا أن ننبذ “المظالم” في دستور حماس، لكن لا يمكن أن ننبذ أي من “مظالم” إسرائيل. نشيد بالحرية ونثني على الاهتمام بـ “الفقراء والأرامل والأيتام”، لكنّنا نتساءل لماذا لا يستطيع الفلسطينيون التوقف عن إطلاق الصواريخ. نقتبس من سفر التكوين الإصحاح 12 وننسب نجاح أمريكا إلى المكانة المميزة التي تمنحها أمريكا لإسرائيل، بينما نتخيّل في الوقت نفسه جميع الفلسطينيين على أنّهم “إرهابيون” يستحّقون القهر.

لا تنتهي حماية السلطة بإلقاء اللوم على الضحية عند تفكير الإنجيليين في فلسطين فقط. إنّها جزء لا يتجزّأ من سياسات المسيحيين الأمريكيين وجهودهم لإبعاد اللاجئين اليهود الأوروبيين الفارين من الفظائع النازية في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية (التي أدّت بالمصادفة إلى إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948). غير أنّ هذه المشكلة نفسها نجدها أيضًا في الطرق التي نتحدّث بها عن الاحتشام للفتيات في مجموعة الشبيبة. ونجدها في نصحنا للزوجات بالعودة إلى أزواجهن المسيئين، أو لومهم على استخدام أزواجهن لمواد إباحيّة. وهي تكمن أيضًا في حماية الرعاة الذكور والمعلمين المشهورين الذين يعتدون جنسيًا على الآخرين. وكذلك نجدها عندما ننتقد الأمريكيين الأفارقة لاحتجاجهم على المظالم التي عانوا منها بسبب تواطؤنا في العنصريّة. لقد انحرف مفهومنا للعدالة بسبب اعتقادنا بأنّ إرادة الله لبعض الناس هي السيطرة على الآخرين، والبعض الآخر عليهم الخنوع. وبالتالي، يتجاهل كثيرون منّا في مواقع السلطة الأشخاص الذين يجب أن نصغي إليهم بعناية – “الآخرين”، سواء أكانوا من عرق مختلف أو اثنية مختلفة أو قومية مختلفة أو سياسة مختلفة أو دين مختلف.

يا أبانا اغفر لنا.

إذا كنا ملتزمين برعاية المستضعفين والمُعتدى عليهم والمضطهدين من حولنا، كما يدعو المسيح تلاميذه، فنحن بحاجة إلى التواضع. وهذا يعني الاهتمام بـ “جيراننا” وتصديق ما يقولونه، خاصة فيما يتعلق بمعاناتهم. وبعبارة “الجيران”، لا أقصد أولئك الذين يعيشون في المبنى نفسه الذي نعيش فيه، والذين يقودون السيارات نفسها، والذين يشبهوننا ويتحدّثون مثلنا. نعم، من المحتمل أن يكون ذلك مؤلمًا بعض الشيء. قد يكون الأمر محرجًا عندما يجب أن نتصالح مع تواطؤنا في ظلمهم.

إلّا أنّها الطريقة الوحيدة التي سنستعيد بها ما هو منكسر في لاهوتنا. يقودنا التواضع المتشبه بالمسيح بعيدًا عن السعي للحفاظ على سلطتنا كشيء يجب الإمساك به، ونحو استخدامها نيابة عن – لصالح – أولئك الين لا قوة لديهم.

كاليب هاتشرسون محاضر في اللاهوت التاريخي في كليّة اللاهوت المعمدانيّة العربيّة. 

اترك رد