بقلم مرتان عقّاد
لقد سمع الجميع، حتّى الآن، عن إطلاق النار على مسجدي النور ولينوود في كرايستشيرش، نيوزيلندا، ما أودى بحياة 50 مسلمًا وجرح 50 آخرين أثناء صلاة يوم الجمعة الموافق 15 آذار/مارس 2019. للأسف، هذه ليست حادثة منعزلة هذه الأيام، حيث يشهد بعض المسلمين أنّهم بُصِق عليهم، أو يخبرنا بعض النساء المسلمات أنّه نُزِع الحجاب عن رؤوسهن، في لندن ومدن أخرى في الغرب. وفقًا لمقال لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، سجّلت شرطة المملكة المتحدة ارتفاعًا بنسبة 40٪ في جرائم الكراهية بدوافع دينية في إنجلترا وويلز، من حوالي 6000 في عام 2016 إلى أكثر من 8000 في عام 2017-2018، 52٪ منها تستهدف المسلمين.
يمكن تحديد المواقف المتعصبة، الشائعة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي، وخطاب بعض السياسيين البغيض، على أنّها مصادر تساهم على نطاق واسع في تأجيج هذا الجو المتنامي من الانقسام. غير أنّني في هذا المنشور، أود التركيز بخاصة على ظهور كتابات سلبية حول الإسلام منذ 11 أيلول/سبتمبر ٢٠٠١، والتي ظهرت نسبة كبيرة منها من الدوائر الإنجيلية في جميع أنحاء العالم.
من المسلَّم به أنّ الشخص الذي شنّ الهجوم في نيوزيلندا لم يكن مدفوعًا بمشاعر دينية أو مسيحية أو غيرها. في بيان نُشر على الإنترنت قبل الهجوم من قبل رجلٍ يحمل اسم المهاجم المعتقَل نفسه، برينتون هاريسون تارانت، وصف نفسه بأنّه “مواطن أسترالي يبلغ من العمر 28 عامًا تبنى أيديولوجية اليمين المتطرف والمناهض للهجرة.”
لا أهدف هنا إلى تقديم قائمة بعناوين الكتب “الخطرة” التي كُتبت عن الإسلام. في الواقع، لن يكون من المناسب توجيه أصابع الاتهام إلى الكتب أو المؤلفين في هذا الوقت المتسم بالمشاعر المتأججة. إلّا أنّ ما أريده هو الإشارة إلى بعض المبادئ للقرّاء الذين يرغبون في معرفة المزيد عن الإسلام، حتى يتمكّنوا من أن يقرّروا لأنفسهم ما هي الكتابات التي كُتبَت بدافع محبة المسيح، وأي الكتابات تؤدي إلى الحياة الأفضل والاصلاح، وأي منها قد يؤدي لمزيد من الصراع والكراهية والموت. سأقترح هنا ثلاثة مبادئ فقط، بالنظر إلى الطبيعة المحدودة للمدونة.
أولاً، من المهم أن نعرف أنّ الإسلام متنوع للغاية – على الأقل مثل المسيحية وغيرها من الديانات. التنوع في الدين هو عادة تعبير عن تنوع الرأي في تفسير النصوص الرئيسة التي غالبًا ما تكون حاسمة في إلهام الممارسات الدينية التي من شأنها أن تسهم في الخير أو الشر في المجتمع. لا يكتسب الكتاب الديني معنى أبدًا من العدم، ولكنّه دائمًا ما يكون نتيجة لتفسير محدد.
تنويه أوّل: إذا التقطت كتابًا يبدو أنّه يرسم الإسلام بضربات فرشاة ذات لون واحد، ويصوّر كلّ المسلمين على أنّهم شيء واحد – سواء كان إيجابًا أم سلبيًا – فيجب أن يثير هذا أول إنذار للشكّ لديك.
ثانيًا، تنعكس نوايا الكاتب عادةً في نبرة الكتابة. إذا كان أسلوب الكتابة تصاعديًا، أو جدليًّا هجوميًّا (شبيهًا بالحرب)، أو مُهينًا، ثمة احتمال أن يكون الكاتب مدفوعًا بأذى أو غضب أو خوف خاص به، أو أنّه مدفوع بأجندة تتعمّد إثارة الانقسام والفتنة. من المهم أن نلاحظ أنّ الكتابة “الجدلية الهجوميّة” تختلف اختلافًا كبيرًا عن الكتابة “الناقدة أكاديميًا.” يمكنك أن تنقد عناصر معينة من التراثات الدينية بعد دراستها علميًّا، دون استخدام نتائجك لتشويه سمعة الدين بأكمله أو أتباعه. النقد الأكاديمي معقّد وسيستخدم عمومًا منهجية تناشد العقل بشكل أساسي وليس العواطف. إذا تمّت ممارسته على نحوٍ جيّد، يمنح المصداقية عندما يكون الأمر مستحقًا ويشكّك في مصداقية بعض المفاهيم من خلال التحليل العقلاني المتوازن، متجنبًا التعميمات التي لا تحترم الناس ومتفاديًا بالتأكيد التهجم الشخصي على الناس.
تنويه ثانٍ: إذا كان الكتاب الذي تقرأه يستخدم قوالب نمطية واسعة النطاق وغيرها من الأساليب التي استخدمتها الأيديولوجيات العنصرية، يمكنك أيضًا أن تتركه جانبًا. لن تكتسب حكمة أكثر حول الإسلام من خلال قراءته.
ثالثًا، التراثات الدينية معقّدة وبالتالي يجب دراستها وعرضها من خلال عدسات تبرز تعقيداتها. إذا كانت الكتب التي تقرأها عن الإسلام تعتمد الأسلوب التبسيطيّ (غالبًا ما تعتمد العناوين التبسيطيّة والنمطيّة أيضًا)، فمن المحتمل أن يكون الكاتب غير مضطلع كفاية في الإسلام وأنّه يكرّر ببساطة العموميات التي سمعها في الندوات أو قرأها في العروض ذات وجهة النظر الأحادية للدين. أعرف أنّ القراءة المعقّدة ليست أمرًا سهلًا وممتعًا للجميع وأنّ عصر وسائل التواصل الاجتماعي هذا لم يدرّبنا على قبول الأفكار المتضاربة في توازن صحّي. لكن مذبحة نيوزيلندا كشفت أنّ عالمنا هشّ للغاية، فلا نقدر أأن نقبل النمط التبسيطيّ دون نقد بعد الآن. بالإضافة إلى الطبيعة المتعددة الأوجه لجميع الأديان – بما في ذلك الإسلام – لا يمكن لأي باحث جاد تجنّب حقيقة أنّ الأديان تتطوّر وتتغيّر باستمرار.
تنويه ثالث: إذا كنت تقرأ كتابًا عن الإسلام يخبرك أنّ المسلمين سوف يتصرفون دائمًا بطريقة معينة لأنّ المسلمين فعلوا ذلك طوال تاريخهم، فيمكنك الاستنتاج بثقة أنّ الكاتب لا يسعى وراء الحقيقة بل هو حريص على تقديم مظهر معيّن للدين دون سواه واعتباره مظهرًا أبديًا وغير متغيّر. لم يفت الأوان بعد لترك ذلك الكتاب جانبًا.
عصر وسائل التواصل الاجتماعي هو عصر المواطنة الناشطة. كما تمكّن المواطنون من تنظيم وتجنيد أنفسهم تضامنًا ودعمًا لقضايا جيدة، تمكّن بعض القادة الشعبويّون المحشونون بالغضب من حشد الدعم لخدمة الأجندات المدمرة المؤدية إلى العمل المميت. تتشكّل عقول هذا العصر من خلال الكتب ووسائل الإعلام – سواء كانت تفاعلية اجتماعية أو أكثر تقليدية. يتحمّل الكتّاب والمدوّنون وناشطو وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية هائلة تجاه طريقة تفاعل مجتمعاتنا وجماعاتنا مع بعضها البعض. إذا كنت كاتبًا، فسيحمّلك الله مسؤولية تأثيرك على الأشخاص من خلال كتابتك، سواء كان جيدًا أو سيّئًا. إذا كنت قارئًا ومستهلكًا، فسوف يحاسبك الله على ما تختار أن تتغذى عليه وما اخترت رفضه، سواء كان جيدًا أو سيئًا. كمواطنين عالميين، نحن مسؤولون عن مصير عالمنا.
كما ذكرت أعلاه، على الرغم من أنّني اخترت ألا أقدم في هذا المنشور قائمة بكتب عن الإسلام التي أعتبرها غير نافعة وأخرى بكتبٍ أعتبرها مفيدة، سأوجّهكم على الأقل إلى كتابي القادم باللغة الإنجليزيّة، “التفسير المقدّس الخاطئ: التواصل عبر الفجوة المسيحية-الإسلامية” Sacred Misinterpretation: Reaching Across the Christian-Muslim Divide (Eerdmans، سيُنشر في 7 آيار/مايو 2019). الغرض من هذا الكتاب هو إبراز التعقيد التاريخي والتفسري للمحادثات اللاهوتية بين المسيحيين والمسلمين، واقتراح طرق يمكننا من خلالها دفع هذه المحادثات المهمة إلى الأمام. يمكنكم طلب الكتاب مسبقًا الآن من هنا.